في ذكرى ميلاده.. نجيب محفوظ بين اللص والكلاب
في ذكرى ميلاد أديب نوبل نجيب محفوظ، مؤرخ الشارع المصري، والذي استطاع أن يلتزم بالواقعية في رواياته، وفي لقاء قديم جمع بعض الأدباء مع أستاذهم عميد الأدب العربي طه حسين وكان من ضمنهم "محفوظ" أجابه طه حسين بأنه ملتزم أي أنه "ملتزم بالواقعية والواقع في أعماله الروائية"، ولعل السينما قرّبت وجسدت لنا واحدة من أشهر أعماله الروائية "اللص والكلاب"، فمن المعروف أن نجيب محفوظ أكثر أديب تحولت أعماله إلى السينما.
رواية اللص والكلاب من أشهر أعمال نجيب محفوظ بعد الثلاثية، أصدرها في عام 1961م، وكانت هذه الرواية بداية إنطلاقة ومرحلة جديدة في فكر وإتجاه الكتابة لديه، ويصفها النقاد بأنها المرحلة الفلسفية أو الذهنية، حيث نجد أن البطل يبحث دائمًا عن الحق والعدل الضائع كما أن الرواية ناقشت أكثر من فكرة مثل "الموت والعبثية والوجود ومعناه".
الإسقاط في الرواية
قد يتعجب البعض من اسم الرواية.. "اللص والكلاب"؟ مَن هو اللص ومَن هم الكلاب؟ وهل الكلاب هنا إسقاط على المجتمع، فما معنى ذلك؟
الرواية هي خط صراع أساسي بين لص وعدة أشخاص، يلعب دور اللص في الرواية سعيد مهران، في مواجهة المجتمع، فقد استطاع نجيب محفوظ في هذا العمل أن يضع الشخصية مباشرة أمام القارئ دون تكلف منه في كتابة مقدمات توضح الشخصية، فيستطيع القارئ أن يربط الأحداث بمجرد أن يضع يده على الخيط الأول، فيجد القارئ نفسه داخل العمل وقريب منه يشاهده عن قرب ويتحقق بكل ما يسرده العمل من تفاصيل.
معاناة البطل في الرواية
يخرج سعيد مهران بطل العمل من السجن بعد أن قضى فيه 4 أعوام غدرًا ممن كانوا الأقرب له، ولكنه خرج للانتقام من الفاسدين الذين داسوا على الآخريين من أجل مصالحهم، وقاموا بتزييف مبادئهم، متغاطين عن سبل الأخلاق غافلين عن قصد بكل القيم الإنسانية، وتتحول الحياة إلى حياة عبثية لا جدوى لها، كل شيء رائع سقط من نظره، ونظرته للواقع أصبحت أمرّ وأبشع، حتى قرر هنا مهران بأن ينتقم من هؤلاء الأشخاص (الكلاب) كما أسقط عليهم في اسم الرواية، ولكنه يُفاجئ بأن محاولاته للانتقام تصيب الأبرياء ويفلت منها الأعداء، مما جعل الأمر يزداد سوءًا في حياة البطل اللص، حتى اقتربت نهاية مصيره ويجد نفسه في نوع من اللا مبالاة وعدم الاكتراث لنفسه أو الاكتراث لما يفعله، حتى وجد نفسه في النهاية لا طريق له سوى الاستسلام، وحدث بالفعل.
تحويل القصة الحقيقية إلى رواية
اللص والكلاب هي رواية مستوحاة عن قصة حقيقية من عمق الواقع المصري بطلها الحقيقي اسمه "محمود أمين سليمان" الذي شغل الرأي العام لشهور عديدة في عام 1960م، وانقسمت مشاعر الناس حول هذه الشخصية بين مهاجم ومدين وبين متعاطف معه ومشفق عليه.
فالقصة تبدأ حين خرج "سليمان" من السجن في محاولات للانتقام والخروج عن القانون لينتقم من زوجته السابقة والمحامي الخاص به لأنهما قاما بخيانته، وانتهاك شرفه، والسطو على أمواله، وأطفاله، وإلقائه في السجن، ولكن من أجل السعي وراء هذا الانتقام جرفه من جريمة واحدة إلى الشروع في عدة جرائم، لأبرياء، ليس لهم ذنب، فقرر نجيب محفوظ كتابة هذه القصة، وتحويلها إلى مادة أدبية ثرية، تحمل الجدل في عدة أفكار جوهرية في الحياة وفي المجتمع، بعضها واقعي والبعض الآخر من فلسفة الكاتب الواقعية، وظهرت لنا رواية اللص والكلاب، هذه الرواية الإنسانية المدهشة.
اللص والكلاب وتحويلها إلى أعمال فنية
"فيلم سينمائي"
تحولت رواية اللص والكلاب في عام 1962م إلى فيلم سينمائي بنفس اسم الرواية، قام ببطولة الفيلم كوكبة من أبرز الفنانين في ذلك الوقت، وهم: شكري سرحان الذي قام بدور "سعيد مهران"، والفنانة شادية، وكمال الشناوي، وفاخر فاخر، وسلوى محمود، وصلاح منصور، وعدلي كاسب، ونظيم شعرواي والشاعر صلاح جاهين، والعديد غيرهم...
"مسلسل تلفزيوني"..
تحولت رواية اللص والكلاب من مسلسل واحد إلى إثنين، الأول أنتج في دبي عام 1975م، عن مؤسسة الخليج للأعمال الفنية التابعة لتلفزيون دبي، وجاء المسلسل في 13 حلقة، قام بإخراجه المخرج إبراهيم الصحن، وكتب نص المسلسل الكاتب محسن زايد، والذي استند في كتابته للنص من القصة الحقيقية لنجيب محفوظ، وقام ببطولة العمل الفنان عزت العلايلي ورجاء حسين.
وجاء العمل التليفزيوني الثاني من إنتاج مصري في عام 1998م، كتب السيناريو والحوار محمد أبو العلا السلاموني، وقام بإخراجه أحمد خضر، وقام بالبطولة رياض الخولي، ورانيا فريد شوقي.
ترجمة رواية اللص والكلاب
عام 1984م، ترجمت الرواية إلى اللغة الإنجليزية من خلال الجامعة الأمريكية بالقاهرة، وترجمت إلى الفرنسية بعدها بعام واحد 1985، ومن ثم إلى الإيطالية في عام 1990، وإلى الإسبانية 1991، والألمانية في 1993، وإلى اليابانية في 2009، بالإضافة إلى اللغة التركية والفلسفية.