يواصل مجلس الشيوخ هذه الأيام، مناقشة مواد مشروع قانون العمل، المُنتظر بديلًا لقانون العمل الموحد 12 لسنة 2003 والتعديلات اللاحقة عليه، ونطاق تطبيقه تنظيم علاقات العمل في القطاع الخاص، 270 مادة يشملها مشروع القانون الجديد، الجلسة العامة لمجلس الشيوخ الأسبوع الماضي، شهدت سجالًا ساخنًا حول المادة 12 المتعلقة بقيمة العلاوة السنوية الدورية، اقترح الشيوخ زيادة حدها الأدنى إلى 7% من أجر الاشتراك التأميني، وأصرت الحكومة على الاحتفاظ بنص المادة كما هي بمشروع القانون، 3% على الأقل من أجر الاشتراك التأميني، وهي حاليًا 7% على الأقل من أجر أساسي أقر القانون الحالي حده الأدنى العام المنقضي مبلغ 1920ج، أي 135ج تقريبًا.
استحضر معي مهاراتك الحسابية البسيطة، الحد الأدنى لأجر الاشتراك التأميني هذا العام 1400ج، بينما الحد الأقصى له هذا العام أيضًا 9400ج، أي أن سجال مجلس الشيوخ مع الحكومة، اشتعل حول ضرورة رفع الحد الأدنى للعلاوة الدورية سنويًا، لتكون 7% أي 98ج كحد أدنى إلى 658ج بحد أقصى، بدلًا من 3% أي 42ج كحد أدنى إلى 282ج بحد أقصى.. قلتها أحسن؟.. آه والله، عندك حق، فلا هذه ولا تلك، سواء كانت على هوى نواب الشيوخ أو ممثلي الحكومة، وسواء كان أجر اشتراك العامل التأميني أدنى أو أقصى، النتائج في كل الأحوال لا تستحق أي سجال ساخن من أي نوع، محصلة بعضها.
فلا هي في حدها الأدنى توفي احتياج موظفي أجور الحدود الدنيا، ولا في حدها الأقصى تقدم شيئًا لموظفي أجور الحدود القصوى، إذا اعتبرنا أن الأصل أن كلًا يعيش بما يواكب دخله، ولا تنس وأنت تقرأ أن الأمر يمس حياة ثلاثين مليون عاملًا يعملون في القطاع الخاص، هم في الواقع يمثلون مركز ثقل الطبقة الوسطى في مجتمعنا، وهي بدورها رمانة ميزان المجتمع بالكامل، صحيح أن الأزمة لها أبعاد تاريخية، تتلخص في بوصلة علاقة الحكومة بأصحاب الأعمال، وتطرح الحاجة الماسة لتعديل القانون كل آن وآخر، لكن الأمر بات يستحق النظر في حلول جذرية، بعيدًا عن مسكنات لا تقدم ولا تؤخر إلا قليلًا.
المدخل إلى هذه الحلول الجذرية، يعود بالأساس إلى طرفي علاقة العمل، صاحب العمل والموظف، أصبح من الضرورة بمكان إعادة بناء علاقة العمل بينهما على أرضية الثقة، وإنهاء حالة التربص التاريخية فيما بينهما على طريقة توم وجيري، وصاحب العمل هنا لابد وأن يكون المبادر، حقوق العاملين الأساسية قولًا واحدًا مهدرة في القطاع الخاص، وصاحب العمل هو الطرف الأقوى في كل الأحوال، حتى ساعة وصول الخلاف للمحاكم، ومهما أقر قانون العمل من حقوق للموظف، يظل هو الأضعف في مواجهة كيان مؤسسي، صاحب العمل عليه أن يتحمل الحد الأدنى من تكلفة مسئولياته تجاه الموظف مهما كانت، فلو أنه لا يربح ما كان ليستمر.
الموظف هو الآخر عليه أن يقوم بدوره نحو تصويب علاقته بصاحب العمل، مطلوب منه الاهتمام بالإنتاجية كما ينشغل دائمًا بتخفيض عدد ساعات العمل والراحات الأسبوعية والعطلات الرسمية والإجازات بأنواعها، حتى أنه يتابع باهتمام وشغف لا حدود لهما، ما تفعله بعض الدول في الخارج بشأن تخفيض ساعات العمل، وآخرها حكومة الإمارات العربية المتحدة، اعتبارًا من أول يناير الجاري جعلت الجهات التابعة لها تعمل أسبوعيًا أربعة أيام ونصف، الموظف يسعى دائمًا لما يريحه وفقط دونما أي اهتمام بما يعطي، القضية برمتها شائكة، هي في حقيقة الأمر تتعلق بثقافة العمل بشكل عام وليس فقط قانون العمل، ومدراء الموارد البشرية لاعب رئيسي في الموضوع.