الحقيقة أننا كمجتمع نحتاج وقفة مع النفس أمام هذه النوعيات الجديدة من الجرائم والحوادث التى تكشف ضعفاً فى البناء والمنظومة «التربوية» التى خلقت من الرعونة والاستهتار والتدهور، وغياب الضمير، وإدمان المخدرات.. وعلينا أن نتوقف أمام الجريمة التى ارتكبت فى حق البريئة «بسنت».. وحوادث السير المأساوية التى أودت بحياة شباب فى عمر الزهور، وأبرياء لا ذنب لهم.. لابد أن نفتش فى أنفسنا ما هى الأسباب.. هل المخدرات.. هل سوء التربية.. هل تقصير إعلامى وثقافى وتربوي، وتعليمى وديني.. هل الأسر أفرطت فى التدليل.. هل لم ندرك طبيعة العصر ومدى التطور الحاصل الذى يفوق التوقع.. هل لم تعد التشريعات القديمة تصلح للتعامل مع جرائم ترتكب باسم التكنولوجيا من اجتزاء وفبركة وتركيب للصور ووسائل خداع بصري.. هل نحتاج تشريعات جديدة أكثر ردعاً وتغليظاً للعقوبات؟!
لك أن تتخيل أن «توك توك» يأتى بأقصى سرعة فى اتجاه المعاكس، ليودى بحياة شاب فى مقتبل العمر، بعد إصابته بكسر فى «الجمجمة».. ويطلق سراح سائق الـ«توك توك» المتهور بغرامة ألفى جنيه، ويتضح أن الـ«توك توك» ليس به فرامل.. ما هذا الاستخفاف.. ولماذا يدفع الأبرياء ثمن الرعونة والاستهتار والتدهور وعدم استجابة التشريعات القديمة لمستجدات الجرائم الحديثة.
ماذا فعلت «بسنت» البريئة، لتفارق الحياة بعد أن تعرضت لاغتيال معنوى وابتزاز نفسي.. وماذا فعل الشباب الأبرياء ليفارقوا الحياة بسبب المستهترين والمنفلتين والمسطولين والمغيبين؟
وقفة مع النفس.. وإعادة الحسابات.. ووضع الحلول والرؤى.. والمراجعة.. ضرورات حتمية للتصدى لجرائم وسلوكيات دخيلة وغريبة
لم أستطع أن أتحمل ضيقى من بعض الحوادث المأساوية التى وقعت خلال الأيام الماضية.. وقررت أن أعاود الكتابة عن أسباب تلك الجرائم البشعة، التى راح ضحيتها أبرياء.. ويتسبب فيها الإنسان، أو المواطن نفسه.. إنه شيء مؤلم ومحزن.. وكأننا ندفع كمجتمع نتيجة التهاون والتفريط، والتنازل عن التربية الصحيحة لأبنائنا من هذا الجيل الذى يعانى البعض منه من الرعونة والاستهتار والانفلات.
جرائم وحوادث يشيب لها الولدان.. ذبح فى عرض الطريق ووضح النهار.. وقتل مع قسوة ووحشية.. وحوادث سير تسفر عن قتل شباب فى عمر الزهور، واستخدام قبيح ومتدنٍ ورديء للتكنولوجيا الحديثة والـ«سوشيال ميديا» من خلال القص واللصق، والتركيب والاجتزاء، والافتراء على الأبرياء والأطهار، وهو الأمر الذى دفعهم إلى التخلص من الحياة تحت وطأة الابتزاز والقهر والتشهير والفضيحة، رغم أنهم لم يرتكبوا ذنباً ولم يقترفوا إثماً.
استفزتنى بعض الجرائم والحوادث التى وقعت مؤخراً خلال الأيام الماضية، ولعل واقعة الفتاة الجميلة البريئة «بسنت» هى الأخطر، ولا يجب أن تمر مرور الكرام.. ولابد أن نتوقف عندها كثيراً وطويلاً، سواء بمعرفة الأسباب النفسية والاجتماعية والسلوكية التى دفعت هؤلاء الشباب للافتراء على هذه الفتاة البريئة، وأيضاً البحث عن الحلول والعقوبات الرادعة لمنع تكرار مثل هذه الجرائم والسلوكيات، خاصة أن التكنولوجيا الحديثة والسوشيال ميديا موجودة وتتطور.. وهو ما يفرض علينا ضرورة مواكبة هذا التطور وعمليات استخدامه بشكل سيئ وسلبى من خلال إصدار تشريعات رادعة تمكن القضاء من إنزال العقوبات المناسبة والرادعة بمن يرتكب مثل هذه الجرائم، وأيضاً غيرها من الجرائم التى تستخدم بواسطة التكنولوجيا.
