رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


أنقذوا العقل المصرى من الدجل

17-12-2021 | 16:44


أحمد تركى,

كنت أدرس فى الأزهر الشريف العامر مادة "الملل والنِّحَل" -بكسر وتشديد النون وفتح الحاء- وسألت أستاذى الدكتور حسن الهوارى -رحمه الله- عميد كلية الدعوة الاسلامية الأسبق وأستاذ المادة؟ سألته وقلت له: كيف يكون الإنسان متعلماً ومثقفاً ويعمل طياراً أو وزيراً أو طبيباً  أو كاتباً كبيراً ومفكراً.. وصاحب عقل متوهج بالفكر والمنطق.. وعند الخرافة يتحول نفس العقل الى عقل بدائى جدًا وكأنه يعيش فى العصر الحجري !

 

يتوقف عن التفكير تماماً عند اعتناق عقيدة الخرافة والوهم؟ يعنى هؤلاء الأشخاص ذوى الجاه والمناصب والشهرة والشهادات العلمية المرموقة  الذين يذهبون إلى دجال وساحر لجلب الحبيب وحل المشكلات.. إلخ. 

 

كيف لشخصية مثقفة ومتعلمة تلجأ إلى دجال لا يحسن القراءة والكتابة وتثق فى قدرته على تسخير الجان وفك السحر والتأثير فى الناس؟

 

فأجاب: ملاحظتك صحيحة، وهى أزمة البشرية طيلة التاريخ! انتهى كلام المرحوم الدكتور الهوارى.

 

وتأكيداً على ذلك أن آيات القرآن فى ذكر العقل والبراهين والحوار العقلى  تتجاوز 2500 آية  اشتبكت مع العقل الخرافى لتحويله إلى عقل مجرد فى تفكيره وبرهانه وتناوله.

 

ومن الآيات التى اشتبكت مع الدجل الجاهلي فى عهد الرسول الأعظم -صلى الله عليه وسلم- قوله تعالى فى سورة يس:  "وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا ۖ أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ" 62

 

يعنى لقد أضل الشيطان خلقاً كثيراً فى إيهامهم  بتأثير بعض المخلوقات عليكم أكثر من قدرة الله تعالى.

 

وقال تعالى: (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لأنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلا حَيَاةً وَلا نُشُورًا) (الفرقان: 3).

 

كيف يقنع الدجالون العقل فى القرن الواحد والعشرين بأنه تحت تأثير شيطان أو جان، كما كان العقل الجاهلى يقتنع بذلك؟

 

أذكر ذلك اليوم عندما استوقفتني سيدة ومعها ابنها الصغير، منذ عامين تقريباً،  فى الشارع وطلبت منى مساعدتها فى مشكلتها الكبيرة! وكان هذا الحوار :

هى: شيخ أحمد.. الحمد لله إنى قابلتك كنت محتاجالك جدًا. 

 

أنا: تحت أمر حضرتك يا مدام

 

هى: أنا عندى سحر معمول بالسفلى ومدفون فى مكان كذا.. إلخ.

 

أنا: ومن قال لك أن عندك سحر؟

 

هى: شيوخ كتير قرأوا كثيراً علّي ومفيش فايدة وأنا عندى أعراض كتيرة.. وملهاش أى تشخيص. 

 

أنا: لكن السحر والحسد غيب.. ولا يعلم الغيب إلا الله، والشيوخ اللى بيقلولك إن عندهم استطاعة فى كشف السحر والحسد وكأنهم معمل تحاليل.. هم كذابون ودجالون !

والنبى صلى الله عليه وسلم قال: كذب المنجمون ولو صدقوا وفى رواية ولو صدفوا!

 

أنت مش بتمسحى رخامة المطبخ فى البيت بالديتول والمنظفات بعد غسل المواعين؟ علشان أنت بتطهرى الرخامة من الفيروسات والجراثيم اللى أنت مش شايفاها!

 

نفس النظام.. القرآن تكلم عن السحر والحسد..    وأعطانا التحصين منهم. بالذكر وقراءة القرآن.    كقراءة آية الكرسى والمعوذتين والإخلاص  والمحافظة على العبادة، وذكر الله.. إلخ.

يعنى قوة الروح وقاية من أى شر.

