رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


مهارة "التأطير "

26-11-2021 | 12:51


أحمد تركى,

كيف تتم السيطرة عليك دينياً وثقافياً دون أن تشعر؟

فى حوار هاتفى شيق مع صديقى العزيز الدكتور عمرو سليمان، استشارى الطب النفسى، أفاد فى وسط حديثه إلى علاقة الصحة النفسية بطرق التفكير، قائلاً: إن طريقة التفكير والتناول تُعد مقياساً من مقاييس الصحة النفسية لدى الإنسان.

هذه المعلومة النفيسة بالنسبة لى جعلتنى أفكر فى كتابة مقال عن هذا الموضوع، ولكن من الناحية الثقافية والفكرية، ووجدتنى أتذكر وأستحضر مواقف مختلفة على المستوى الدينى والثقافى وحتى السياسى حول صناعة الإطار وإدخال الناس فيه؟!

 

لا أنسى أبداً العنصر الإخوانى فى وزارة الأوقاف عام 2012 الذى قال لى: اركب معنا ولا تكن مع الكافرين؟

يعنى: إما أن تكون مع الإخوان أو تكون كافراً؟

فقلت له: لن أكون معكم ولست بكافر؟ بل أنا مع مصر وطنياً وضميراً، مع الحق الذى ليس معكم حتماً!

ولا أنسى هذا العنصر الإخوانى الذى هاتفنى بعد انتخابات الرئاسة عام 2012 وسألنى بكل صفاقة: انتخبت مين يا شيخ أحمد علشان نعرف أنت مع مين؟

ولا أنسى يوم أن كنت جالساً فى المسجد النبوى بعد صلاة الفجر عام 2017 فى حالة من الذكر والمناجاة لله تعالى، قطعها علىّ شاب مصرى غليظ:

  • شيخ أحمد تركى.. أنا سأدخل الآن أُسلم على سيدنا رسول الله وأشكوك إليه؟.. فقلت له: لماذا؟.. قال: لأنك تؤيد مصر ونظامها الظالم – على حد قوله - ضد تطبيق شرع الله!

فنظرت إليه بابتسامة باردة وقلت له: اطمن.. سيدنا رسول الله عارف كل حاجة، وعارف إن الإخوان خوارج العصر، وكان يحب مصر كثيراً وأنتم تكرهونها، وأكيد سيشفع لكل من يحافظ عليها، لأنه أوصى بها وقال: هى فى رباط إلى قيام الساعة.. صدقنى يا ابنى إذا كان هناك من أزمة مع رسول الله، فأنت الذى فيها ولست أنا، لأنك تمارس السياسة فى مسجده! هداك الله.

وبمناسبة التجارة برضا وغضب رسول الله.. أذكر عندما كان الأستاذ "ع. خ" يقدم برنامجه الدينى المتلفز فى المدينة المنورة قبل 2010 والذى كانت تنقله فضائيات كثيرة، وكان مدعوماً وممولاً وقتها، وسّد نفسه وسيطاً بين الناس وبين رسول الله، وقال فى نهاية حلقاته بعد جلسة بكائية من البكائيات التى يحترفها الإخوان والسلفيون والشيعة بقصد التأثير على الناس، قال: سأقوم الآن وأزور رسول الله، فماذا تريدون أن أقول له؟ هل هو غاضب عليكم أم هو راضٍ عنكم؟

وبالطبع بتكوينه الإخوانى سيدعى أن الرسول غاضب حتى يسوق الناس سوقاً إلى الإلتحاق ببرامجه الممولة.

 

فالتأطير هو: وضع إطار فكرى أو ثقافى أو عاطفى، ودعوة الناس إليه جذباً أو ترهيباً بقصد السيطرة عليهم، أو ضمان اختيارهم لخيارات تم وضعها مسبقاً.

فعندما تزور صديقاً لك فى بيته ويسألك: هل تشرب شاياً أم قهوة؟

فإنه قد لا يخطر ببالك أن تطلب عصيراً مثلاً، أو سيمنعك الحياء من طلب مشروب آخر!

هذا الوضع يسمى: "أسلوب التأطير"، فهو قد جعل عقلك ينحصر فى اختيارات محددة فرضت عليك لا إرادياً ومنعت عقلك من البحث عن جميع الاختيارات المتاحة.

بعضنا يمارس ذلك بدون إدراك، وبعضنا يفعله بهندسة وذكاء.

والقوة الحقيقية عندما نمارس هذا الأسلوب بقصد وعندما أجعلك تختار ما أريد أنا دون أن تشعر أنت.

 

تقول أم لطفلها:

ما رأيك.. هل تذهب للفراش الساعة الثامنة أم التاسعة؟

سوف يختار الطفل الساعة التاسعة.. وهو ما تريده الأم مسبقاً دون أن يشعر أنه مجبر لفعل ذلك بل يشعر أنه هو من قام بالاختيار.

والأسلوب نفسه يستخدم فى الدين والسياسة والإعلام والفكر وحتى فى السينما.

