رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


الحكومة تتسلح بالمستندات والخرائط «تيران وصنافير» فى قبضة «النواب»

15-6-2017 | 12:06


تقرير: رانيا سالم

بداية ساخنة شهدتها اللجنة التشريعية لمجلس النواب لمناقشة اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين مصر والمملكة العربية السعودية والشهيرة باتفاقية تيران وصنافير.

الاتفاقية احيلت لمجلس النواب فى أول يناير ٢٠١٧ وبعدها أحيلت إلى لجنة الشئون الدستورية والتشريعية فى ١٠ أبريل ٢٠١٧ لتبدأ دراستها الأسبوع الحالى

الجلسة التى عقدت بالقاعة العامة وبحضور عدد كبير من ممثلى الحكومة على رأسهم سامح شكرى، وزير الخارجية، والمستشار عمر مروان وزير شئون مجلس النواب.

شارك فيها الدكتور السيد الحسينى رئيس الجمعية الجغرافية المصرية، والعميد شريف العسال رئيس شعبة المساحة البحرية بالقوات البحرية، وأعضاء اللجنة الفنية المعنية بتعيين الحدود البحرية بين مصر والمملكة العربية السعودية.

بعيدا عن حالة الخلاف الشديدة التى ظهرت فى اللجنة ومحاولات النواب الرافضين للاتفاقية لمنع مناقشتها إلا أن الأهم كان المعلومات التى طرحت خلال النقاش من جانب الحكومة وبشكل منظم ودقيق للرد علي كل التساؤلات ومواجهة أي استفسارات.

وقال الدكتور على عبد العال، رئيس المجلس الذى ترأس الجلسة الأولى فأنه حرص على المشاركة باجتماع اللجنة التشريعية، ليكون مستمعا لما يطرح فى القاعة من جانب الخبراء أو أعضاء المجلس.

وأكد على أن الجميع على درجة واحدة من الوطنية، وحب الوطن والدفاع عن أراضيه، ولا أحد يحتكر هذه الوطنية سواء معارضا أو مؤيدا، قائلًا: “كلنا مصريون ونحب الوطن وندافع عن أراضيه، لا يجب لأحد أن يخون الآخر، وعلى الجميع أن يحترم الرأى، سواء معارضا أو متفقا”.

وشدد عبدالعال على حرص مجلس النواب على الوصول للحقيقة فيما يخص الاتفاقية وقال: “كل نائب حر فى إبداء ما يراه، كل له الحق فى تكوين الرأى، أتينا لنصل للحقيقة، وفى حالة الوصول للحقيقة على الجميع أن يكون مقتنعًا بما تم اتخاذه من قرار سواء بالموافقة أو بالرفض، ويجب علينا جميعا أن نحترم القواعد الخاصة بشأن المناقشة والكلمات داخل المجلس”.

“عبد العال” وصف الجلسة بالتاريخية وأن الجميع يتابعها سواء كان داخل الوطن من أبناء هذا الوطن أو خارج أراضيه، وكل وسائل الإعلام تتابع هذه الجلسة سواء كانت مسموعة أو مقروءة.

وطالب أعضاء مجلس النواب بأن تخرج الجلسة بصورة حضارية وأن يلتزم الجميع بالقواعد ويحترم اللائحة، على أن يكون الحديث فى إطار اللائحة وقواعد السلوك المعمول بها فى المجلس.

التمثيل الحكومى بالجلسة كان رفيع المستوى، فاللافت هذه المرة ان الحكومة المصرية برئاسة المهندس شريف إسماعيل استعدت بشكل جاد ومنظم وتسلحت بالوثائق والمستندات، وتقدمت بتقرير، يتضمن الوثائق التى تؤيد موقفها من اتفاقية تعيين الحدود، وعرضته على مجلس النواب قبل بدء جلسات الاستماع.

التقرير الحكومى الشامل ارتكز على ٧ جوانب أساسية ترى أنها تؤيد موقفها وترد على كل الاعتراضات وتشرح الجوانب الإجرائية والقانونية والجغرافية والتاريخية، والجوانب المتعلقة بتوقيت التوقيع على الاتفاقية، والآثار المترتبة على نقل ملكية الجزيرتين للسعودية، والجوانب الخاصة بتقييد الحريات ومهاجمة معارضى الاتفاقية.

ورد التقرير الحكومى على عدد من النقاط الجوهرية، أولها أسباب تأخر الحكومة فى إرسال الاتفاقية للبرلمان لمدة ٨ أشهر، وكان الرد أنه ليس هناك أى التزام دولى ودستورى يقضى بإحالة الحكومة للاتفاقية خلال أجل زمنى محدد لمجلس النواب.