أتذكر منذ أشهر تمكن جهاز الأمن الوطنى من ضبط «خلية المعادي».. التى كانت تقوم على الفبركة والاجتزاء، وتركيب الصور والفيديوهات، واختلاق الوقائع والأكاذيب، وذلك لاستخدامها إعلامياً من خلال المنابر الإخوانية، أو المنابر الإعلامية المساندة والداعمة والممولة لهم لنشر الأكاذيب والشائعات والتشويه والتشكيك وتزييف الوعى لدى المصريين.
إذن الجماعة الإرهابية التى تتاجر بالدين قدمت نموذجاً فاسداً لضعاف النفوس، وعلمتهم حيلاً وألاعيب وأساليب للاحتيال والابتزاز، والكذب والافتراء بالباطل.. وهو ما تلقفه بعض المجرمين على شاكلة الإخوان ووظفوه، ليس فى الإساءة والافتراء على الدولة المصرية كما يفعل التنظيم الإرهابي، ولكن استخدموه فى ابتزاز الناس والاغتيال المعنوى لهم.. والتشهير بالكذب عن سمعتهم، وهو الأمر الذى دفعهم إلى التخلص من حياتهم تحت وطأة وقسوة الكذب والافتراء.. وهو ما حدث مع البريئة الطاهرة بسنت.
أصعب شيء فى الحياة هو الاغتيال المعنوى والابتزاز النفسي.. وإفقاد الناس الثقة فى أنفسهم، وفيمَن حولهم، وإحباطهم، وخفض الروح المعنوية لديهم.. وهذه جرائم وقذارة يمارسها تنظيم الإخوان الإرهابى فى الافتراء والاجتزاء والفبركة، والكذب على الدولة المصرية، وإطلاق العنان للشائعات وحملات التشكيك والتشويه والبيانات والمعلومات المغلوطة، بهدف ضرب الثقة لدى المصريين وإحباطهم.
لم يتوقف الإخوان المجرمون عند جرائم الكذب والافتراء والفبركة والاجتزاء، وقول الزور.. لكنهم على مدار أكثر من 90 عاماً كانوا ومازالوا نموذجاً للتجارة بالدين، والقتل والعنف والإرهاب والتطرف، والتشدد والخيانة والكذب والعمالة.. وللأسف الشديد أكثر من 9 عقود من الإجرام خلفت وراءها بعض الفئات التى تعلمت من سلوكيات الإخوان الشاذة والمنحرفة.. هذه الأجيال شاهدت فيديوهات القتل والسحل والتنكيل والحرق والتفجير الإخوانية.. وتربت على جرائمهم وبربريتهم ووحشيتهم.. وقدموا مادة مرفوضة وملفوظة خوفاً على مستقبل الأطفال.. كان المجتمع يرفض ويتمسك بعدم رؤيتها لهم حتى فى الأفلام والمسلسلات.
ما ذنب الفتاة البريئة بسنت حتى تتعرض لعملية اغتيال معنوى وابتزاز نفسى وقهر لم تستطع الصمود أمامه، أو مقاومته، بعد أن وضعوا صورتها على جسد فتاة عارية باستخدام التكنولوجيا الحديثة، وشهروا بها على مواقع السوشيال «ميديا».. وهل فى القانون ما يعيد حق «بسنت».. أم أننا نحتاج تشريعات جديدة تقطع رقاب كل من يحاول المساس بسمعة وسيرة الناس وخصوصياتهم.
