رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


بالرغم من مرور 56 عاما علي عرضها الأول الليلة الكبيرة تملأ الهناجر بالبهجة

23-6-2017 | 14:42


كتبت – نيفين الزهيري

تصوير : عبدالحافظ حمدي

" قبة سيدنا الولي دول نوروها ... محلا البيارق والناس بيزوروها ... قبة سيدنا الولي فى الجو عالية ... محلا البيارق لما نوروها ... والليلة الكبيرة يا عمي والعالم كتيرة ... مالين الشوادر يابا من الريف والبنادر .. دول فلاحين ودول صعايدة دول من القنال ودول رشايدة .. الليلة الكبيرة ياعمي والعالم كتيرة" كانت هذه الكلمات التي كتبها الشاعر الكبير صلاح جاهين في الخمسينيات عندما خرج من منزل عائلته بعد خلاف لايعرف سببه أي شخص، ليسكن مع صديقه سيد مكاوي لبضعة أيام في غرفته المستأجرة بضاحية السيدة زينب في القاهرة، والتي كانت تشهد في ذلك الوقت إحياء مولد السيدة، ومع هذه الأجواء بدأ جاهين في تدوين خواطر شعرية مستوحاة من تلك البيئة، لحنها سيد مكاوي لتنتهي في صورة أغنية مدتها عشر دقائق، ولما كانا في حاجة المال قررا الخروج بخواطرهما إلى النور، فسجلاها في الإذاعة المصرية مقابل بضعة مليمات، ثم تحولت بعد ذلك إلى أوبريت مسرحي "نحو40 دقيقة"، لتكون البداية الأولي للأوبريت الأشهر في عالم العرائس المصري بتوقيع المخرج الراحل صلاح السقا.

ولكن لم يعلموا أن هذا العمل سيكون سببا في بهجة وسعادة العديد من الأجيال التي تستمع بمشاهدة هذا الأوبريت بل ويندمجون معه وكأنهم يعيشون بداخله مع أبطاله منهم الاراجوز وبياع الحمص وبتاع البخت والقهوجى والمدرس والعمدة والراقصة ومدرب السباع والاطفال والمصوراتي ومعلن السيرك والمنشد والفلاح وغيرهم من الشخصيات المتميزة التي ظلت محفورة في عقول الملايين بالرغم من مرور 56 عاما علي تقديم الأوبريت الأشهر والأهم في العالم العربي حتي الآن في مجال مسرح العرائس، فمازالت الشخصيات التي نحتها الفنان التشكيلي الكبير ناجي شاكر، وبثت فيها كلمات الشاعر الكبير صلاح جاهين الروح، لتتغني بها علي موسيقي العبقري الراحل سيد مكاوي، واللذين أخرجا تلك الفكرة العبقرية غير المألوفة، بصورة مسرحية أبدعها مخرج العرائس الكبير صلاح السقا، كأوبريت ممتع يقدم علي مسرح القاهرة للعرائس بالأزبكية عام 1961، وحقق وقتها نجاحا كبيرا حيث قدم وصفاً رائعاً وممتعاً للمولد الشعبي، حتى بات يشكل جزءا من وجدان الشعب المصري.

فعلي مدار 15 ليلة تألق نجوم الليلة الكبيرة علي المسرح الذي لا يزيد علي 3 أمتار في ساحة الهناجر بالاوبرا خلال شهر رمضان، علي الرغم من رحيل أغلب من عمل في هذا العمل الذي يعد الأكثر جماهيرية وشعبية في تاريخ مسرح العرائس، إلا أن الفنان ناجي شاكر كان مصرا علي التواجد في أغلب الليالي التي عرض فيها الأوبريت، ليتابع بشغف رد فعل جيل جديد ممن يتابعون هذا العمل، ليجد سعادة غامرة، خاصة وأن الكبار يتسابقون مع الأطفال علي التواجد في الساحة أمام المسرح، وعلي الرغم من أنها تبدأ في تمام التاسعة مساء كل يوم، أي بعد أذان المغرب بساعات قليلة ولكن من الثامنة والنصف وأحيانا قبلها بفترة، تبدأ صفوف تضم العشرات من الجمهور في الاصطفاف أمام المسرح منهم من يفترش الارض حتي يكون علي قرب من المسرح الذي يضم الشخصيات التي طالما عشقها.

شهد شاكر حالة من الاستمتاع والتفاعل التي يعيشها الكبار قبل الصغار مع الاوبريت وتفاصيله، فالكبار يستعيدون مع كلمات الأوبريت ذكريات طفولتهم، أما الصغار فيشاهدون حالة متميزة من الفن الراقي، حيث يجلسون الأطفال في حالة من التركيز لتحركات العرائس، تعلو الضحكات والتصفيق بحرارة والانفعال مع عدد من مقاطع الاوبريت والتي تحمل إيقاعات راقصة، ومع انتهاء الاوبريت الذي لاتزيد مدته علي 45 دقيقة يظهر النجوم الاصليون للاوبريت وهم محركو هذه العرائس من أعضاء فرقة مسرح القاهرة للعرائس، ليأخذوا حقهم في التحية الواجبة.

