رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


مصر للمسيحيين أم للمصريين؟

14-6-2017 | 13:01


بقلم –  جمال أسعد

إن الدعوة التى أطلقت لتصحيح الفكر الدينى هى الخطوة الأولى للطريق الصحيح والقويم فى إطار قبول الآخر الدينى، فالإشكالية ليست اختلاف الأديان لأن هذا الخلاف إرادة وحكمة إلهية أرادهما الله سبحانه وتعالى. ولكن الإشكالية فى رفض الآخر الدينى المختلف فى الدين شكلا وموضوعا. وبالطبع فإن رفض الآخر على أساس دينى ينسحب بالطبع هذا الرفض وذاك القبول على الآخر الدينى وغير الدينى الآخر السياسى والاقتصادى والاجتماعى والثقافى. وهنا يتحول المجتمع من أداة قبول وتجمع وتوحد إلى ساحة صراع ورفض ومواجهة فيصبح التفتت بديلا للتوحد والرفض بديلا للقبول والصراع بديلا للتعاون والقطع بديلًا للوصل والتواصل الإنسانى ذلك الذى كان هو الطاقة الإلهية مضمونًا والإنسانية شكلًا فى بناء الحضارات وتواصلها وتكاملها الشىء الذى أنتج الحضارات والتقدم العلمى والتكنولوجى والاتصالاتى الذى تعيشه البشرية الآن .. فهو نتاج لقبول الآخر والتكامل الإنسانى ذلك القبول وهذا التكامل الذى أراده الله.

ولذا فلكى يتم تأسيس الأرضية الصلبة لقبول الآخر لابد ومع تصحيح الفكر الدينى الذى هو فكر البشر فى تفسير النص الدينى ذلك الفكر الانسانى الذى يخضع للصواب والخطأ وذلك التفسير الذى يتصور أنه الحقيقة المطلقة دون غيره والذى يطلب ما لنفسه فقط وكأنه لايوجد فى هذا الكون غيره. لابد من تصحيح الخطاب التعليمى والإعلامى والاجتماعى والثقافى فلا شك فإن هذه الخطابات غير الصحيحة والتى بنيت على رفض الآخر كانت هى من أهم العوامل المغذية لتكوين ذلك المناخ الطائفى. ذلك المناخ الذى اعتمد واستمد وجوده من رفض الآخر وعدم قبوله على أى مستوى. ولذلك تم ويتم تفسير وقراءة الواقع والتاريخ تفسيرًا طائفيا. فإذا كان الإعلام والتعليم والثقافة والاجتماع الذى يدرس الواقع ويوصفه يعتمد على الفرد المنتمى إلى الأغلبية العددية ويسقط من حساباته الفرد المنتمى إلى الأقلية العددية أيا كانت هذه الأقلية دينية أو إثنية أو جهوية أو قبلية الشىء الذى يجعل فرد الأغلبية لايرى غير ذاته ولا يؤمن بغير مصلحته ولايعترف بغير أفكاره وعقيدته. وبالطبع يكون فرد الأقلية لايشعر بغير التهميش والتمييز والازدراء وغياب الحقوق وتهديد الوجود. وهنا منبت الطائفية التى تؤسس إلى التخندق وراء الذات ورفض الآخر أى آخر ولذا من الطبيعى أن نجد من يقرأ التاريخ ويفسره بطريقة طائفية على أرضية اثبات الذات وصياغة الحقوق وحماية النفس. ولذا نضرب مثلا فى واقعة الجنرال يعقوب وهذا اليعقوب هو صعيدى من الأغنياء. وعند الحملة الفرنسية على مصر ١٧٩٨. ارتبط يعقوب بالحملة وكون فصيلًا عسكريًا لمشاركة الحملة فى الاعتداء على المصريين وفى صد ثورات المصريين ضدها. كمستعمر غربى جاء لاحتلال البلاد. ومن الزاوية المصرية والوطنية فمن ينضم ويساعد المحتل فهو خائن للوطن. ولكن