كما ردت الحكومة على من يطالب بـ”طرح الاتفاقية للاستفتاء الشعبى” قائلة إنه لايمكن الحديث عن استفتاء شعبى إلا فى حالة التنازل عن جزء من الأراضى المصرية وفقا لأحكام المادة ١٥٧ من الدستور.

وتوقيع رئيس الوزراء للاتفاقية، الأمر الثالث الذى تطرق له التقرير، موضحًا أن من وقع الاتفاقية هو رئيس الوزراء وولى ولى عهد السعودية، وكل منهما له الصفة التمثيلية لدولته.

وتناول التقرير تداعيات الموافقة على الاتفاقية، وأنها تنهى الجزء الخاص بالسيادة، ولاتنهى مبررات وضرورات حماية مصر لهذه المنطقة لدواعى الأمن القومى المصرى والسعودى، تفهم الجانب السعودى مؤكدا ضرورة بقاء الإدارة المصرية لحماية الجزر وحماية مدخل الخليج، كما أن الاتفاقية أقرت ببقاء الدور المصرى فى تأمين الملاحة فى خليج العقبة.

كما اشتمل التقرير الحكومى علي وثائق تتضمن عدداً من المخاطبات الرسمية المصرية والسعودية والأميريكية حول ملف الجزيرتين وملكيتهما للسعودية.

من جانبه أجاب المستشار عمر مروان على نقطة خلافية أساسية وهى مدى أحقية البرلمان فى مناقشة الاتفاقية بعد صدور حكم قضائى بالبطلان، وقال: “نحن أمام عمل برلمانى ورقابة برلمانية على أعمال الحكومة، والرقابة القضائية تختلف تماما عن الرقابة البرلمانية المنوط بها مجلس النواب، فلكل منها دائرة اختصاص”.

وأضاف مروان أن “هناك أحكاما قضائية نهائية أخرى تبطل الأحكام الصادرة من مجلس الدولة والمحكمة الإدارية العليا ونحن أمام عمل رقابى برلمانى متكامل على أعمال الحكومة”.

وأكد على أن اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين مصر والسعودية تعد بمثابة اتفاقية سياسية بحتة تحمل شقين أحدهما سياسى وآخر فنى.

السفير سامح شكرى وزير الخارجية كان لكلمته شكل اخر حيث دعمها بالوثائق والأدلة، وقال: “اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية المعروفة إعلاميا باتفاقية تيران وصنافير، تم توقيعها بعد ١١ جولة من التفاوض بين مصر والسعودية حيث كان ممثل مصر اللجنة القومية التى تضم كبار مسئولى وزارة الخارجية، والدفاع والمخابرات الحربية، والقوات المسلحة وعددا من خبراء القانون الدولى والمساحة العسكرية والجيولوجيين”.

وأكد “شكرى” على أن الاتفاقية اعتمدت على قرار الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك ٢٧ لسنة ١٩٩٠، والصادر فى ٩يناير، بشأن تنظيم الحدود البحرية، وهذا القرار لم يتضمن أى أٍساس لمصرية جزيرتى تيران وصنافير.

وكشف وزير الخارجية عن أن اللجنة استندت لخطاب أحمد عصمت عبد المجيد، وزير الخارجية فى ٣مارس ١٩٩٠ لنظيره السعودى، بشأن سعودية تيران وصنافير بموافقة مجلس الوزراء آنذاك.

وأوضح “شكرى” أن الموافقة فى نص الخطاب السابق جاءت بناء على دراسة أعدت لهذا الأمر من قبل وزير الخارجية أحمد عصمت عبد المجيد، ومفيد شهاب.

وبين وزير الخارجية أن العملية الفنية للحدود البحرية بين مصر والسعودية تمثل إجراء كاشفا للوضعية القانونية للقرار ٢٧ الصادر من الرئيس مبارك فى عام ١٩٩٠.

وتطرق شكرى فى حديثه إلى معاهدة السلام، والالتزامات بالتعهدات الدولية، قائلًا: “مصر تحرص على التزاماتها الدولية ومنها معاهدة السلام وبروتوكول القوى متعددة الجنسيات، والمراقبين، وتم التوصل بين السلطات المعنية والحكومة الإسرائيلية لتكون ملتزمة بكافة التعهدات الدولية مع الجانب السعودى بعد نقل التبعية من مصر إلى السعودية، والحكومة الإٍسرائيلية أكدت التزامها بهذا الاتفاق، وأنه ليس خرقا لمعاهدة السلام”.