 

فعندما تم إنتاج الفيلم "تيتانيك" يحكى كيفية غرق السفينة "آر إم إس تيتانيك" فى الصباح الباكر من يوم 15 أبريل1912  فى شمال المحيط الأطلسي، بعد أربعة أيام من بداية رحلتها الأولى من ساوثهامپتون إلى مدينة نيويورك. كانت أكبر سفينة ركاب فى ذلك الوقت، كان على متنها نحو 2224 شخصاً عندما اصطدمت بجبل جليدى فى حوالى الساعة 23:40 يوم الأحد 14 أبريل 1912، وغرقت بعد ساعتين وأربعين دقيقة يوم الاثنين 15 أبريل، وهو ما أدى إلى موت أكثرمن 1500 شخص، مما جعلها واحدة من أكبر الكوارث البحرية المميتة فى التاريخ.

ورغم أن العدد الأكبر من الضحايا نساء وأطفالاً.. إلا أن مخرج فيلم تيتانيك، الأمريكى جيمس كاميرون عام 1997 استطاع باحتراف شديد الانتقال بالمشاهد للفيلم من الأهوال الكارثية هذه إلى موقف عاطفى جدااااا، وتعاطفنا جميعاً ونحن نشاهد الفيلم مع الشاب "جاك" الذى ينحدر من طبقة متدنية والفتاة "روز" التى تنتسب إلى طبقة النبلاء ومحاولة جاك التضحية بنفسه لإنقاذ حبيبته!

انظر كيف تجاهل المخرج مأساة 1500 ضحية وجعلك تتعاطف مع شاب وفتاة فقط وسرق تعاطفك الإنسانى مع بقية الضحايا! هذا السلاح الخطير أداته وسائل الإعلام العالمية التى يملكها الماسون والصهاينة وستظل تلعب معنا اللعبة نفسها في مجتمعاتنا المنهكة بالجهل وانعدام الوعي.

 

ودائماً ما تضع الحدث فى إطار يدعم به القضية التى يريدونها.. هذا أسلوب واحد من عدد كبير من الأساليب التى تجعلك لا ترى إلا "ما أريد أنا"، وهو أسلوب قوى فى قيادة الآخرين والرأى العام من خلال وضع خيارات وهمية تقيد تفكير الطرف الآخر.

انتبه لكل سؤال يقال لك.. أو خبر.. أو معلومة تصلك، فإنه قد يسلبك عقلك وقرارك وقناعاتك.

كلما زاد وعى الإنسان ومعرفته، استطاع أن يخرج من هذه الأطر والقيود، وهذه الأطر هى لعبة الإعلام والسياسة والخطباء والكتّاب، لكى يقودونك إلى ما يريدون هم..لا إلى ما تريد أنت..! توقف الآن وفوراً.. وتأمل واصنع الإطار المناسب لك وليس القيد الذى صنعه لك الخصم.

باختصار: من يضع الإطار فإنه يتحكم فى النتائج.

 

على المستوى الدينى يفكر الكثير من المتشرعين فى إطار عصر الفقهاء القدامى ويظهرون آراء فقهية ترتبط بحدود زمان قديم وواقع قديم، ويريدون إجبار الناس عليها الآن، ويسوقونها كثيراً على أنها الإسلام.

فهذا الذى ظهر بفتوى إمكانية سرقة العفريت للأموال؟ ضحية من ضحايا حفظ النصوص دون نظر أو تفكر.

فهل يمكن تطوير التعليم الدينى بحيث أن يكون فى إطار الواقع وإطار الولاء المجتمعى المعاصر؟

ويقوم التطوير على الجمع بين حفظ القرآن والسنة الصحيحة مع الدراسة بفهم ونقاش وتدبر صحيح ومعرفة الواقع بكل أبعاده، وما الذى نحتاجه فى عصرنا الحاضر من التراث؟ ولماذا؟

قال تعالى: "قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِى الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ" يونس: 101

وقد تكلمت عن اقتراحات كثيرة فى هذا الجانب بمقالات سابقة.

 

وخاصة نحن على أعتاب عصر الميتافيرس ومن خلال ما كتب حوله يمكن السيطرة على عقول الشباب بسهوله ويسر من خلال تطبيقاته المختلفة! ويمكن الرجوع إلى مقالى السابق الدين والتدين على الميتافيرس. 

الدين والتدين على الميتافيرس

وهل يمكن تدريب السادة أئمة المساجد وخطباء الجمعة على كيفية الوعظ فى إطار ثقافة العصر الحاضر ودعم القيم والأخلاق بعيداً عن الشطط الذى يمارسه البعض؟

نعم.. يمكن.

على مستوى الوعى لدى الشباب هل يمكن صناعة الأطر المناسبة لهم حتى لا تتبدد قواهم ومواردهم وتتفرق بين قبائل الشر الذين لا يريدون الخير لهم ولا لمصر؟

نعم.. يمكن.

على مستوى الإعلام، هل يمكن صناعة إطار للاهتمام الإعلامى يراعى فيه المصلحة الوطنية وفقط ونقل المعلومات والحقائق المؤيدة لاستراتيجية الجمهورية الجديدة؟

نعم.. يمكن.

وما بقى سوى التنفيذ بدقة واقتدار

وعلى الله قصد السبيل