رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


عودة الإعلام المنضبط

21-6-2017 | 13:16


بعد أن مر الإعلام المصرى بمراحل ضعف وفوضى غير مسبوقة، نظرًا لغياب المنظومة التى تحكم أداءه، ولأنه لم يكن لدينا وزارة ولا هيئة أو مجلس مسئول عن الإعلام، أصبح كل فرد يستطيع أن يقول ما يريد ويفعل ما يشاء.

كان الإعلام الحكومى ضعيفًا ومازالت قنواته مكتظة بعدد كبير من العاملين يشكلون عبئًا على ميزانيته وظلت قنوات ماسبيرو تعمل بأضعاف طاقاتها من البشر وتقدم أداء ضعيف وتخرج منتجا إعلاميا باهتا.

الإعلام الحزبى كان ضعيفًا مثل الأحزاب السياسية تمامًا ولم يقرأ صحفه سوى أعضائه فقط.

وهذا الأمر أدى قبل تفكير الدولة فى إقرار المجلس الأعلى وهيئتيه الإعلام والصحافة، إلى انفراد الإعلام الخاص بالساحة بمفرده وأغدق عليه رجال الأعمال بالأموال لأن لديهم مشروعات استثمارية وهدفهم حماية مصالحهم، وأصبح الإعلام المهنى لا وجود له وبات الإعلام المسيطر هو إعلام «لى ذراع الدولة».

نحن نعرف أن من يحتكر الإعلام يمكن أن يوجه الرأى العام، ويصبح المواطن هو الضحية لأنه لا يجد سوى وجهة النظر الواحدة فى الوقت الذى كانت تريد فيه الدولة الوقوف على قدميها كان الإعلام الخاص هو من يملك التأثير السياسى، وربما كان يتجاهل الظروف الاستثنائية التى تمر بها البلاد، وربما كانوا قد استغلوا وسائلهم الإعلامية لحصد أكبر عدد من الأعضاء فى مجلس النواب لكى يمتلكوا التأثير السياسى متصورين أنهم أكبر من الدولة، وللأسف كان الإعلام هو السلاح الذى يلعبون به، ولأن القانون الحاكم لممارسة مهنة الصحافة غاب كثيرًا أصبح الانفلات عنوانًا لكل الرسائل والوسائل الإعلامية التى تصدر للجماهير من قنوات وصحف لا تجد من يحاسبها.

كانت الخطوة الأولى هى تشكيل المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام وهيئتى الإعلام والصحافة منذ أسابيع إلا أن إعلامنا وصحافتنا مازالت تحتاج إلى ضبط إيقاع ومراحل لاحقة لمعايير مهنية وأخلاقية لوضع العلاج الجذرى حتى لايعود الإعلام مرة أخرى إلى الانحدار الذى كنا نعانى منه من حيث تعبيره عن وجهة النظر الأحادية وتكون أهدافه ذات مقصد محدد، ونجد أنفسنا مرة أخرى أمام منتج إعلامى خالِ من الموضوعية والرأى المسئول الذى يستقرئ كل الظروف من حوله، ونصبح مرة أخرى ندور فى فلك الجسر الذى يفقدنا تأثيره الجماهيرى.

ولكى يصبح الإعلام منصات بناءة لا منصات هدم، لابد من إعادة هيبة إعلام الدولة ممثلة فى قنوات وصحف ومجلات، ولابد من صدور قانون تداول المعلومات لكى تتعامل المهنة مع معلومات سليمة من مصادرها وتتناولها بحريات مسئولة ليس بهدف تلوينها، وأيضا لابد من اكتساب الصحفى مهارات فائقة لكى يصبح قادرًا على التحرير والتصوير والمونتاج والتدقيق اللغوى وإدارة المواقع الإلكترونية ويصبح لديه القدرة على الكتابة الصحفية بكل فنونها.

وهنا تكون الرسالة الإعلامية مملوءة بعناصر التماسك والوحدة الموضوعية للمتلقى أو للقارئ وأيضًا تعطى طمأنينة للمصادر الحكومية وغير الحكومية بأن رسائلهم تصل للجماهير بشكل صحيح وسليم خال من التلوين والتوجيه.

أيضًا نحن نعلم أن هناك خططًا مهمة جدًا فى هذا الإطار للنهوض بالمؤسسات الصحفية من جانب الهيئة الوطنية للصحافة، يقابلها خطط تقوم بها الهيئة الوطنية للإعلام لضبط معايير الإعلام المرئى والمسموع، ومن قبل الهيئتين هناك مجلس أعلى لتنظيم الإعلام يهدف إلى ضمان وحرية الصحافة والإعلام وحماية حق المواطن فى التمتع بإعلام وصحافة حرة على قدر رفيع من المهنية وفق معايير الجودة الدولية بما يتوافق مع الهوية الثقافية المصرية، وأيضًا إعلام يضمن استقلال المؤسسات الصحفية والإعلامية، وحيادها وتعددها أيضًا ضمان التزام الوسائل والمؤسسات الإعلامية بمعايير المهنة، ومقتضيات الأمن القومى للبلاد واحترام الملكية الفكرية والأدبية كما ينص قانون التنظيم المؤسسى للصحافة والإعلام، ومنع الممارسات الاحتكارية فى مجال الصحافة والإعلام وضمان سلامة مصادر تمويل المؤسسات الصحفية والإعلامية، والأمر الذى يجب أن تنتبه إليه الحكومة هو مصادر التمويل والتدوير الاقتصادى لأصول المؤسسات الصحفية لكى تضمن عائدًا إيجابيًا للعاملين بهذه المؤسسات.

