أمل دنقل وولاعة يوسف إدريس.. و علبة سجايري!
في مشواري الصحفي الطويل عبر الـ 42 عامًا الماضية، قصص وحكايات كثيرة مثيرة.. قديمة منسية لم تسمح أعباء والتزامات العمل الصحفي شبه اليومي بالتوقف عندها واستدعائها وكشفها للناس.
وأبدًا لن أنسى هذا الموقف الغريب الذي جرى عام 1979 على مقهى ريش بمنطقة وسط البلد أشهر المقاهي التي يرتادها كبار الشعراء والأدباء والمثقفين والسياسيين في ذلك الحين وما زال، وكان أشهر وأبرز مرتاديه وزبائنه د. يوسف إدريس، ونجيب محفوظ، وأمل دنقل، وعادل إمام، ونور الشريف، وعلي الشريف، وشلة كبيرة من مشاهير البلد، كان كل واحد نازل وسط البلد يعدي على المقهى حتى يرى مشاهير شلة مقهى ريش.. كنا نجلس على ترابيزة خارج المقهى.. صديقي وابن حتتي الكاتب الصحفي الشهير محمود صلاح والعبد لله نرتشف قهوتنا.. فجأة هل الشاعر الكبير أمل دنقل، سلم على محمود وبالمرة سلم عليا بعد أن قدمني إليه محمود.. واقفًا سحب شاعرنا الكبير سيجارة من علبة سجايري.. بعد أقل من 15 دقيقة سحب الثانية.. في سري قلت محدش هيصدقني من حبايبي وأصحابى في مساكن زينهم لما أقول لهم أن أمل دنقل شاعر مصر العظيم دخن سيجارتين من علبتي.. الواقعة دي كانت لما كنت وقتها محرر صغير بيتدرب في مجلة الشباب وعلوم المستقبل لما كان رئيس تحريرها الأستاذ صلاح جلال.. وقفة شاعرنا العرمرم أمام ترابيزتنا طالت.. ولما طالت طالت يده الكريمة السيجارة الثالثة.. ربك والحق حسيت بقلق شديد فقد كنت ما أزال باخد مصروف يومي من أبويا الحاج عبد العظيم رغم أنه طلع معاش من عشر سنين.. كان عم عامر بيبيع لنا علبة الكيلوباترا السوبر بـ 30 قرشًا رغم أن سعرها الأصلي 26 قرشًا ونصف، ولذلك كنت باشتري الروثمان العريض أم شريط دهبي بحيث تخلص مني في يومين.. السجاير بتخرج والعلبة أم 41 قرشًا بتتفرتك قدام عينى ومش قادر أعمل أي حاجة عيب طبعا أشيلها من الترابيزة، عيب أقول لشاعرنا الفحل حنينك يا شاعرنا على علبتي.. عمنا وعم كل الشعراء كان يسحب السيجارة ويدينا ضهره وهو بيلمع حذائه الأسود.. يبص للناس والناس تبص له وتبتسم.. شاعر مشهور بقى.. وكما جاء أمل دنقل فجأة رأيناه يتركنا فجأة عندما هلت سيدة جميلة يبدو أنه كان يتوقع أن تهل.. المرة دي ما سحبش السيجارة الرابعة.. ده سحب العلبة كلها وراح يسلم على تلك الجميلة.. تنبهت وقلت: يا نهار أسود يا محمود.. ده صاحبك أخد العلبة كلها اللي لسه مشتريها زومشي!!.. رد محمود بسرعة عشان يسكتني: أسكت يا سولم.. ما تتكلمش.. أنا ها أجيبلك غيرها!
من كام يوم كنت أقرأ كتاب حديث أصدرته دار ريشة عنوانه "أنا يوسف إدريس" مؤلفه شاب مثقف اسمه بشري عبد المؤمن.. وفي الفصل الرابع: ضد من؟ حكى المؤلف في صفحة 201 تحت عنوان (إدريس و دنقل.. لماذا يموت الشعراء) قصة غريبة ومثيرة لم أجدها أبدأ في أي كتاب أو مقال قرأته عن قصة علاقة قوية وصداقة متينة جمعت يوسف إدريس مع أمل دنقل.. القصة نقلها إلينا مؤلف أنا يوسف إدريس من كتاب د. فهمي عبد السلام أقرب مثقف مصري من أمل دنقل "مذكرات الغرفة 8"، بالمعهد القومي للأورام.
قال د.فهمي عبد السلام بالنص: كنت وأمل دنقل جالسين في يوم ما في ريش.. تحديدًا في الممر.. وجاء يويف إدريس وجلس معنا.. وأخرج يوسف إدريس ولاعته الديبون الذهبية الفاخرة.. فأشعل بها سيجارته وسيجارة أمل وأغلق إدريس الولاعة الفاخرة فصدر عنها رنينًا جميلًا.. فسأله دنقل ولاعتك الديبون جميلة يا د.يوسف، تفضل يا أمل.. هكذا رد د. يوسف وهو يمد يده بالولاعة.. ورد دنقل ضاحكًا سوف أخذها فلا تلح لأنني سأخذها.. فرد إدريس: تفضل يا أمل.. واحتفظ أمل دنقل بالولاعة الذهبية الفاخرة!