 

لكن لم يذكر الإسلام اكتشاف السحر والحسد! ولم يرد عن الرسول صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة ولا فى تاريخنا النظيف أى من رجال العلم اشتغل باكتشاف السحر ومعالجته !

هذا دَجَل.

 

تحصين الإنسان بيده هو وليس بيد من يزعمون أنهم مشايخ.

 

هى: طب واللى عندى دا إيه؟

 

أنا: أرجوكى  يا مدام إلجأى إلى طبيب نفسى .

 

هى: انفجرت  فى وجهى بصوت عالٍ! يا شيخ أحمد أنا طبيبة وأستاذة فى الجامعة، وذكرت عدة مصطلحات اللغة الإنجليزية تخص تخصصها.. تأكدت  وقتها أنها فعلا تعانى من مرض نفسى حاد وتعيش  حالة من الإنكار.

 

أنا: لماذا شعرت بالإهانة يا دكتورة عندما قلت لك إلجأى إلى طبيب نفىسى؟ عامة مش هتخسرى حاجة لو استشرتى زميلك الطبيب النفسى، لأن دا علم وأنت تعرفين ذلك  أما ثقتك فى الدجالين لا يمت للعلم ولا للدين بصلة .

 

هى: طب ممكن تلفون حضرتك

 

أنا: حاضر.. اتفضلى  وألف سلامة على حضرتك .

 

انتهى الحوار وقلبى مليء بالأسف والأسى لتلوث العقل الجمعى المصرى بهذه الخرافات التى ما أنزل الله بها من سلطان !

 

وتبين أن المصريين ينفقون 40 مليار جنيه سنوياً على أعمال الدجل والشعوذة، وفق جريدة أخبار اليوم فى عددها الصادر يوم 16 نوفمبر 2020.

 

وأن عدد المشتغلين بالسحر والشعوذة وإيهام الناس بالعلاج بالقران كبديل للطب تجاوز عشرات الآلاف  .

من هؤلاء الدجالين دكتور شهير يظهر على الشاشات بصورة بهلوانية مشعوذة، يوهم ضحاياه أنه يخرج العفاريت من أجساد النساء فى مشاهد درامية قذرة، وقد تكسب من ذلك الملايين دون حساب !

 

كما قام عشرات الدجالين باستهداف جروبات الستات على الفيسبوك وتويتر وإنستجرام، ولقد سمعت قصصاً وجرائم فى ذلك يشيب لها الولدان ، وقد نظرت المحاكم المصرية آلاف الدعاوى القضائية الجنائية نتيجة مثل هذه الأعمال.

 

منذ عام تقريباً، هاتفنى صديقى الإعلامى الأستاذ طارق علام، وكان يتناول فى برنامجه التلفزيونى جريمة قتل فى محافظة كفر الشيخ .

حيث قام دجال بإقناع أسرة أن ابنتهم عليها عفريت وهو قادر على إخراجه.. استأمنته الأسرة ليخلو بابنتهم، فقام باغتصابها وهم يسمعون الصراخ فى غرفتها جراء الاغتصاب ويظنون أن العفريت هو الذى يصرخ؟ وعندما اكتشفت الأسرة الجريمة، قام إخوة الضحية بقتل الدجال على الفور .

 

فأكدت له على الهواء أن الإسلام بريء من تلك الأعمال، ولا يوجد فى القران والسنة ما يؤكد دخول الشيطان جسم الإنسان والسيطرة عليه، لأن علاقة الشيطان بالإنسان وسوسة وفقط .

 

قال تعالى: "فوسوس لهما الشيطان"  (الأعراف : 20.) 

 

قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3) مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6).   سورة الناس

 

وقال الله تعالى لإبليس: "(إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين وإن جهنم لموعدهم أجمعين لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم).. سورة الحجر.

 

وإذا كان البعض يتأول بعض النصوص لتبرير جريمة ممارسة هذا الدجل فهذه جريمة أخرى ينبغى أن يحاسب عليها  

 

فقوله صلى الله عليه وسلم: إن الشيطان يجرى من ابن آدم مجرى الدم؟ تقديره وسوسة الشيطان تجرى من ابن آدم مجرى الدم.

 

والوسوسة إيحاء خفى، يدعو إرادة الإنسان لارتكاب الغواية بالتزيين!