الآن أصبحت بالفعل الدولة المصرية حريصة على ألا يكون إعلام الدولة إعلام «طبطبة»، لكنها تريده إعلامًا موضوعيًا هادفًا ولا تسير الدولة بعيدة عن الإعلام كما كان فى الركب القديم وتعمل الدولة على أن يحيط إعلامها بالالتفاف حول الغلابة وحول كل القضايا التى تلاحقهم كالأسعار والدخول وسوف تهيئ مناخًا مناسبًا لإعلام صحى.

إن حرص الدولة على عودة الإعلام المنضبط يبشر بإيجابيات كثيرة تصب فى خانة المواطن وتشعره بأن صحفه القومية وقنواته التى يملكها تعمل فى صالحه، وتقدم له الوجبات المعرفية التى ستكفى جوعه من حقائق كثيرة كانت غائبة عنه وتكشف له أسرارًا بشكل مسئول وتفتح له الرأى والرأى الآخر فى قوالب موضوعية خالية من الهوى.

كل هذه الإجراءات التى اتخذتها الدولة تمثل مرحلة جديدة للإعلام المنضبط وتودع فيها الإعلام المنفلت الذى أثر على مصر سياسيًا واقتصاديًا وسياحيًا وأمنيًا وأتصور أن العودة ستكون سريعة وقوية لا تستغرق وقتًا نظرا لما يتم تأسيسه هذه الأيام من جانب الهيئة الوطنية للصحافة التى تلاحق الزمن فى عودتها بإجراءات استثنائية تستجيب لها الصحف والمجلات القومية، لأن أعضاءها يشعرون بالأوجاع التى كانت تلاحق هذه المهنة وربما أنهم عانوا منها كرواد ذاقوا المُر فى بلاطها.

نرى بوادر من الدولة ممثلة فى هيئاتها الصحفية والإعلامية ومجلسها الأعلى لدعم المؤسسات الصحفية والإعلامية ممثلاً فى توفير الاحتياجات المالية لتلك المؤسسات.

هناك الآن لجان على أعلى مستوى من الخبرة لوضع حلول استثمارية لاستغلال أصول تلك المؤسسات، وذلك لخلق بيئة إيجابية وجيدة للعاملين بها.

وأعتقد أن الدولة سوف تدخل بشكل جدى فى كل المراحل السابقة فى بطن المؤسسات ومشاكلها لوضع حد للديون التى كبلتها، ووضعتها فى خانة الشيخوخة المبكرة، وسوف تتولى الهيئات الجديدة وضع حد لتلك الديون إما بإعدامها أو جدولتها، حتى تنهض تلك المؤسسات لتجديد شبابها وبروح جديدة تساعد على خلق إعلام وطنى يصب فى خانة الشعب والدولة.

إعلام يقدم أفكاراً جديدة من خارج الصندوق لحل المشكلات الاقتصادية والمجتمعية حتى تساعد متخذى القرار على تصويب أى أخطاء فى الخطط القائمة وتعديل مسار هذه الحلول، لا إعلام يقوم على الشعوذة «العفاريت» وفك السحر ورد المطلقات وجلب الحبيب.

الإعلام الذى تصر عليه الدولة فى المرحلة المقبلة هو إعلام هادف هادئ لا يقدم صراخاً وعويلاً «ولطم الخدود» والتسخين الذى لا يستهدف سوى زيادة المشاهدات ومداعبة أصحاب الإعلانات وحملات الابتزاز ضد الدولة وضد رجال أعمال بعينهم وضد القرار المصرى، كما حدث من بعض الفضائيات فى عدم وجود مساندة حقيقية لقرار استرداد أراضى الدولة كحق للشعب حصل عليه الحيتان بدون وجه حق!

ويأتى دور نقابة الصحفيين الذى لا يقل عن دور الهيئتين والمجلس فى تنقية جداولها وقبول الزملاء المهنيين فقط ووضع معايير للمقبولين بها وتفعيل مواثيق الشرف الصحفى.

أيضاً لابد أن تبدأ نقابة الإعلاميين فى أداء دورها المنتظر حتى تقدم لنا كوادر تضبط إيقاع شاشات الفضائيات عامة أو خاصة.

لابد فى النهاية أن نحتكم إلى الضمير الوطنى فى كل ما يقدم أو كل ما يكتب حتى لا نعود إلى إعلام «الشلة».