رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


ذكريات رحلة إلى بيروت (٣)

21-6-2017 | 13:28


بقلم – سليمان عبدالعظيم

١٥ يوماً قضيتها بالفعل فى هذه الرحلة الصحفية المثيرة فى أطراف لبنان الأربعة.. كانت أول مهمة صحفية لى خارج البلاد.. يوليو ١٩٨٩ كنت عائداً لتوى من أول رحلة حج أديتها.. من السكينة فى أجواء مكة المكرمة والمدينة المنورة.. طرت إلى حيث نيران الحرب الأهلية المشتعلة فى لبنان..

من بيروت الغربية ذهبت ثلاث مرات ومعى صديقى رحمه الله المصور البارع الجريء فاروق عبدالحميد إلى بيروت الشرقية حيث قوات حزب الكتائب لإجراء عدة مقابلات صحفية مع أبرز الزعماء السياسيين فى هذا الوقت وهناك التقيت د. بطرس حرب (أصبح وزيرا فيما بعد) وكريم بقرادونى المفكر وفيلسوف الموارنة اللبنانيين والسياسى والمحامى الدولى أوجست باخوس.

وفى اليوم الذى كنت أستعد فيه للذهاب إلى بيروت الشرقية لإجراء حوار مع العماد ميشال عون حذرنى القنصل العام أحمد عاطف السمادونى من أننى قد أواجه بعض المتاعب والغضب من أفراد القوات السورية المسيطرة على متاريس الطريق من بيروت الغربية إلى البر الآخر من العاصمة اللبنانية، التى أصبحت بفعل الحرب المسلحة منقسمة إلى بيروت الغربية حيث أهل السنة وبيروت الشرقية حيث الموارنة. وأتذكر أننى عندما قلت له لا تخف إن الجنود السوريين عرفونى ورحبوا بى فى المرتين السابقتين.

قال إلا النهاردة يا بطل.. ليه.. السوريون غاضبون بشدة من تصريح سياسى أدلى به الرئيس مبارك بأنه على السوريين أن يرحلوا من لبنان!.

وبالفعل، وجدت أن المعاملة قد تغيرت تماماً وكان الجنود والضباط السوريون غاضبين بشدة وانعكس هذا الغضب بالتالى على تصرفاتهم معنا فى الحاجز الأمنى الأول بل وكل الحواجز حتى وصلنا بعد أكثر من ٣ ساعات إلى حيث «قصر بعبدا» رغم أن نفس هذا الطريق كنا نقطعه فى المرتين السابقتين فى حوالى الساعة!.

ورغم أن ٢٨ عاما مرت على هذه الرحلة الصحفية المثيرة، إلا أننى مازلت أتذكر ما جرى فى اليوم الذى قابلت فيه العماد عون حيث استقبلنى بترحاب شديد السكرتير الخاص بالعماد ميشال عون.. ومنه عرفت أنه عاش ١٠ سنوات فى مدينة الإسكندرية عندما كان طالبا فى الثانوى والجامعة..

«أهلا بمصر وصحافة مصر.. كنتم فين من زمان؟!.. آخر صحفى مصرى جاء إلى بيروت منذ ٥ سنوات ١٩٨٤– كل لبنان يقدر الدور الوطنى والعربى الذى تقدمه مجلة المصور والأستاذ مكرم»، هكذا استقبلنى العماد عون فى مكتبه بقصر بعبدا.. الذى تحول إلى ثكنة عسكرية شديدة الحراسة من أجل حماية العماد عون البطل الذى تحدى حافظ الأسد وقواته المسيطرة على كل أمور الحياة فى لبنان والقوى السياسية اللبنانية المتحالفة مع دمشق.

على باب غرفة مكتبه ودعنى العماد عون ورافقنى سكرتيره إلى سلالم قصر بعبدا.. وفجأة جاء من يهمس فى أذنه ليقول لى بعدها:

العماد يريدك أن تبلغ رسالة إلى د. أسامة الباز.. هل يمكنك أن تقوم بهذا الأمر.. وكانت إجابتى بنعم.. وعدنا مرة أخرى إلى داخل مكتب العماد عون الذى حملنى رسالة شفهية إلى الدكتور أسامة الباز الذى سيقوم بدوره بإبلاغها إلى الرئيس مبارك.

كانت الرسالة بدون أن أكشف سرها يقول مضمونها: العماد يطلب من القاهرة مساعدة أكثر وتأييداً سياسياً أكبر للعماد عون.

فى لبنان، لا تستطيع أن تحتفظ بسر.. وقتها كانت العاصمة بيروت ميداناً فسيحاً تتحرك فيه كل أجهزة المخابرات العالمية.. وبالدولار يستطيع أن يشترى أى رجل مخابرات ذمة بعض ضعاف النفوس الذين أصبحت كل مهمتهم فى الحياة أن يحصل على معلومة تفك زنقته!.. وكان لدى كل لبنانى تصور بأن كل من يتعامل معه من بنى بلدته عميل لهذا الجهاز الاستخبارى أو ذاك..

بعد الحوار مع العماد عون عدنا إلى بيروت الغربية وفى الساعة التاسعة مساء دقت صافرة الإنذار لنسارع، القنصل العام أحمد عاطف السماودنى، ومساعده دسوقى، وفاروق، والعبدلله بالنزول إلى الملجأ(كما يسمونه فى بيروت) نحتمى فيه من هذا القصف الشديد الذى بدأ ينهال على بيروت الغربية.. وهنا تذكرت ما قالها لى العماد عون: أنت بايت معانا هنا فى بيروت الشرقية؟..

ولم أفهم وقتها ماذا كان العماد عون يقصد بهذا السؤال المفاجئ؟!