في منطقة جبلية في الضفة الغربية من النيل المقابلة لمدينة الأقصر بمصر، وفي أحضان الجبل تمامًا يقبع معبد الدير البحري، كأنما يحتمي بالجبل ويحمي ظهره الجبل.
ومعبد الدير البحري ليس معبدًا واحدًا في الحقيقة، بل مجموعة من المعابد والمقابر الفرعونية، وحمل هذا الاسم المتداول بعد أن أقام الأقباط المسيحيون إبان مطلع المسيحية ديرا للعبادة على معبد حتشبسوت. واستمر الدير قائماً حتى القرن الحادي عشر.
وفي القرن التاسع عشر عثر العالمان "أوجست ماريت" و"إدوارد نافيل" على بقايا الدير، وعملا على إزالة انقاض الدير لرؤية ما تحته من آثار المعبد، وقد دوّن نافيل أعماله بإسهاب في 7 كتب تحت عنوان: "معبد الدير البحري" خلال الأعوام 1894 - 1898 م.
كان أول معبد في هذه المنطقة، بل وفي الضفة الغربية من النيل، قد أمر ببنائه الملك منتوحتب الثاني من الأسرة الحادية عشر (2134-1991 ق.م) حيث أمر ببناء معبد بالقرب من مقبرته. وكان الطريق المؤدي إلى مقبرته محاطاً على جانبيه بتماثيل حجرية له ملونة، كما خصص في محيط المعبد مقابراً لزوجاته وقادة جيشه وللنبلاء المقربين منه.
ثم شيَّدت الملكة حتشبسوت معبدها الكبير بجانب معبد منتوحتب خلال الأسرة الثامنة عشر (1550-1292ق.م)، والذي يتميز بضخامته، وبجماله، وبتصميمه الفريد، فهو يختلف عن المعابد التي كانت تبنى في طيبة على الضفة الشرقية من النيل. ويتكون المعبد من ثلاثة مدرجات متصاعدة يوصل بينهم منصات منحدرة للصعود والنزول.
معبد جتشبسوت بالدير البحري ، الضفة الغربية للنيل
كما أنشأ تحتمس الثالث معبدا صغيراً خلال السنوات الأخيرة من حكمه في الدير البحري يقع بين معبد حتشبسوت ومعبد منتوحتب الثاني، وفي خلفيتهما، وفقد بني على هضبة عالية بالنسبة للمعبدين الآخرين، حيث لم يكن هناك مكان بينهما لبناء معبده وهو أصغر منهما حجماً بكثير، ولا زالت توجد بقايا قلسيلة منه.
وقد عثر في تلك المنطقة على عدة قبور منحوتة في الصخور، ومن ضمنها كانت المفاجأة الكبيرة وهي العثور على مقبرة من الأسرة الواحدة والعشرين، وتعرف بالمقبرة رقم DB320 كما تعرف أيضا بالرقم TT320 وهي المقبرة التي اكتشفها أحمد عبد الرسول في عام 1871م، وكانت مخبأ عثر فيه على 40 مومياء. لملوك من الأسرات 17 - 21 ، وكانت تسمى بخبيئة المومياوات الملكية.
ومعبد حتشبسوت، أو المعبد الجنائزي لحتشبسوت، هو أحسن ما بقي من معابد بنيت منذ نحو 3500 سنة و يتميز بتصميمه المعماري الخاص المنفرد بمقارنته بالمعابد المصرية التي كانت تبنى على الضفة الشرقية من النيل في طيبة.
بني المعبد خلال 15 سنة من حكم الملكة حتشبسوت بين سنة حكمها السابعة والسنة الثانية والعشرين من حكمها. ويعتبر "سننموت" رئيس البلاط في عهدها، هو الذي قام بتصميمه وأشرف على بنائه، وتوجد مقبرته تحت الطابق الأول للمعبد، وتمتد نحو 97 متراً في الجبل، وتنتهي بحجرة التابوت علي عمق 43 متراً. وتحمل المقبرة الرقمTT353. كما اشترك في بناء المعبد "حابوسنب" و"نحسي" رئيس الخزانة، و"زيحوتي" ناظر بيت المجوهرات. يدل على ذلك أسماؤهم المذكورة على جدران المعبد.
أصاب المعبد بعض الإتلاف أثناء نهاية حكم تحتمس الثالث الذي خلف حتشبسوت في الحكم، حيث كشطت أسماؤها من على المعبد وهشمت بعض تماثيلها.
يتكون المعبد من ثلاثة طوابق متتابعة على شرفات مفتوحة. وهو مبني المعبد من الحجر الجيري، ونصبت أمام أعمدة الطابق الثاني تماثيل من الحجر الجيري للإله أوزوريس وللملكة حتشبسوت في توزيع جميل. في الأصل كانت تلك التماثيل ملونة، ولم يبقى من الألوان الآن إلا بعض الآثار، وبعض التماثيل في حالة جيدة تماما تدل على اناقة تصميم المعبد وجماله.
وعلى جدرانه نقوش لبعثات بحرية أرسلتها الملكة حتشبسوت إلى بلاد بونت للتجارة واحضار البخور والمر من تلك البلاد. كان الفراعنة يقدمون البخور إلى آلهتهم ليحظوا برضاهم.
بعض الأجزاء التي كانت قد دمرت من المعبد خلال فترة كشط اسم حتشبسوت من على المعبد ُأثناء نهاية حكم تحتمس الثالث عثرت عليها بعثة متحف المتروبوليتان للفنون (نيويورك) في محجر قريب، وأعيدت إلى المعبد.
وقام عالمي الآثار البولنديين "زيجموند فويسوكي" و"يانوش كاركوفسكي" في عام 1961 بحفريات وأعادا بناء بعض الأجزاء وإجراء ترميمات في بعثة من المركز البولندي لآثار البحر المتوسط، التابع لجامعة وارسو، بالتعاون مع مصلحة الآثار المصرية.
تماثيل من الحجر الجيري للإله أوزوريس وللملكة حتشبسوت في توزيع جميل، في أعمدة الطابق الثاني، معبد حتشبسوت، الدير البحري.