رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


ذوو الهمم.. الفئة الغائبة عن الدراسات الشعبيةّْ

15-12-2021 | 14:39


أحمد فوزي حميدة,

رغم صدور العديد من الدراسات والكتب التربوية والاجتماعية والنفسية والقانونية عن ذوى الاحتياجات الخاصة أو ذوى الهمم إلا أن هذه الفئة غائبة عن الدراسات الشعبية فحتى الآن لم يصدر سوى كتاب واحد عام 2017 هو “ الثقافة الشعبية وذوى الاحتياجات الخاصة “ تأليف دكتور عبد الحكيم خليل رئيس قسم العادات والمعتقدات فى المعهد العالى للفنون الشعبية وقد سبقه كتاب ضم أبحاث المؤتمر السنوى لإدارة التمكين الثقافى لذوى الاحتياجات الخاصة والذى خصص دورته الرابعة التى عقدت عام 2012 لمناقشة هذه المسألة تحت عنوان “تجليات الإعاقة فى التراث الشعبى المصري... قراءة فى أبعاد التنوع الخلاق “ صدرت طبعته الأولى فى نفس العام عن الهيئة العامة لقصور الثقافة ثم صدرت طبعته الثانية عام 2015 ضمن منشورات مهرجان القراءة للجميع عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، أيضا دراسة للدكتور محمد حسن عبد الحافظ بعنوان “ فى تجسير العلاقة بين الثقافة الشعبية والإعاقة “ نشرها موقع الحوار المتمدن الالكترونى عام 2012.

 

وقد تناول كتاب “الثقافة الشعبية وذوى الاحتياجات الخاصة“ للدكتور عبد الحكيم خليل، المعتقدات الموجودة لدى الأسر المختلفة التى تشتمل على فرد أصيب بعاهة مستديمة، وكيفية تعاملها معه، والعادات السيئة التى تلجأ إليها لإبعاد أبنائها عن المجتمع وذلك فى ستة فصول منها (العادات والتقاليد وعلاقتها بذوى الاحتياجات الخاصة، والمعتقدات الشعبية، والحكايات الشعبية حول ذوى الاحتياجات الخاصة، ومضامين الإعاقة ودلالاتها فى الأمثال الشعبية )، ويرى المؤلف أنه «رغم كثرة الدراسات التى تناولت ذوى الاحتياجات الخاصة من جوانب علمية عديدة وتخصصات مختلفة، فإننا افتقدنا تلك الدراسات التى تناولت المحيط الأسرى والاجتماعى الذى يعيشون فيه، رغم أنه يؤثر فيهم ويتأثرون به، فيكون سبباً فى علاجهم أو سبباً فى استمرار إعاقتهم ومتاعبهم، وبالتالى فإن هذا التراث الذى يمكن من خلاله رصد مظاهر الصراع أو الرفض أو التأييد، داخل الثقافة الشعبية لذوى الاحتياجات الخاصة، يحتاج منا إلى الكشف عنه وتفحصه وتحليل ما فيه، لكونه الممثل الأول عن الكيفية التى يمكن من خلالها معالجة تلك العقبات الكامنة فى تراثنا الشعبي، وثقافة ذوى الاحتياجات الخاصة المعبرة عن هويتهم فى حاضرهم ومستقبلهم.

 

أما الأبحاث التى ضمها كتاب مؤتمر”تجليات الإعاقة فى التراث الشعبى المصري” فقد كشفت عن النظرة السلبية للمعاق، من خلال الأمثال الشعبية، ومنها:

اللى يقول لمراته يا عورة تلعب بها الناس الكورة، ومثل جاء يكحلها عماها، ومثل ما يعرف العما من السمل، بنت الدار عورة، فقد البصر أهون من فقد البصيرة.

كما قام أحد الباحثين بتفسير مضمون الأمثال الخاصة بالإعاقات العقلية، وهى تمثل 15% من جملة أمثال الإعاقة، وقال إن الصورة الذهنية للمتخلف عقلياً، هي: «هبلة ومسكوها طبلة»، أى إن المتخلف يواصل الدق على الطبلة، بغض النظر عما إذا كان مناسباً أم لا، «أجسام البغال وعقول العصافير»، لا توجد علاقة بين حجم الأجسام والعقول، «تبات تعلم فى المتبلم يصبح ناسي»، استحالة الاستجابة للتعليم، «ابن الهبلة أو العبيط والمعاق عقلياً، يعيش أكثر»، الحسد على الحظ السعيد للمعاق أحياناً، كما استعرض الكتاب مجموعة كبيرة من الأمثال التى ربطت بين الإعاقة والجنون، مثل، المجانين فى نعيم، رزق الهبل على المجانين.

 

أما دكتور محمد حسن عبد الحافظ فى دراسته “ فى تجسير العلاقة بين الثقافة الشعبية والإعاقة “ يكشف عن السبب الحقيقى فى غياب فئة ذوى الهمم والمعاقين عن الدراسات الشعبية فيذكر أن طرح مسألة الإعاقة على الثقافة الشعبية يدفع الفولكلوريين إلى الهرب أو الانسحاب خجلاً؛ ذلك لأن التصور المكرَّس لدى كثير منهم يتمثل فى أن المأثورات الشعبية تحتشد بتعبيرات فائقة القسوة تجاه مختلف أنواع الإعاقة، غالبًا ما تطغى على أذهانهم ألفاظ المثل الشعبى الذى اطلعوا عليه بحكم التخصص: "إن شفت الأعمى دبُّه، وخد عشاه من عبُّه، ما نتاش أرحم عليه من ربُّه".

ويرى عبد الحافظ أن الحل يكمن فى تجاوز حدود التجليات والصور الثابتة والمستقرة للإعاقة والعجز فى التصورات الذهنية العامة، والتفكير فى ما يمكن أن تمنحه الثقافة الشعبية وفنونها وآدابها من أفكار ملهمة، واستلهام الفنون الحديثة: الأدبية والموسيقية والغنائية والتشكيلية والحركية - للقيم الإبداعية الشعبية التى سَمَتْ بالمعاقين.

 

وفى رأيى أن ذوى الاحتياجات الخاصة فئة حاضرة بقوة فى الثقافة الشعبية خاصة فى الريف من خلال العادات والمعتقدات وتحظى بمحبة كبيرة، فمن خلال مشاهداتى لمعاملة الناس لهذه الفئة سواء فى الريف أو المدينة، نجد أن التنمر بكل أشكاله نحو هذه الفئة يكون فى المدينة وليس فى الريف فهناك تجد احتراما تاما وتعاونا من الناس مع أهالى ذوى الهمم وتنظر الجماعة الشعبية فى الريف إلى المعاقين ذهنيا على أنهم من أصحاب البركات لذا يتجنب الأهالى أذيتهم بل يحترمونهم ويمنعون أولادهم عن أذيتهم خوفا أن ينالهم غضب الله ارضاءا لهذا المعاق ذهنيا، وهذا يتطلب دراسات متعددة ومتنوعة عن حال ذوى الاحتياجات الخاصة فى الريف المصرى وجمع ما يحكى عنهم من حكايات هى أشبه بالكرامات يتناقلها الناس كذا إلقاء الضوء على الملابس والإكسسوارات والألعاب وما تمثله من دلالات اجتماعية وثقافية ونفسية.