محمد على أول من طبع المصحف من ١٨٥ عامًا و«الشمرلى» أقدم مطبعة: ٤٠٠ دار تتسابق لنيل شرف طباعة المصحف الشريف
تحقيق: أشرف التعلبى – محمود أيوب - شريف البرامونى
عدسة: سامح كامل
فى ليلة القدر نزل القرآن الكريم.. وفى شهر رمضان المعظم يقبل المسلمون فى شتى بقاع الأرض على قراءة القرآن وفى مصر خاصة تتزايد مبيعات نسخ المصحف الشريف، ورغم أزمة ارتفاع الدولار التى طالت كل شيء، إلا أن الإقبال على شراء المصاحف فى رمضان الحالي كان كبيرًا، وعمت نفحة الشهر الكريم على جميع أصحاب المكتبات والمطابع التى تعمل فى هذه الصناعة.. خاصة أن هناك مطابع كثيرة تتنافس على طباعة المصحف، وهناك ما يقرب من ٤٠٠ دار نشر بمصر والدول الإسلامية تتسابق لنيل شرف طباعة المصحف الشريف؛ حيث إن الموافقة على نسخة المصحف تمر على لجنة مكونة من ١٧عضوا بمجمع البحوث الإسلامية..
فى عام ١٨٣٢ أمر محمد على باشا للمرة الأولى بطبع بعض أجزاء من القرآن الكريم لتلاميذ المدارس بعد ذلك بدأت طباعة المصحف كاملا، وأمر الشيخ التميمى، مفتى الديار المصرية وقتها، بوضع خاتمة على المصحف حتى يكون بيعه وتداوله أمرًا مشروعًا، وتم توزيع المصحف المطبوع على المدارس والأزهر الشريف، واستمر ذلك حتى وفاة محمد علي.
تقول الدكتورة سماح عبد المنعم السلاوى أستاذ التاريخ بجامعة الزقازيق فى دراسة بحثية حصلت عليها «المصور» عن تاريخ مصحف محمد على إنه بعد ذلك خصصت مطبعة بولاق جزءا خاصا للاهتمام بطباعة المصحف الشريف واختار لها رئيسًا مستقلًا، وشغل تلك الوظيفة عبد الرحمن أفندى عام ١٨٤٥، ومع تراجع الدولة المصرية بعد وفاة محمد علي، وفى عهد الخديو عباس حلمى الأول وجد علماء الأزهر أخطاء فى مصحف محمد علي، واستطاعوا إقناعه بمصادرة تلك المصاحف ومنع تداولها، فأصدر العام ١٨٥٣ منشورًا بجمع المصاحف المطبوعة وتحريم تداولها ومعاقبة من يخالف ذلك الأمر، كما أصدر أمرًا لمحافظ الإسكندرية فى العام التالى بإعدام المطبوع من المصاحف والتى كان عددها ٢٩٦ مصحفًا وجدت فى مخازن ديوان الجهادية.
مضيفة: حين تولى الخديو سعيد أراد أن يوزع بعض المصاحف على تلاميذ المدرسة الحربية، فأخذ رأى الأزهر فأفتوا له بأنه يمكن تصحيح الأخطاء فى المصاحف ثم إعادة توزيعها مرة أخرى على التلاميذ، فتم عرضها على خطاط يدعى الشيخ عبد الباقى الجاري، وقام بتصحيح مائة وخمسين مصحفًا عام ١٨٥٨، وتبقى عشرة مصاحف تم تصحيحها فى خلال شهر، وأيضا سبعة وخمسون مصحفًا تم الانتهاء من تصحيحها خلال أربعة أشهر.
«السلاوي» قالت إن بعض من المصاحف كانت تعود ملكيتها لأفراد كان عددها مائة وأربعة وثلاثين مصحفًا من تلك المصاحف المصححة منهم الحاج عثمان وكان له مائة وثمانون مصحفًا والحاج أمين وله ستة وعشرون مصحفًا، وقد كلفا الحاج حسن بتصحيحها، فأمر الخديو أن تصحح على نفقة الحكومة وتعاد النسخ الشخصية إلى أصحابها.
«أشهر المطابع»
أشهر المطابع التى كانت تتولى طباعة القرآن الكريم فى العصر الحديث، مطبعة «الشمرلي» وهى من أقدم المطابع التى تخصصت فى طباعة المصحف وشركة السحار.
وداخل شركة «السحار» للطباعة يقول المهندس أسامة سعيد جودة السحار رئيس مجلس إدارة الشركة، إن عملية طباعة المصحف الشريف تمر بالعديد من المراحل والخطوات، بداية من التصريح الخاص للطباعة، وأمر الطبع يكون من الأزهر، وتصريح التداول لا يتم إلا بمعرفة الأزهر الشريف ويكون وفقا لشروط وضوابط منها الترخيص الرسمى والسجل الضريبي، بعد ذلك تتم المراجعة والفرز، ثم التوضيب والتطبيق ثم الجمع بعد ذلك التغليف والبصمة. لافتًا إلى أن عملية الطباعة ليست سهلة نظرًا لقداسة الكتاب وهو القرآن الكريم، فنحن نعمل بشكل دقيق ونقف على كل مرحلة من المراحل للتأكد من أن العملية يتم إنجازها بشكل دقيق وبلا أى أخطاء.
