رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


حواري مع كرم مطاوع

10-12-2021 | 15:27


حسين عثمان,

مر أمس ربع قرن على رحيل فارس المسرح المصري كرم مطاوع، ومع الذكرى عادت بي الذاكرة ثلاثين عامًا إلى الوراء، إلى هذا الوقت من صيف عام 1991، كان عمري عشرين عامًا وقت أن كنت طالبًا بالفرقة الثانية بكلية الحقوق جامعة عين شمس، وأعمل في عطلة الصيف محررًا متدربًا بمكتب مجلة "اقرأ" السعودية بالقاهرة، وكان يديرها وقتها أستاذي ومعلمي الكاتب الصحفي الكبير سليمان عبد العظيم، وبينما أعمل في تأسيس أرشيف مكتب المجلة بتكليف منه، سألته منحي فرصة إجراء أول حوار صحفي في حياتي، ولم يُمانِع، ولما أخطرته بضيف الحوار أو المصدر بلغة الصحافة.. صاح: "كرم مطاوع مرة واحدة؟!.. أول ما تشطح تنطح!".

كانت صيحة شفقة من الرجل أكثر منها استنكارًا، فإن كان حوارك الصحفي الأول مع فنان بوزن كرم مطاوع، فاعلم أنه قد يكون الأخير، فأنت ذاهب لمحاورة أحد أعمدة المسرح المصري، ومثقف موسوعي من الطراز الأول، ولا مجال لخطأ في مقدمة أو سؤال أو تعقيب أو تعليق، كنت أدرك هذا كله، ومستعد له قدر طاقتي، نبهني الأستاذ سليمان، واطمأن بعد مراجعة أسئلتي المُعَدَة للحوار، وذلك قبل أن يرفع يده درءًا لأي حرج قد يسببه صحفي مُسْتَجَد لصحفي محترف.. "وريني شطارتك.. ولا هَديك تليفون.. ولا عنوان.. ولا أعرف حاجة عن الموضوع".. هكذا حفز الأستاذ تلميذه، والحقيقة أنني كنت متحمسًا إلى أبعد الحدود.
كان كرم مطاوع وقتها يشغل منصب رئيس هيئة المسرح المصري، وبينما أخطط لزيارة مقرها بوسط البلد، ومن خلال متابعة يومية لمساحة "من غير عنوان" بالصفحة الأخيرة من "الأهرام"، علمت أن كرم مطاوع بصدد حضور البروفة النهائية لعرض "بيت العوانس" بالمسرح القومي، وكان نصًا عن إحدى روائع "جارثيا لوركا" الإسباني، أخرجه وقتها المخرج الكبير سمير العصفوري، وأذكر من بين أبطاله، أو بطلاته بمعنى أدق، إنعام سالوسة، سوسن بدر، وسناء يونس، ذهبت إلى "المسرح القومي" بالعتبة أنتظر قدوم كرم مطاوع، وعند دخوله ألقيت عليه التحية مبادرًا: "ممكن آخد من وقتك دقيقة؟".. "لا مش ممكن".. هكذا أجاب وهو يواصل سيره باتجاه صالة المسرح.
سبق صوت سكرتيره إحباطًا سارع يتسلل إلى نفسي، أوضح لي أن "الأستاذ" منضبط في مواعيده، وهو مرتب حضوره على موعد البروفة، ولما أخطرته عما أريده جوابًا على سؤاله، تفضل بأن أتاح لي حضور البروفة، مؤكدًا تسهيل لقائي بـ"الأستاذ" بعدها في الكواليس، وبالفعل حضرت البروفة "الجنرال" لـ"بيت العوانس" وكانت تجربة لا تُنْسى، كانت سناء يونس وقتها إحدى أهم نجمات مسرح القطاع الخاص، وبينما تؤدي دورها وتسترسل في جمل حوارها، خرجت على النص، خروجًا حادًا الحقيقة، وهو ما لم يحتمله كرم مطاوع، فارتفع صوته صارخًا: "ستوووووووب".. توقف العرض.. أُضيئت أضواء المسرح.. وأعطى كرم مطاوع لـ سناء يونس درسه بشأن الخروج على النص.
التقيته بعد العرض، ورحب بإجراء الحوار، وأعطاني موعدًا في مكتبه مؤكدًا: "إذا حضرت قبل الموعد تنتظرني.. وإذا تأخرت دقيقة عُد من حيث أتيت".. ذهبت قبل الموعد، وانتظرت طويلًا حتى خرج من مكتبه الكبار سعد أردش، حمدي غيث، وعبد الغفار عودة.. يا خبر!.. بعدها أخذت دوري، وبدأنا حوارًا استمر ساعتين، بعدما كان مُخططًا له نصف ساعة، وفوجئ الأستاذ سليمان عبد العظيم في اليوم التالي، بتقديمي حوارًا جاهزًا للنشر مباشرة، فكان أن نَشَرَه يحمل اسمي على صفحتين كاملتين، ولا يزال يتوج أرشيفي حتى اليوم، وكان من أهم عناوينه "الخروج على النص جريمة".. يبقى أثر كرم مطاوع حاضرًا مهما غاب، رحمة الله عليه.