رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


الابتزاز الإلكتروني يقتل بسنت

7-1-2022 | 13:27


أحمد تركى,

الابتزاز الإلكتروني هو الوصول إلى البيانات والمعلومات الخاصة بالضحية عبر بعض وسائل التواصل الاجتماعي وتطبيقات الهواتف الذكية، ثم تسجيل أو فبركة محتوى صوتي أو مرئي لاستخدامه فيما بعد بهدف تهديد الضحية والحصول على مكاسب مادية أو استغلال جنسي، وقد تصل تلك الجريمة إلى درجة الاتجار بالبشر وهو ما حدث بالفعل في بعض القضايا!

 وعادة ما يصاب الضحايا في مثل هذه المواقف بالارتباك والاكتئاب والخوف، فيستمر في تلك العلاقة مستسلماً راضخاً.

وتمر عملية الابتزاز الإلكتروني بمراحل وفق خبراء هذا المجال تبدأ باستهداف الضحية، ثم تطوير العلاقة معها بمداخل كلها خداع، ثم تسجيل أو فبركة محتوى مسيء لها، ثم مرحلة تهديد الضحية وابتزازها مادياً أو جنسيا، ثم استسلام الضحية بدافع الخوف على سمعتها أمام المجتمع!

وفى الأيام الماضية سمعنا جميعاً مأساة التلميذة بسنت بنت السبعة عشر ربيعا، والتي انتحرت نتيجة فبركة صور لها وتعرضها لضغوط لم تتحملها!

تركت بسنت رسالة بخط يدها وهى تستجدى أمها وعائلتها عدم تصديق ما يُروج عنها فى موقف كله قسوة ووحشية!

وواضح أن هذه الطفلة المسكينة لم تجد في المجتمع حولها أدنى درجات الحماية، ولم تجد من يرحمها أو يصد عنها هذا الظلم الكبير! فواجهت مشكلتها بالانتحار!

تحركت العدالة وتم القبض على بعض الشباب المبتز لبسنت رحمها الله.

وأصدرت دار الإفتاء المصرية فتوى تاريخية مضمونها: لا يجوز شرعًا استخدام تقنية (DeepFake: التزييف العميق) لتَلْفِيق مقاطع مَرْئية أو مسموعة للأشخاص باستخدام الذكاء الاصطناعى لإظهارهم يفعلون أو يقولون شيئًا لم يفعلوه ولم يقولوه في الحقيقة؛ لأنَّ في ذلك كَذِبًا وغِشًّا وإخبارًا بخلاف الواقع، وفي الحديث: «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» (رواه مسلم)، وهو نَصٌّ قاطعٌ صريحٌ في تحريم الغِشِّ بكل صوره وأشكاله.

والإسلامُ إذ حثَّ على الابتكار والاختراع؛ فقد جَعَله ليس مقصودًا لذاته، بل هو وسيلة لتحقيق غَرَضٍ ما؛ لذا أحاط الإسلامُ الابتكاراتِ العلمية بسياجٍ أخلاقيٍ يقوم على أساس التقويم والإصلاح وعدم إلحاق الضرر بالنفس أو الإضرار بالغير، فمتى كان الشيء الـمُخْتَرع وسيلة لأمرٍ مشروعٍ أخذ حكم المشروعية، ومتى كان وسيلة لأمر منهيٍّ عنه أخذ حكمه أيضًا.

واختلاق هذه المقاطع بهذه التقنية فيه قَصْد الإضرار بالغير، وهو أمر منهي عنه في حديث النبي صلى الله وعليه وآله وسلم: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ»، إضافة لما فيها من الترويع والتهديد لحياة الناس، والشريعة الإسلامية جعلت حفظ الحياة من مقاصدها العظيمة وضرورياتها المهمة؛ حتى بالغت في النهي عن ترويع الغير ولو بما صورته المُزاح والترفيه.

وهو أيضًا جريمة قانونية يُعاقَب عليها وَفْق القانون رقم (175) لسنة 2018م، الخاص بـ«مكافحة جرائم تقنية المعلومات»؛ فقد جَرَّم المُشَرِّع المصري في هذا القانون نشر المعلومات المُضَلِّلة والمُنَحرفة، وأَوْدَع فيه مواد تتعلق بالشق الجنائي للمحتوى المعلوماتي غير المشروع".. (انتهى كلام دار الإفتاء).  

ولكن تبقى قصة بسنت شاهدةً على وجود ثغرة كبيرة فى مجتمعنا تحتاج إلى جهد كبير من مؤسسات الوعى لسدها، فالمجتمع المصرى لابد أن يكون به مصدات ذاتية لحماية الأعراض وحماية المرأة التى تتعرض لتلك الجرائم البشعة !

1- لابد من تركيز الخطاب الدعوى فى مصر وخاصة خطب الجمعة على التحذير من تلك الجرائم بمداخل اجتماعية مقبولة، وخاصة أن القرآن قد توعد من يتعرض لأعراض الناس بالباطل باللعن والعذاب المهين فى الآخرة: قال تعالى "إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ" (23)..  سورة النور .

وقال تعالى: ( لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا إفك مبين).. ( 12 ) سورة النور

وقال النبى صلى الله عليه وسلم "فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا فى شهركم هذا فى بلدكم هذا".

وإذا كان المجتمع غالباً فى مثل هذه المواقف يعتبر المرأة والفتاة متهمة وموصومة حتى تثبت براءتها!

فالواجب على الخطاب الدعوى توجيه الناس نحو تغيير هذه الثقافة الظالمة، وحث المجتمع على حماية ونصرة المرأة المبتلاة والمكلومة فى مثل هذه المواقف، وأن من يتعرض لظلم فى عرضه لابد من حمايته شرعاً، وحرمة من ينضم إلى جلاديه فى ظلمه!

2- نشر رسائل الوعى الخاصة بصور وأساليب الابتزاز الإلكترونى، وأن التقنيات الآن باتت تفبرك أي شيء لأى شخص بدقة عالية يصعب كشفها! كالتطبيق الذى أشارت إليه دار الإفتاء Deep Fake

وبالتالى لا يتم تصديق أي محتوى لأى شخص وفق ما تقدم وتطبيقاً للآية الكريمة "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ" (6) الحجرات. 

وماذا يفعل الشخص إذا تعرض لابتزاز إلكترونى ؟

ومن الضروري وجود حملات إعلانية ضخمة فى هذا الشأن حفاظاً على السلم المجتمعى واستقرار الأسر المصرية ومحاصرة هذا النوع من الجرائم.

 

3- نشر رسائل الوعى بخصوص الاستخدام الرشيد لوسائل التواصل الاجتماعى، وأن الهواتف الذكية على قدر منافعها، على قدر خطورتها إن لم يتم تطبيق  عوامل حماية المعلومات والخصوصية الشخصية!

 

إن حملات الوعى فى هذه المساحة لم تعد رفاهية ! أو من الثانويات فى ترتيب أولوياتتنا !

بل باتت من الأولويات على جدول أعمالنا جميعاً.

رحم الله ابنتنا بسنت وحمانا جميعاً من فسوق أهل الشر

والله المستعان.