حواديت فنية .. الفنانون بين الرقابة والمسئولية
بقلم : طاهــر البهــي
يثبت بعض العاملين في حقل الإنتاج الفني من حين لآخر أنهم لا يتمتعون بدرجة كافية من الحس الرقابي على الذات، والمسئولية تجاه فئات الشعب المختلفة.
تقوم قيامة الفنانين والمبدعين ومعهم جمهور المثقفين كلما لوح أحدهم بسيف الرقابة لدرجة أن المراقب للموقف بين الفنانين والجهات الرقابية يشعر أن الموضوع تحول الى نوع نادر من الحساسية التي قد يكون من بين أعراضها الحكة الناتجة عن هياج الأعصاب والتهابها المزمن.
يختلف الطرفان بينما الهدف واحد: مصلحة الوطن والمواطن، أما المنطق فهو متضارب ويتسم أحيانا بعدم وضوح الرؤيا؛ فأنصار الرأي القائل بوجوب تفعيل دور الرقابة وقيامها بعملها فى حماية المواطن من انحراف الكلمة والصورة بعيدا عن قضية الفكر يرى أن الرقابة ضرورية لحماية النشء من الألفاظ والتعابير والصور التي تؤذي براءته وبكارته وفطرته التي جبل عليها من قيم وخلق قويم، فيما يختلف معهم أنصار الحرية المطلقة ويرون أن الرقابة انغلاق ومعاداة للحرية ومحاربة للفن وأهله بل ونفاق للدولة!
ولا أحد يقول إن الرقابة مرادف المنع بل هي حماية للفنان ذاته من الوقوع في خطأ قد يعرضه للمساءلة القانونية لأنها بحاستها التي اكتسبتها من طبيعة عملها والعين الفاحصة التي قد تكون محبة للفن بأكثر منا يمكن أن تكتشف أخطاء تجنب العمل الفني من دعاوى عدم عرضه في ما بعد عندما يتجاوز مرحلة الرقابة.
ولعل الجميع يعلم ويتذكر أن جهاز الرقابة في أقسى عصوره ومراحله قد سمح بمرور وتداول أيقونات الفن المصري سواء في مجالات السينما أو المسرح أو الأغنية، كان من بينها سينما المبدع الراحل عاطف الطيب وأحمد زكي ومسرح نعمان عاشور، وأغنيات بل صرخات عمنا الراحل سيد حجاب وعلي الحجار وعمار الشريعي والأبنودي.
كل هذا مر وليس تفضلا من أحد بل أن الزعيم جمال عبد الناصر قد أمر بعرض الفيلم الرائع للسيدة شادية والنجم محمود مرسي "شيء من الخوف" عندما رفع إليه الأمر، قائلا قولته الشهيرة: "لو احنا فعلا عصابة نبقى لا نستحق أن نكون في مواقعنا"، وعرض الفيلم كاملا دون حذف مشهد واحد فى إشارة إلى أن الزعامات الوطنية لا تقل إحساسا بالمسئولية ولا تقديرا لدور الفن في توعية شعوبها.
أقول ما سبق وأنا أنظر للتراشق الواقع الآن بين أسرة أحد المسلسلات المعروضة، وبين نقابة مهنية بسبب ما لمسته من تشويه لصورة أبناء مهنتها بعد وضع يدها على بعض المشاهد التي تسىء لأبنائها على حد قولها.
وأكدت أسرة مسلسل "أرض جو" احترامها وتقديرها الكامل لمهنة الضيافة الجوية وبما تقدمه من تضحيات باعتبارها صورة رائعة ووجه مشرف لكل المصريين، وذكرت في بيان صادر عنها أن العمل حبكة درامية وشخصيات من وحي الخيال.
المسلسل لا يناقش مهنًا بعينها لكن يناقش تفاصيل وقضايا اجتماعية، وأن أحداث المسلسل عبارة عن حبكة وشخصيات درامية من وحي الخيال بعيدة كل البعد عن تلك المهن.
ورغم تأكيدات أسرة المسلسل أن جميع النواحي الفنية الخاصة بالتصوير داخل الطائرة، تم العمل عليها بناء على نصائح من متخصصين كانوا متواجدين في موقع التصوير وملازمين لفريق عمل المسلسل لتجنب حدوث أي أخطاء تقنية أو فنية أثناء تصوير مشاهد الطائرة إلا أنه لو كان أحد يقوم بدوره ويراجع المشاهد قبل تصويرها لتفادينا الوقوع في الخطأ.