وأضاف «السحار»: بعد ذلك يمر على لجنة الفرز وهى لجنة من الحافظين للقرآن الكريم، وهى مسئولة عن فرز كل الملازم وفق ترقيم وسلم خاص مع مراجعة كافة الصفحات بشكل دقيق وهى تقف عند كل حرف أو تشكيل أو رقم لكل آية من آيات الله عز وجل، بعد مرحلة المراجعة يتم ختم كل صفحة برقم، ومع كل مرحلة وملزمة هناك مراجع متخصص للمراجعة، وفى حال لاحظ أى خطأ يتم إعدام الزنك على الفور دون تردد ونتحمل نحن الخسائر فهذا الكتاب الذى لا يدخله الخطأ أو التحريف ولا نستطيع نحن ولا أى عامل من المطبعة تحمل مسئولية وقوع أخطاء حتى ولو كان جزءا من المائة، فهذا شرف لكل عامل تلمس يده كتاب الله العزيز القدير.
وعن مقاسات المصاحف التى تتداول بشكل عام، قال «السحار» مقاسات عديدة تبدأ من ٦ فى ٨ إلى ٢٥ فى ٣٥ وهو مصحف الجامع، ولها أيضا أسماء تجارية مثل مصحف الجيب، ومصحف النصف، ومصحف الجومعى وهو المصحف الكبير والذى يقرأ منه فى صلاة التراويح، وهناك المصحف المفهرس وهو أحد منتجات السحار الخاصة ويعرف باسم مزدوج الفهرسة، فضلا عن المصحف المفسر.
وعن تأثير الدولار وارتفاع سعر الخامات على أسعار المصاحف، قال «السحار» إن هذا الأمر أثر بشكل كبير على الصناعة فارتفاع الدولار ضاعف سعر التكلفة بشكل كبير، وهناك بعض المواد زادت إلى ضعفين على سبيل المثال الورق والذى وصل إلى ١٧ ألف جنيه للطن وهو محلى الصنع يأتى من مصنع «قنا للورق» وهو المصنع الوحيد فى مصر حاليًا.
وحول المصاحف التى تأتى من الخارج «المستورد»، قال «السحار» ظهر منذ سنوات مصحف جاء مطبوعا من الصين، وعدد من أصحاب المكتبات قاموا بطبع المصاحف فى الخارج نظرًا لصعوبة إصدار التصريحات للتداول، لأن كل تصريح محدد بكمية ومدة محددة، والتصريح الواحد لابد من تسديد رسوم له تقدر بنحو خمسة آلاف جنيه.
وحذر «السحار» من المصاحف التى تطبع فى المطابع الصغيرة وتباع على الأرصفة وبعض المكتبات، ويكون بعض هذه المصاحف مستوردا، أو تم طبعها فى مطابع غير مرخصة، أو لم تحصل على تصريح بالطبع أو التداول، لافتًا إلى أن مصر من الدول الرائدة فى طباعة المصاحف ولنا سوق كبير فى أغلب الدول العربية.
«مجمع البحوث»
حول دور الأزهر فى الإشراف على مراقبة المصاحف، قال علاء الدين على عبدالظاهر مدير إدارة مراجعة المصحف الشريف بمجمع البحوث الإسلامية، إن موضوع المراجعة ليس بالأمر السهل كما يتصور أصحاب المطابع، فقبل الطبع يجب أن يثبت الكيان المسئول عن الطباعة أنه صاحب سجل تجارى وضريبي، بالإضافة إلى أن النسخ التى تتم الموافقة عليها يجب أن تكون مطابقة للرواية التى تم اعتمادها من الأزهر، وتمر بعد ذلك على لجنة مكونة من ١٧ عضوا يشكلها شيخ الأزهر، وهم متخصصون فى القراءات والرسم والتشكيل وللغة العربية وكليات الشريعة وأصول الدين، ولذلك كل تصريح يأخذ وقته لأنه يمر على تأكيد وفحص ومحص وليس تمريرا، ولذلك التصريح الخاص بالطباعة قد يأخذ وقتا قبل إصداره.
وعن الخطأ الذى يقع بعد صدور تصريح التداول، يقول «عبد الظاهر» تتم مصادرة النسخ ويحظر على المطبعة القيام بطباعة المصحف مرة أخرى حال تكرر أخطاء المطبعى الناتج عن عيوب فى ماكينة الطباعة، مضيفا: أن الإدارة هى المسئولة عن المصحف المطبوع بالإضافة إلى مراجعة التسجيلات القرآنية، سواء كانت أسطوانات أو أشرطة أو أجهزة، أما المعروف والمنتشر على الميديا والتليفونات الحديثة فلا نعلم مضمونه وحال عرف المسئول عنه، ويتم إبلاغ شرطة المصنفات والتى بدورها تقوم بتحرير محاضر ويحول للنيابة بتهمة الغش، كذلك هو الحال مع المطابع والمكتبات التى يوجد بها مثل هذه النسخ، وكذلك المسموع يتم حياله نفس الإجراءات.
ويؤكد «عبد الظاهر»: أن الغرامة التى تقر لمن لا يلتزم وتقدر بـ ٢٠٠ ألف جنيه بعد ذلك يتم سحب الترخيص من المطبعة، بالإضافة إلى نوع آخر وهو الذى تم تهريبه من المجمع، ومن هنا تقع الأخطاء التى ربما نجدها أحيانا فى بعض المصاحف.. لذلك فرضت هذه الغرامة بسبب جشع بعض من يقومون بالطباعة وتأتى هذه الغرامة بعد إبلاغ الجهات المعنية.. أما عدد دور الطباعة والنشر التى تتقدم للمجمع سنويا فيبلغ عددها ٤٠٠ دار نشر بمصر والدول الإسلامية، هى التى تطلب مراجعة الإدارة قبل دخول المصحف إلى الأسواق.