المستندات والوثائق والخرائط هى الأساس الذى تحدث به ممثلو الحكومة طوال الجلسة، وهو ما استند إليه العميد شريف العسال رئيس شعبة المساحة البحرية بالقوات البحرية، الذى استعرض الخرائط التى استندت لها اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين مصر والسعودية والإجراءات الفنية الخاصة بالاتفاقية.

وصحح “العسال” عددا من المغالطات التى أُثيرت فى وسائل الإعلام قائلًا: ان “جولة المفاوضات مع السعودية بدأت فى يناير ٢٠١٠ وليس كما أشيع فى مواقع التواصل الاجتماعى أنها بدأت قبل ثلاثة أشهر قبل توقيع الاتفاقية”.

وأوضح رئيس شعبة المساحة البحرية بالقوات البحرية، أن المسافة والقرب لا تحسم السيادة، وأن قرب الجزيرتين لمصر لا يعنى تبعيتهما للقاهرة.

وكشف “العسال” أن المفاوضات مع السعودية على تعيين الحدود البحرية بدأت بعد الأزمة التى وقعت بين السعودية وشركة جنوب الوادى فى عام ٢٠٠٩، بسبب البلوكات الخاصة بالشركة التى تنقب عن البترول فى البحر الأحمر، والتى تداخلت مع البلوكات البحرية للسعودية، وبدأت جولة التفاوض الأولى فى يناير ٢٠١٠ والجولة الحادية عشرة انتهت فى مارس ٢٠١٦.

وأكد أن تعيين الحدود يستند إلى عدة مرجعيات فنية ودولية أقرها المجتمع الدولى، مثل اتفاقيات جنيف واتفاقية الأمم المتحدة للبحار، وقانون البحار الذى يحتوى على ٢٤ مادة مخصصة لتعيين الحدود البحرية، وهو ما تمت الاستعانة بـ ٤ مواد فقط منها لها علاقة بهذه الاتفاقية.

“سيادة أم إدارة؟” هى النقطة الأهم التى أثيرت وتمت مناقشتها فى جلسة البرلمان الخاص بتيران وصنافير، فممثل الحكومة أكد على أن الوضع المصرى على جزيرتى تيران وصنافير “إدارى” بموجب اتفاق بين مصر والمملكة العربية السعودية، لأسباب سياسية كلنا نعلمها، ومهما طال الوقت لا يمكن التمسك بالسيادة على الجزيرتين.

وفرق ممثل الحكومة بين الإدارة والسيادة، قائلًا: “الإدارة يمكن أن تكتسبها دولة على أقليم دولة أخرى، أما السيادة فلا يمكن اكتسابها بأى حال بموجب وضع اليد”.

وأوضح أن هناك قاعدة قانونية حتى وإذا تم تغييرها، والعمل بمبدأ أن اكتساب مصر للسيادة لمجرد أنها وضعت يديها لفترة طويلة، سيتعارض ذلك مع وضع حلايب وشلاتين التى وضع السودان يده عليها لفترة طويلة.

الخبراء كان لهم حضور فى جلسة البرلمان ومنهم الدكتور عاصم الدسوقى أستاذ التاريخ، الذى أكد أن جزيرتى تيران وصنافير ليستا ملكا لمصر، وتتبعان الحجاز وهذه المنطقة تاريخية، وتعد أحد أقاليم شبه الجزيرة العربية الجغرافية الخمسة، ويقع فى الجزء الشمالى الغربى والغربى من شبه الجزيرة العربية، وحاليا هى ملك للسعودية، وأن جميع الوثائق التاريخية من يطلع عليها تؤكد هذا الأمر بملكيتها للمملكة السعودية.

وأضاف “فى عام ١٩٣٢ أعلن عبد العزيز آل سعود ملكا للسعودية بدلا من سلطان نجد والحجاز، ومع حرب ١٩٤٨ كانت هناك هدنة بين إسرائيل وبعض الدول العربية فى عام ١٩٤٩، وبعدها بشهرين احتلت إسرائيل أم الرشراش، ميناء إيلات حاليا، وهنا شعرت المملكة العربية السعودية بالخطر لأن تيران صنافير فى مدخل العقبة، وبالتالى ستحتلها إسرائيل، فطلب من الملك فاروق القيام بحماية الجزيرتين ووضعهما تحت السيادة المصرية.

واستطرد بعد طلب الملك السعودى صدر أمر للفرق العسكرية باستكشاف الجزيرتين، حيث لم تكن لمصر سيادة عليهما من قبل، وبالتالى صدر أمر بعد ذلك باحتلال الجزيرتين، ما يؤكد أن الجزيرتين تتبعان السعودية ولم يكن لمصر أى علاقة بهما.