وأكد المخرج خالد جلال رئيس قطاع الانتاج الثقافى المسئول عن فعاليات الاحتفالية الرمضانية التي تقام في ساحة الهناجر فى إطار التعاون بين البيت الفنى للمسرح وصندوق التنمية الثقافية ومن بينها تقديم اوبريت الليلة الكبيرة، إن إقامة عروض فرقة مسرح العرائس فى البرنامج الرمضانى يأتى استجابة لمطالب الجمهور بعد العروض الناجحة التى قدمتها الفرقة العام الماضى، وأكد جلال أهمية دور د. ناجى شاكر كأحد رواد فن العرائس فى مصر والمنطقة العربية، مشيرا إلى دوره كمعلم أجيال، وأهمية هذا الاوبريت في صنع أجيال متتالية تعشق هذا الفن.

وقال محمد نور مدير فرقة مسرح العرائس، إن اوبريت الليلة الكبيرة من العروض الأكثر جماهيرية وشعبية فى تاريخ مسرح العرائس، وأصبح جزءا من التراث الفنى المصرى الأصيل، ويعد أحد أهم إبداعات الفنان الكبير ناجى شاكر، وهو بانوراما للمولد الشعبى تعرض بطريقة مميزة ومبتكرة، ويعتبر العمل الأهم الذى جمع الشاعر الكبير صلاح جاهين والموسيقار الكبير سيد مكاوى فكان فكرة مبتكرة وغير مألوفة، أن تحول صورة غنائية إلى استعراض للعرائس، فهو أهم عرض فى تاريخ المسرح المصرى وهذا ليس مبالغة أو تحيزاً، لكنه واقع أكدته نسب المشاهدة العالية والإقبال الجماهيرى الضخم الذى يصاحب عرض الليلة الكبيرة فى أى مكان تعرض فيه، فلم يحدث فى تاريخ المسرح المصرى أن استمر عرض مسرحى أكثر من 55عاما وما زال بنفس الإقبال الجماهيرى وحالة الاستمتاع التى نراها فى أعين المشاهدين واندماجهم الكامل فى العرض على اختلاف ثقافتهم وفئاتهم العمرية المختلفة، فهو نموذج فنى له خصوصيته الفنية يرصد لمحة تاريخية فى حياة المجتمع المصرى.

وعن مشاركة العرض هذا العام فى أماكن مختلفة خارج مسرح القاهرة للعرائس، قال نور إن العرض معتاد على التجول خارج خشبة مسرح القاهرة للعرائس طوال العام وخاصة خلال شهر رمضان، ومن جانبه شكر عمال وفنيى مسرح القاهرة للعرائس على مجهودهم الكبير فى إعداد وتجهيز العرض ليكون ملائما للعرض فى ظروف مختلفة، وتطويع العرض ليناسب الأماكن المفتوحة.

أما رائد العرائس في مصر ناجي شاكر فقال كانت الإذاعة المصرية- الوسيلة الإعلامية الأولى- تذيع أغنية الليلة الكبيرة بصورة مستمرة منذ تسجيلها، تعلق بها آلاف المستمعين، ويقول "تعلقت بالأغنية وكنت في العام الأول بالكلية، لكن قرار تحويلها إلى أوبريت عرائسي جاء بعد نحو عشر سنوات، فوقتها لم تكن مصر قد عرفت مسرح العرائس بشكله ذاك بعد، وكان الأمر مقتصراً على الفنون الشعبية التي تعتمد على الدمي مثل الأراجوز وخيال الظل".

وفي عام 1958 تأسست الفرقة الأولى لمسرح العرائس في مصر قبل نحو 6 سنوات من افتتاح مبنى المسرح في وسط القاهرة. ويقول شاكر "تواصلت معي وزارة الثقافة للانضمام إلى فرقة كانوا يأسسونها تحت إشراف مدربين رومان، تكونت من 9 أعضاء فقط، أنتجنا تحت إشرافهم عرضين، وقبل رحيلهم عام 1960 طلبوا مني إنتاج عرض خاص مستمد من البيئة للمشاركة به في مهرجان بوخارست"، وأضاف "تذكرت وقتها أغنية الليلة الكبيرة، وطلبت من صلاح جاهين الذين كان شغوفاً بذلك الفن ويشاركنا تحريك العرائس إضافة إلى مشاهد أخرى حتى تصبح أوبريتاً مسرحياً، وعلى رغم قلقه من الفكرة في البداية فإننا استكملناها وخرج الأوبريت بالصورة التي يراها عليه الناس حتى اليوم، فلقد انتجنا الأوبريت في ثلاثة شهور فقط، تطلب ذلك عملاً متواصلاً، حتى أننا لم نقم إلا ببروفة واحدة سريعة وسافرت العرائس بعدها للمشاركة في المهرجان، كان نجاحها الأول في المهرجان مفاجأة لنا، ومن ثم النجاح الثاني حين عرضت جماهيرياً لدى عودتنا، ونجاحها الثالث استمراريتها، وبفضلها أُسس مسرح العرائس".