رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


بالصور.. أمين عام «الأثريين العرب» يكشف سر تحويل وزير الأوقاف "دار الكسوة " إلى "خرابة"

23-6-2017 | 02:55


ليس بمقدور أحد وهو يدلف في شارع الخرنفش العريق، أمام مسجد القاضي عبد الباسط قاضي قضاة مصر، وزير الخزانة العامة، المشرف على صناعة كسوة الكعبة، إلا أن تهرول قدماه رغمًا عنه؛ للاستمتاع برؤية "دار الكسوة"؛ إلا أنك تصعق عندما تبصر عيناك هذا المبنى المتهالك الذي أكلته الرطوبة، وأنهكته دوائر الدهر وأودى به الإهمال المتعمد؛ في غيبة من الدولة، واستخفاف غير مسبوق من قبل وزارة الأوقاف، ليصبح سلة مهملات؛ بعد أن ظل شامخًا على مدى ما يزيد عن مائتي عام؛ حيث تأسس عام 1233 هجرية، وظل يعمل في خدمة إرسال كسوة الكعبة المشرفة من مصر، حتى عام 1962 ميلادية، عندما تولت المملكة العربية السعودية شرف صناعتها.

 

ألوان كسوة الكعبة

كانت كسوة الكعبة بيضاء اللون مع بداية الدولة الفاطمية، وكذلك اهتم المماليك بشرف كسوة الكعبة؛ وللمحافظة على هذا الشرف أوقف الناصر محمد بن قلاوون وقفًا خاصَا لكسوة الكعبة الخارجية السوداء، وكان هذا الوقف عبارة عن قريتين من قرى القليوبية؛ هما بيسوس، وأبو الغيث، وكان يبلغ 8900 درهم سنويًا، واحتفظت مصر بهذا الشرف لنفسها حتى لو وصل للقتال؛ فعندما حاول ملك اليمن "المجاهد" انتزاع هذا الشرف، فأراد نزع كسوة الكعبة المصرية، وتبديلها بأخرى يمنية عام 751 هجرية، تم القبض عليه وأرسل مصفدًا في أغلاله إلى القاهرة؛ وكانت هناك محاولات أخرى من قبل الفرس والعراق؛ إلا أن سلاطين المماليك لم يسمحوا بذلك، وحافظت مصر على هذا الشرف بعد سقوط دولة المماليك، وقيام الدولة العثمانية؛ واهتم السلطان سليم الأول بتصنيع كسوة الكعبة وزركشتها، وكسوة الحجرة النبوية، وكسوة مقام إبراهيم الخليل، وأضاف السلطان سليمان القانوني إلى وقف الكعبة سبعة قرى أخرى؛ ليصبح عدد القرى الموقوفة لكسوة الكعبة تسع قرى، وظلت كسوة الكعبة ترسل من مصر، بشكل سنويّ منتظم، يحملها أمير الحج معه، في حفل بهيج يضم مسلمين من جميع أصقاع وبقاع العالم؛ حتى تولت المملكة العربية السعودية هذا الشرف؛ فكساها الأمير سعود الكبير كسوة من القز الأحمر، ثم كساها بعد ذلك بالديباج والقيلان الأسود من غير كتابة، وجعل إزارها وكسوة بابها من الحرير الأحمر المطرز بالذهب والفضة.

 

"المبنى".. في خبر كان

 

"الهلال اليوم" التقت بعدد من الشباب وصغار السن الذين يقطنون بشارع الخرنفش؛ فلم تجدهم يعرفون عن دار الكسوة شيئًا، سوى أن هذا المبنى مهمل وليس له صاحب؛ محمد الذي لم يتجاوز عمره الخامسة عشرة عامًا، ويعمل في "مغسلة" أمام باب دارة الكسوة المغلق لا يعرف أي شيء عن هذا المبنى.

وشابان آخران عشرينيان يقيمان بحي الخرنفش، لا يعرفان عن هذا المبنى القديم سوى أنه مخازن تابعة لوزارة الأوقاف.

فيما استنكر عم محمد الستينيّ، صاحب محل بشارع الخرنفش؛ أما باب دار الكسوة المغلق منذ عشرات السنين، الوضع المزري الذي وصلت إليه؛ صابًا جام غضبه على وزارة الأوقاف التي حولت المبنى التاريخي العريق إلى سلة مهملات، مؤكدًا لـ"الهلال اليوم" أنه يعرف كل شيء عن دار الكسوة؛ وإهمال المسئولين في التعامل معها؛ فـ"يافتتها" الخشبية مهملة ومتكسرة وملقاة على سطح الدار، وأسوارها متهالكة ومتروكة من دون ترميم، لافتًا إلى أن وزارة الأوقاف تريد هدمها للاستيلاء على أراضيها، وبيعها لحيتان الأراضي الذين محوا تاريخ وآثار وجدران المحروسة.

