كان إيمان مصر بأهمية مكافحة الفساد وانتشار ثقافة منعه ومقاومته دائما وأبدا راسخا وخيارا ثابتا لم تحد عن دعمه ومساندته بل وكان تبنى دور رائد فى محيطها الإقليمى والعربى حاضرا فى عقل وقلب القيادة السياسية وهى تؤسس للجمهورية الجديدة فقد مر ما يقرب من 16 عاما على انضمام مصر لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد وأكثر من عشرة أعوام على مشاركة فعالة لمصر بمؤتمرات الدول الأطراف بدءاً من انطلاقته الأولى بالمملكة الأردنية وحتى المؤتمر الأخير بالإمارات العربية الشقيقة.
من هنا لم يكن مستغربا أن تستضيف مصر ممثلة فى هيئة الرقابة الإدارية فعاليات المؤتمر التاسع للدول الأطراف الموقعة المقرر انطلاقه بمدينة شرم شيخ خلال الربع الأول من الشهر الجاري.
رحلة شاقة وجهود مضنية بذلتها هيئة الرقابة الإدارية لتضع لمصر قدما ثابتة بل وملهمة للدول فى تحويل مكافحة الفساد من خانة التنظير والخطابة المنمقة إلى فعالية التطبيق والتمكين التشريعى ففى شراكة فريدة بين القطاعين العام والخاص وفى إطار إصدار دليل إرشادى لتطبيق ميثاق النزاهة وبرعاية الرئيس عبد الفتاح السيسى تم إشراكهما فى عضوية اللجنة الوطنية التنسيقية للوقاية من الفساد ومكافحته التى تألفت من كافة جهات إنفاذ القانون والجهات القضائية بالدولة ما يعنى وجود إرادة حقيقة لمواجهة منابع الفساد ومطاردته فى مناطق نموه وانتشاره وهو ما أكسب مصر تجربة رائدة دعت المؤتمر الثالث فى عام 2009 لاستعراض التقرير المصرى.
لقد تأسس الدور المصرى فى تبنى سياسات مكافحة الفساد بتؤدة وحكمة وسعى لا يقبل الرجوع إلى الخلف حيث اتخذت العديد من الإجراءات التى تتوافق مع خطة التنمية المستدامة 2030 فى إطار الترويج لثقافة النزاهة والشفافية والمساءلة ومنع الفساد كان من أبرزها نشر الوعى بمخاطر الفساد من خلال حملات إعلامية مكثفة أطلقتها الرقابة الإدارية وآخرها حملة "يا ترى مين الكسبان" التى تستهدف التوعية بمخاطر الفساد وأهمية المشاركة المجتمعية لمنعه ومكافحته وإبراز خطورة الممارسات الفاسدة على الفرد والمجتمع.
إن استعراض رحلة مصر لمكافحة الفساد تؤكد وبلا شك العزم الصادق على محاربة الفساد تلك الذى يؤرق المجتمع ويفسد سعيه لتحقيق التنمية من هنا حرصت مصر على إصدار مؤشر وطنى يعنى بقياس مدركات الفساد بوحدات الجهاز الإدارى بدءا من عام 2015 والذى أسهم فى منح مختلف المؤسسات القدرة على تعديل لوائحها الداخلية بل أسست مصر منارة يستهدى بها فى بحور الظلمات فى إطار مكافحة الفساد وهى الأكاديمية الوطنية لمكافحة الفساد التى أخذت على عاتقها تدريب جهات انفاذ القانون والعاملين بوحدات الجهاز الإدارى للدولة والقطاع الخاص لنشر قيم النزاهة والشفافية.
ولم تكن مصر يوما من ضمن فريق "أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم" بل أقرت مصر عددا من التعديلات التشريعية لتقدم نفسها كنموذج إيجابى لمنع الفساد ومكافحته كان أبرزها تعديل قانون هيئة الرقابة الإدارية نفسه فى عام 2017 لمنحها مزيدا من الاستقلال الفنى والمالى والإدارى والشخصية الاعتبارية.
كما تم تعديل قانون العقوبات بإدراج مواد تجرم رشوة الموظف العام الأجنبى وموظف المؤسسة العمومية الدولية كذلك إصدار القانون رقم 182 لسنة 2018 بشأن التعاقدات التى تبرمها الجهات العامة لمعالجة المشكلات فى مجال المناقصات والمزايدات وكان الختام مسكا بإصدار الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد بمرحلتيها الأولى والثانية وحتى عام 2022.
إن استضافة مصر للمؤتمر التاسع للدول الأطراف فى اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد بشرم الشيخ ليس إلا حلقة من سلسلة حلقات عمل متصل وتتويج لجولات شديدة الوطيس من محاربة الفساد ومكافحته وهو اتساق طبيعى لتفعيل بنود الفصل السادس من الاتفاقية المعنية بالمساعدة التقنية وتبادل الخبرات بل وتأكيد على قيام مصر بدورها الرائد تجاه محيطها الدولى والأفريقى ليكون المؤتمر المرتقب دفعة جديدة وموجة هادرة من تسونامى اقتلاع الفساد ونشر ثقافة الشفافية والنزاهة.
كل التحية إلى قيادة سياسية لا يلين عزمها فى مكافحة الفساد وكل التحية أيضا إلى هيئة الرقابة الإدارية قيادة وأعضاء الذين يواصلون الليل بالنهار لإتمام رسالتهم وشعارهم إن نريد الإصلاح ما استطعنا وما توفيقنا إلا بالله.