وأوضح أنه فى عام ١٩٨١ طالبت السعودية بإعادة الجزيرتين ولكن الأمر لم يتم لأن معاهدة كامب دايفيد جاءت مع الدول التى شاركت فى الحرب ضد إسرائيل ولها حدود معها، أما السعودية فلم يكن لها أى حدود معها لأن تيران وصنافير تقعان تحت الحماية المصرية فى هذا التوقيت.

واستكمل هنا طالبت إسرائيل أمريكا بالضغط على السعودية فى هذا التوقيت لرد تيران وصنافير وعقد هدنة معها، إلا أن السعودية لم ترضخ لذلك وتم إرجاء عودة الجزيرتين خاصة أن الجزيرتين فى هذا التوقيت كانتا تتبعان المنطقة ج التى وقعت فى نطاق مصر وفقا لمعاهدة كامب دايفيد، حتى لا يكون هناك حدود مشتركة لإسرائيل مع السعودية.

وأضاف أنه فى عام ١٩٩٠ وافقت مصر على طلب السعودية برد الجزيرتين، إلا أن الوقت لم يكن مناسبا، وتكررت المطالبات، وبالتالى فإن القضية ليس لها علاقة من قريب أو بعيد بالتنازل عن الأرض، وإنما يستخدمها البعض لتشويه صورة النظام المصرى حاليا لأغراض سياسية، حيث إنه فى عام ١٩٣٤ أى قبل عام ١٩٥٠ وهو العام الذى انتقلت فيه الحماية للجزيرتين إلى مصر، طلب وفد من جامعة فؤاد الأول –جامعة القاهرة حاليا- أن يقوم برحلة عملية استكشافية لعدد من الصخور لجزيرتى تيران وصنافير، وبالتالى طلبت الخارجية المصرية من قنصلها فى جدة فى هذا التوقيت أن يسمح للطلاب بالذهاب للجزيرتين، وهذا يعنى أننا لم نكن نمتلك الجزيرتين وبالتالى طلبنا من السعودية هذا الطلب، مشيرا إلى أن هذه وثيقة أخرى ومسجلة فى الأرشيف.

الدكتور السيد الحسينى رئيس الجمعية الجغرافية المصرية، كان ضمن الحضور بالجلسة وأكد أن كافة الخرائط الرسمية لمصر تؤكد ملكية وسيادة المملكة العربية السعودية لجزيرتى تيران وصنافير، وكل الخرائط الموجودة لا يوجد فيها تيران وصنافير.

وأضاف «عند الحديث عن الجزر يجب أن يكون ذلك من خلال الخرائط الرسمية، وهما أطلس الحملة الفرنسية، وهو أول أطلس قومى لمصر، والأطلس الثانى أطلس مصر الذى صدر فى عهد الملك أحمد فؤاد، وهو الأطلس الثانى والأخير لمصر، وهما يعدان الخرائط الرسمية التى يعتد بها والرسمية».

وشدد على أن جميع الخرائط تؤكد أن تيران وصنافير كانت تتبع أرض الحجاز، قبل وجود السعودية، وبعد انضمام الحجاز إلى السعودية، فبالتالى أصبحت الجزيرتان تابعتين للمملكة.

واستدل بالخطابات والمراسلات التى خرجت من كل من أحمد عصمت عبد المجيد، نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية فى عهد عاطف صدقى، فى الخطاب الذى أرسله إلى سعود الفيصل، وزير الخارجية السعودية بتاريخ ٤ مارس ١٩٩٠، والذى قال فيه إن الجزيرتين تابعتان إلى المملكة العربية السعودية، ولم تحاول مصر أبدا أن تدعى السيادة على هاتين الجزيرتين، وهذا كان من خلال الوثيقة الرسمية التى أخرجتها وزارة الخارجية مؤخرا.

ورغم أن الحكومة كانت مرتبة وترد بالمستندات والوثائق على كل استفسار مدعومة بالخبراء إلا أن مجلس النواب شهد ارتباكا وتوترا وانقسم النواب بين مؤيد ومعارض وشهدت الجلسة جدلا كبيرا بين النواب وبعضهم وبين النواب ورئيس المجلس الدكتور على عبد العال.

وكان أبرز المعارضين للاتفاقية من التكتل البرلمانى ٢٥/٣٠ وحدث جدل بينهم وبين رئيس المجلس، وتقدمهم النائب خالد يوسف الذى طالب بكافة مضابط جلسات اللجنة الفنية فى الجلسة الأولى.

أما النائب ضياء الدين داود قال إنه لا يصح مناقشة الاتفاقية داخل البرلمان بعد صدور حكم محكمة، وهو ما دفع الدكتور على عبد العال بإجراء تصويت على المناقشة، لتتم الموافقة على المناقشة.