من زاوية طائفية أخرى هناك من يقرأ التاريخ من الزاوية التى ترضى طائفيته وتطلعاته هناك قراءة تعتبر يعقوب بطلا مسيحيًا دافع عن الأقباط وساعد الحملة الفرنسية لهزيمة الدولة العثمانية المسلمة التى تحتل مصر أيضا. فى مقابل من كان يعتبر مصر للمسلمين وكان يساند العثمانيين ضد أى غازى آخر والقراءة المصرية والوطنية الجامعة تقول لا هذه القراءة ولا تلك ولكن كليهما غازى ومحتل فالعثمانيون والفرنسيون قد جاءوا إلى مصر لاحتلالها ونهب خيراتها. وعلى هذا السياق نجد كل فترة طائفية أو فى مواجهة حادثة طائفية من يخرج علينا شاهرًا سيفه الطائفى لشق وحدة الوطن لصالح أعداء الوطن سواء كان يدرك ذلك أو لا يدرك وأخيرا وليس آخرا وجدنا السيد سالم عبدالجليل يكفر الأقباط فى الإعلام الشىء الذى ينتج رفضا عمليا للآخر الدينى الشىء الذى يهدد سلامة الوطن. ناهيك عن ممارسات وفتاوى برهامى التى تسقط المواطنة وتهدر أى حقوق للمصريين المسيحيين إضافة إلى ذلك التحقير المستمر للمسيحية وللمسيحيين طوال الوقت ولا نريد إعطاء أمثلة لأنها لا تنتهى بل تهدد السلم الاجتماعى والأمن القومى المصرى فى ظل التحديات التى يواجهها الوطن وعلى كل المستويات. وفى المقابل وجدنا السيد مكارى وهو كاهن كنيسة بكلوت بك يرد على سالم عبدالجليل بطريقة أخرى. وهى إنه قال إن مصر هى أصلها مسيحى وأن جدك وأبو جدك مسيحيون. لأن السيف والرمح هما اللذان جعلا المسيحيين يتحولون إلى الإسلام إلى آخر هذه المعزوفة الطائفية المعروفة. أى أن هناك من لايزال يقرأ التاريخ قراءة طائفية من هنا وهناك. فمن يرى أن مصر أصولها مسيحية قبل أن يتم الفتح الإسلامى. وهناك من يرى أن مصر إسلامية ولا يجب أن يكون هناك تواجد فى مصر لغير الإسلام ولغير المسلمين. فهل يوجد طائفية أكثر من ذلك؟ وهل لهذا المناخ الطائفى أن يفرز غير سلوك طائفى وفرز طائفى وهو غاية ما يتمناه ويعمل من أجله الكثيرون وتلك المخططات معلنة ومعروفة بعيدًا عن المؤامرة، فالمؤامرة وجدت مع الإنسان وستستمر مع وجود الإنسان ولكن الأهم هو كشف هذه المؤامرة ورفضها واسقاطها ولا يتم ذلك بغير التوحد والتوافق الوطنى وقبول الآخر. هنا هل مصر مسيحية للمسيحيين أم إسلامية للمسلمين؟ وهل الانتماء للوطن أى وطن يتم على أساس العقيدة الدينية أم على أساس الانتماء الوطنى الذى يأتى بالمواطنة؟ وهل المسيحى المصرى أو المسلم المصرى الذى يعيش فى مصر يعيش وينتمى على أساس أنه مسيحى ومسلم أم على أساس أنه مصرى؟ وهل المسيحى أو المسلم المصرى لو ترك مصر لا يكون مصريًا أو حتى لو ترك دينه لا يكون مصريا؟ هذه يا سادة هى قمة القراءة الطائفية للتاريخ. فمصر لا للمسيحيين ولا للمسلمين مصر للمصريين فقط أى مصرى أيا كانت ديانته أو لونه أو انتماءه السياسى أو الجغرافى حسب المادة ٥٣ من الدستور. ولكن كيف ذلك؟ تاريخ مصر حقبات تاريخية متتابعة ومتواصلة ومتكاملة. فمصر هى تلك الحقبات بحضارتها وتاريخها وعاداتها وتقاليدها بفنونها وثقافتها مصر هى الحقبة الفرعونية وهى اليونانية والرومانية والقبطية والإسلامية مصر والشخصية الحضارية المصرية هى نتاج وتجمع تاريخى مذهل لهذه الحقبات كل بقدر. نعم الحقبة الإسلامية وبالفعل هى الحقبة المعاشة منذ الف واربعمائة سنة فهى خاصرة بتواجدها الواقعى. نعم هناك ثقافات متعددة تصب فى الرافد الأهم وهى الثقافة المصرية العامة والجامعة نعم هناك الثقافة الإسلامية والقبطية والقومية والبدوية وكان جلهم مصريين تجمعهم الثقافة المصرية نعم الدين من أهم الروابط الإنسانية والاجتماعية ولكن هناك عديدًا من الروابط والجوامع الأخرى تربط العقد المصرى الواحد. حتى الدين وإن اختلف فالقيم والمبادئ والمقاصد العليا للأديان وهى واحدة هى أيضًا أحد العوامل والجوامع للمصريين بالرغم من شكل الاختلاف. فكيف مصر للمصريين؟ مصر الفرعونية هى المصريون الذين كانوا يؤمنون بالديانة المصرية القديمة. تلك الديانة التى آمنت بالإله الواحد «آتون» وعندما جاءت المسيحية إلى مصر على يد مرقس الرسول عام ٧٠ ميلادية. قد انتشرت بسرعة مذهلة فى أماكن كثيرة. فقد وجد مرقس المصريين يؤمنون بالإله الواحد الشىء الذى سهل المهمة كانت هناك المعابد التى تحولت إلى كنائس كانت هناك أسطورة التثليث «أيزيس وأوزوريس وحورس» سهلت فكرة وعقيدة التثليث المسيحية. كان هناك مفتاح الحياة الذى تحول شكلا إلى صليب كان هناك الكاهن الفرعونى الذى أصبح الكاهن المسيحى كانت هناك الموسيقى الفرعونية العظيمة بنوتاتها الموسيقية الخالدة التى لازالت حتى الآن تردد فى الالحان الكنسية. هنا تحولت الأغلبية المصرية من الديانة الفرعونية القديمة إلى الديانة المسيحية. وكان من الطبيعى أن يقوم رجال الديانة المسيحية كعادة المصريين بطمس السابق لتأكيد الحالى. فكان هناك إرغام لمن لازال على الديانة الفرعونية للانتقال للمسيحية. ظهر هذا فى تحويل المعابد الفرعونية إلى كنائس ظهر هذا وتأكيدًا للموروث المصرى فى هذا الإطار الذى أسس فى عدم قبول الآخر الدينى وعندما تمسكت العالمة والفلكية والجغرافية والرياضية “هيباتيا” بديانتها المصرية رافضة الانتقال إلى المسيحية، فماذا تم ضد العظيمة هيباتيا؟ تم سحلها فى شوارع الإسكندرية بتعليمات وأوامر البطرك حتى فارقت الحياة ضاربة المثل بتمسكها بديانتها مثل من يتمسك به الآن ويفتخر المسيحى والمسلم بديانتهما. وتحولت الأغلبية المسيحية إيمانا أو طوعًا أو قهرًا. وجاء الإسلام وأيا كانت الطريقة التى جاء بها والتى تتوافق مع واقعها التاريخى ومع معطياتها السياسية حينئذ. فتحول المسيحيون إلى الإسلام ولا يخلو الأمر من تطبيق المفهوم والميراث المصرى القديم فى هذا الإطار. فظل الصراع السياسى قبل الدينى بل نقول الصراع السياسى الذى يأخذ دائمًا الشكل الدينى. فتحول المسيحيون إلى الإسلام طوعًا أو كرهًا الأهم هل تلك الأغلبية المسلمة هذه كانت كلها جميعًا من العرب فى الجزيرة العربية الذين قد جاءوا مع الفتح أم أن هذه الأغلبية المسلمة