أيضاً لابد أن نسأل أنفسنا: ما نوع التربية التى تلقاها هؤلاء الشباب لابتزاز «بسنت» والتشهير كذباً بها؟.. وما الذى دفعهم لهذا السلوك المشين.. ولماذا لم يتوقف هؤلاء عند أى وازع أخلاقى أو دينى أو إنساني؟.. وأين دور المؤسسات الدينية والتربوية والتعليمية.. وهل نحن فى حاجة إلى إعادة النظر فى مضامين ما نقدمه.. فى ظل الحروب متعددة الأشكال والألوان، ومختلفة الوسائل والألاعيب على مجتمعنا.. ولماذا لا نطلق العنان للدراسات والتحليلات واستخلاص النتائج ووضع الرؤية للحل والعلاج.. وأين دور المركز القومى للعلوم الجنائية والاجتماعية.. وأين دور الجامعات من خلال مراكزها البحثية فى كليات الآداب من خلال أقسام الاجتماع وعلم النفس.. وأين وأين وأين.. وهل تحولت هذه الجهات إلى مجرد مكاتب وموظفين والانشغال بالمزايا والحوافز والبدلات؟
السؤال المهم أيضاً: ما السبب فى تفشى الاستهتار والتسيب لدى بعض الشباب، والاستهانة بأرواح الأبرياء.. ما الذى يدفع البعض منهم إلى الرعونة وعدم الالتزام بإجراءات السلامة والأمان فى القيادة، والالتزام بالتعليمات والضوابط والمعايير.. ما هذه السرعة المنفلتة؟.. ما السبب، هل ميل الأسرة إلى الدلع والتدليل وكثرة المال فى يد الأبناء.. وهذا يؤدى إلى كوارث إذا لم يتعود ويتربى الطفل على تحمل المسئولية وإدراك قيمة المال، وفى أى مكان يُنْفَق.. ما علاقة «المخدرات» بكثرة حوادث السير المأساوية.. التى يضيع بسببها أبرياء وشباب فى عمر الزهور.. أليست كثرة المال فى يد عديمى المسئولية «مفسدة».. كيف نفرط ونغدق المال على أبناء صغار ولا نراقبهم.. ولا نسألهم ولا نتابعهم.. لقد كثرت حوادث وسلبيات أبناء بعض الأثرياء.. وجلبت الأموال لهم كوارث مفزعة.
أعرف بعض الأثرياء.. يحرصون على التربية الصحيحة لأبنائهم.. البعض منهم يصر على عمل أبنائه فى مصانعه وشركاته تحت إشراف العمال والفنيين والمهندسين ومعاملتهم.. مثل عمال المصنع ليعرفوا قيمة المسئولية والمال والتعب والمجهود، وكيف يأتى النجاح.
السؤال المهم: ما علاقة اتجاه بعض الشباب الأثرياء إلى المخدرات، ومن أين يحصلون عليها.. ولماذا أصبحت المخدرات موجودة ومتاحة.. وكيف نقضى على هذه الظاهرة.. فوراء كل جريمة مفزعة فتش عن المخدرات.
هذه القصة حقيقية.. حيث كان أحد الشباب فى طريقه إلى الساحل الشمالى، وتحديداً «مارينا».. ويقود سيارته بسرعة غير عادية.. فاستوقفه رجال المرور، وتسجيل المخالفة وتحصيلها؟.. وإذا به يقدم على سلوك غير طبيعي.. يقول لرجال المرور: هذه غرامة العودة أيضاً.. وهو ما يعكس أنه استهان بقيمة المخالفة التى قررها القانون، وقرر أن يدفع أيضاً قيمة مخالفة العودة، وأنه يصر على القيادة بنفس السرعة، وأن قيمة الغرامة لا تفرق معه.. لذلك لابد أن نتوقف عند هذه الواقعة من خلال ضرورة تغليظ العقوبة، وألا تقتصر على الغرامة فقط.. فمن الممكن أن يكون الحبس لحين نشر ثقافة الالتزام، أو المنع تماماً عن منح الرخصة من الأصل بسبب اعتياد المخالفات أو تعاطى المخدرات، أو السُكر خلال القيادة، لأنه إنسان غير جدير بتحمل المسئولية.
هناك جرائم ارتبطت بتكنولوجيا العصر مثل التنمر والابتزاز والتشهير عبر وسائل السوشيال ميديا.. هنا نريد التأكيد على أن المشرع يجب أن يتوقف أمام هذه الجرائم المستحدثة.. ويعيد حساباته.. ويصدر تشريعات مغلظة العقوبات للحد من مثل هذه الجرائم.
ليس المشرع فقط المسئول عن إعادة الانضباط للمجتمع والشارع.. فلابد أن تتوقف الأسر، خاصة ميسورة الحال عن الإفراط فى كثرة التدليل لأبنائها.. ولابد من التربية على تحمل المسئولية تجاه نفسه والآخرين، وعدم الإفراط فى منحهم المال إلا بما يكفى احتياجاتهم.. لأن كثرة المال فى أيدى الصغار «مفسدة».. بالإضافة إلى تنشئة أجيال جديدة أكثر خشونة وصلابة ووعياً بخطورة السلوكيات مثل الرعونة والتدهور والاستهتار والسرعة الفائقة أو تعاطى المخدرات.