وكشف "عم محمد" الذي سكن داخل دار الكسوة فترة، عندما تمت سرقة الباب وكانت مفتوحة مهملة لـ"الهلال اليوم" الجريمة التي ارتكبت خلف الباب الحديدي الموصد، وداخل الجدران المتهالكة من إهدار لقيمة المبنى؛ حيث أصبح لا يحتوي سوى على بقايا حدائد، وأخشاب متكسرة، ومخلفات وزارة الأوقاف.

 

انتهاك حرمة "دار الكسوة"

من جانبه كشف الدكتور محمد الكحلاوي أمين عام الأثريين العرب، النقاب عن تعنت وزارة الأوقاف في نقل تبعية دار الكسوة إلى وزارة الآثار؛ وخاصة بعد مرور المدة القانونية، متهمًا وزير الأوقاف بتحويلها إلى خرابة، منبهًا إلى غياب التنسيق بين وزارتي الأوقاف والآثار لترميم كل الآثار الإسلامية وفقًا للمنظور العلمي الدقيق، لكن ما يحدث أن الأوقاف تؤجر غرفات المساجد للأهالي، والمسجلين خطر؛ جريًا وراء الأموال، والآثار تكتفي بالفرجة؛ ما أدى إلى سرقة أعظم مجموعة من التركيبات الرخامية النادرة على مستوى العالم، كانت مشاهد من العصر الفاطمي، تعاملت معها الأوقاف على أنها مجرد "قرافات"، وحولت أحواشها إلى مزارع لتربية الطيور والمواشي.

واستنكر الكحلاوي، ما تقوم به الأوقاف من تحويل المواقع الأثرية إلى عشوائيات بسبب غياب الرؤية المتكاملة لحماية التراث القومي في مصر، والفساد والعقول المتحجرة، وعلى رأسها دار الكسوة التي انتهكت الأوقاف حرمتها وحولتها إلى خرابة، مشيرًا إلى ضرورة تحويلها إلى مزار ديني، يجلب السياح من كل بقاع العام.

وشدد الكحلاوي على أن وزير الأوقاف الدكتور محمد مختار جمعة، مسئول مسئولية كاملة عن ضياع دار كسوة الكعبة، حيث كان يقام احتفاء عالمي يشارك فيه المسلمون من كل أصقاع العالم يتبارى فيه الفنانون والحائكون، والخياطون والمذهبتية، أثناء حياكة الكسوة بساحة سيدنا الحسين – رضي الله عنه – لتعيش القاهرة أجمل أيامها الدينية والثقافية، متهمًا وزير الأوقاف بالإجرام في حق تراث مصر كله، عبر سلسلة من الإهمال التي ندفع فتورتها نتيجة تعنت هذا الوزير، وعدم انحيازه للتراث الثقافي والديني، مستنكرًا عمل كل وزير في الحكومة في جزيرة منعزلة عن الآخرين، محاولًا استغلال ما تحت يده، من أراضي ومقدرات الوطن وإخفائها عن الوزير الآخر؛ ما أدى إلى نهب الأراضي، وضياع أكبر عدد من المباني الأثرية، التي تم هدمها في جنح الظلام، وتحت ستار من فساد المحليات.

متابعًا أن من بنوا هذه المباني الخالدة يعلون أنها سوف تناطح الزمن ويدركون أنها سوف تستمر طويلًا، ومن هنا جاءت فكرة عمل "أوقاف" للإنفاق عليها، مشيرًا إلى أنها تم الاستيلاء على جميع الأوقاف الخيرية، وضمها لوزارة الأوقاف، ثم تحول إنفاق هذه الأموال من الإنفاق على الآثار إلى الإنفاق على المساكن، وإقراض الحكومة، واستثمارها لصالح الأوقاف.

وأكد الكحلاوي أن وزير الآثار الحالي الدكتور خالد عناني، لا علاقة له بالآثار، لافتًا إلى أنه رجل سياحة من طراز رفيع، تم الدفع به لجلب الأموال، وليس للحفاظ على التراث الأثري؛ فالحكومة لا تدرك قيمة التراث القومي العالمي الذي تمتلكه مصر.