 

ولذلك كان كيد الشيطان ضعيفاً! قال تعالى: إن كيد الشيطان كان ضعيفاً.

 

والقرآن كتاب هداية وشفاء معنوى لمن يقرؤه.   شفاء من الحقد والضغينة وضيق الصدر الخ.  ولم يذكر الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم أن القرآن دواء للأمراض العضوية والصرع كما يدعى الدجالون ؟!

 

قال تعالى: وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خساراً " (الإسراء: 82)

 

ولم يرد عن رسول الله ولا عن أصحابه ولا عن التابعين ولا عن أئمة المسلمين القدامى أن العفريت يدخل جسد الإنسان ويلزم إخراجه بالقرآن؟! رغم إقرارهم بالسحر والحسد الذين هما غيب كما ذكرت آنفاً.

 

ولم يسوقوا لفكرة أن القرآن دواء عضوى لكل الأمراض، بل علموا القرآن ككتاب هداية للعالمين.

 

وقال صلى الله عليه وسلم فى ضرورة العلاج بالأدوية: ما من داء إلا وجعل الله له دواء فتداووا عباد الله.

 

ومما يساهم فى هذه التجارة القذرة - تجارة الوهم والدجل - رغم أضرارها القاتلة، عدم وجود قانون يجرم هذه الأعمال بصورة مباشرة .

فالقانون المصري لم يتطرق من قريب أو من بعيد لجرائم السحر والشعوذة، لكن يمكن ضم الأشخاص الذين يقومون باعمال السحر والشعوذة والدجل إلى جريمة النصب، طبقا لنص المادة ٣٣٦ من قانون العقوبات المصري، ويكون العقاب فيها الحبس من 24 ساعة إلى مدة  ثلاث سنوات مع الشغل والنفاذ.

 

مع الأسف الشديد  من يتضرر من هذه الأعمال لا يوجد له قانون ينصفه.. ولا يستطيع أن يحرر أي محاضر ضد الساحر أو المشعوذ، لأنه لا توجد رابطة بينهما، حتى لو تم الإضرار به، ولكن الوحيد الذى يحق له الرجوع على المشعوذ أو الساحر، هو الشخص المتعامل مع الساحر بصفته أنه تم النصب عليه من الساحر أو الدجال أو المشعوذ، وأنه تحصل منه على أموال نظير أعمال قد أوهمه بها ولم تتحقق.

 

هذا وتوجد عدة دول عربية ينص قانونها الجنائى على تجريم من يمارس الدجل والشعوذة  مثل المغرب وسوريا ولبنان والسودان والبحرين  والإمارات.

ففى المغرب مثلاً: في الفصل 609 من القانون الجنائي المغربي في فقرته 35  تنص على أن “من احترف التكهن والتنبؤ بالغيب أو تفسير الأحلام يعاقب بغرامة تتراوح بين 10 و 120 درهما و يعتبر هذا الفعل مخالفة من الدرجة الثالثة. وينص الفصل 726 من قانون الالتزامات و العقود على بطلان كل اتفاق يكون موضوعه تعليم أو أداء أعمال السحر و الشعوذة أو القيام بأعمال مخالفة للقانون.

 

أليست هذه الظاهرة جريمة تعكر صفو السلم الاجتماعى وتخرب البيوت وتهتك الأعراض وتفسد فى الأرض.

 

أليست هذه الظاهرة أخطر من تسميم الغذاء والهواء لأنها تسمم العقل الجمعى وتوقف نمو المجتمع نحو التنمية الشاملة؟

 

ألم يحن الوقت لسن قوانين صارمة لمعالجة هذه الظاهرة؟

 

هذه صرخة أرفعها للسيد الرئيس عبدالفتاح السيسي  حفظه الله ورعاه وهو يؤسس ويبنى الجمهورية الجديدة بضرورة النظر فى هذا الموضوع  والتوجيه بما هو مناسب.

وصرخة أخرى لأصدقائى فى الغرفتين التشريعيتين  مجلس النواب ومجلس الشيخ بضرورة سن قانون يجرم أعمال الدجل والشعوذة والعلاج بإخراج العفاريت من الأجساد.. إلخ. 

 

كما أدعوا زملائى الإعلاميين تناول هذا الموضوع لتحذير الناس من الوقوع فى براثن الخرافة والدجل.

 

والله المستعان  .