أعتقد أن ما حدث مؤخراً هو أبلغ رسالة على المتشدقين بالتكنولوجيا والإعلام الحديث والـ«سوشيال ميديا» ورغم أننى أرحب بها، ولا أرفضها، لكنها لم ولن تكون بديلاً عن الإعلام الوطنى المحافظ اليقظ المستنير على كل قيم وأخلاقيات وثوابت وفضائل مجتمعنا.. فعلى سبيل المثال تجد فى الـ«سوشيال ميديا» الكثير من تعزيز ثقافة النذالة والخسة والتشهير، وانتهاك الأعراض والإساءة للناس وسمعتهم، والنهش فى سير البعض.
من أحداث الإسماعيلية إلى الشيخ زايد، إلى «بسنت كفر الزيات».. إلى الطريق الدائري.. أعتقد أننا نحتاج وقفة مهمة للغاية وإعادة حساباتنا من جديد، ولابد أن نواجه أنفسنا بخطر سوء التربية وتقاعس مؤسسات التربية والإعلام والمؤسسات الدينية والتعليمية والثقافية.. ولابد أن ننتبه أن الحروب بالمخدرات تستهدف شبابنا وأبناءنا.. ولابد أن نعيد للمجتمع اعتباره وتوازنه، ونتمسك بالقيم المصرية والأخلاق التى تربينا عليها.. ونضرب بيد من حديد على المنفلتين والمستهترين.. ونتصدى بقوة للثقافات الشاذة والمنحرفة القادمة من الخارج.. لابد أيضاً أن نعيد النظر فى تشريعاتنا لتتواكب مع مستجدات العصر من جرائم استحدثتها التكنولوجيا الحديثة والتطور الهائل الذى يشهده هذا العصر.
الحرب فى هذا العصر لا تعتمد على السلاح التقليدى، بل هناك أسلحة أكثر فتكاً تدمر المجتمعات وتخرب العقول.. وتستقطب الشباب.. أسلحة الأعداء تتمثل فى الأفكار والثقافات المستوردة الفاسدة والشاذة.. الأمر الثانى «المخدرات» التى تجعل متعاطيها يرتكب كل أنواع الجرائم.. ويصاب بالوحشية والبلادة والتسيب والاستهتار والرعونة، وموت الضمير، وعدم تحمل المسئولية، وعدم التركيز.. الأمر الثالث فى استخدام منابر التكنولوجيا الحديثة والسوشيال ميديا والإعلام.. فى ترويج الشائعات والأكاذيب والتضليل والتشكيك والتشويه بمحاولة الوقيعة وإحداث الشقاق والانقسام وبث الفتنة وهز الثقة.
أما نحن فى الداخل، فعلينا واجب مهم للغاية.. أن نعيد النظر فى طريقة تربية أبنائنا والعودة إلى الجدية فى التربية والابتعاد عن الإفراط فى التدليل وإغداقهم بالمال.. وتتبع أحوال الأبناء، وعدم إهمالهم، وإجراء الاختبارات غير المباشرة على قياس قدرتهم على تحمل المسئولية وعدم الإقدام على السلوكيات الممنوعة والمنحرفة أيضاً.. لابد أن يقوم الإعلام بحملات توعية ضد خطر المخدرات والتنويه عن أهمية الالتزام بقواعد وإرشادات المرور، والسرعات المقررة، وخطورة تجاوزها.. وإصدار بعض الرسائل القصيرة حول ارتباط خطورة الرعونة والسرعة الزائدة على حياة الناس، ودعمها ببعض الفيديوهات، بل وخطورة ذلك على حياة قائد المركبة أو السيارة نفسه، وعلى أسرته فى كافة وسائل الإعلام.
أيضاً لابد أن نحصر الظواهر المجتمعية الغريبة التى أدت إلى وقوع مثل هذه الجرائم المأساوية والوحشية، ونضع لها رؤية للعلاج من خلال توزيع الأدوار على المؤسسات التربوية والإعلامية والتعليمية والدينية والثقافية.
تحيا مصر