هى المصريون الذين اعتنقوا الإسلام. حيث إن الوافدين مع الفتح لم يتجاوزا عدة آلاف فى الوقت الذى كان فيه المصريون يعدون بالمليون إذن فالمسلمون المصريون الذين اعتنقوا الإسلام هم مصريون فى الأساس. فالمصريون الفراعنة تحولوا إلى المسيحية والمسيحيون المصريون تحولوا إلى الإسلام. فالمصريون هم من آمن بالديانة الفرعونية وهم من آمن بالمسيحية وهم من آمن بالإسلام. ولكن فى المقام الأول والأهم هم مصريون فى كل الأحوال. فهل يمكن هنا أن نقول مصر مسيحية؟ إذن لماذا لا نقول إن مصر فرعونية أو إسلامية مصر كل هذا ومصر هى المصريون الذين يؤمنون بالأديان ولن تكون مصر هى الأديان ذاتها. فالوطن هو الشعب هو المواطن أيًا كان دينه أو هويته الوطن ليس بالديانة ولا بالأغلبية العددية والأقلية العددية. هذه مصطلحات كانت وقد ولى زمانها وهل هذا العكس يصلح أى هل يمكن أن تقول الآن أن فرنسا ليست للفرنسيين ولكنها هى بلاد الغال الذين استعمروا بلاد الغال هذه وغيروا ديانتها واسمها وأصبحت الآن فرنسا. هل يمكن أن نقول الآن أن أمريكا هى الهنود الحمر الذين كانوا هم أصحاب الأرض وجاء البروتانيون «المضطهدون» الإنجليز لتصبح أمريكا الآن بوضعها الحالى؟ مصر يا سادة هى المصريون بكل دياناتهم وعاداتهم وتقاليدهم وفنونهم وتاريخهم وحضارتهم مصر هى الحضارة المصرية الجامعة تلك الحضارة التى حولت المسلة الفرعونية إلى المنارة المسيحية والمئذنة الإسلامية مصر الحضارة التى تجمع المسيحيين والمسلمين فى إطارها الحضارى، الحضارة التى جعلت المصرى يطلق على السيدة زينب بعض الصفات التى أطلقها جدودنا على الإلهة إيست «إيزيس» مثل صفة الطاهرة، شعبنا تربطه علاقة وثيقة برغم تعدد الأديان فنجد سيدة مسيحية تصوم رمضان وتجد سيدة مسلمة تصوم صيام العذراء أو تزور مارجرجس أو القديسة دميانة «أبعاد الشخصية المصرية- هيئة الكتاب المصرية» نحن المصريين نتاج ثقافة قومية واحدة وإن تعددت الثقافات فهى الكل فى واحد. هى التى وحدت بيننا بتنا بالرغم من الاختلاف الدينى فلا فرق بين مولد السيد البدوى ومولد برسوم العريان أو مولد السيدة زينب ومولد السيدة العذراء. حتى الحديث عن القديس أو الولى بنفس اللحن وذات الرتم مع تغير الكلمات. فاللحن والإيقاع واحد ومن ذات النبع المصرى القديم. فاللحن المصرى القديم الذى يردد فى الكنائس هو ذات اللحن الذى يردد فى الموالد وفى حلقات الذكر. فكفى لعب على أوتار الطائفية مصر ليست ملكا لأحد دون غيره مصر ملك لكل المصريين وهذه النزعات الطائفية ورفض الآخر لا تتماشى مع القيم الدينية ولا مع التاريخ المصرى الواحد ولا تمت بصلة بالحضارة المصرية العظيمة وتاريخها الجامع لكل المصريين. ولا تصب فى صالح التوحد المصرى الذى نحن فى أشد الحاجة إليه. فالمصرى المسيحى يؤمن بدينه ويعتز بمصريته كذلك المسلم. فمصر هى الجامع والموحد نحن مصريون قبل الأديان ومصريون بعد الأديان ومصريون إلى آخر الزمان حمى الله مصر وشعبها من كل سوء.