قبل أيام قليلة لو تم توجيه سؤال إلى العديد من المواطنين فى أى دولة من دول العالم أين تقع مدينة ألماتى؟، وفى الأغلب لن يجيب الكثيرون الإجابة الصحيحة لأن ألماتى عاصمة لدولة كازاخستان المسلمة والمسالمة، هى بلد غنى وهادئ لا تظهر أخباره بكثافة فى نشرات الأخبار التى تبرز فقط الأخبار المأساوية.
تغير الحال وأصبحت أخبار كازاخستان وعاصمتها يتصدران كافة النشرات الإخبارية فى المحطات الفضائية الدولية والمحلية، استيقظ العالم على أحداث عنف شرسة اندلعت فى أنحاء متفرقة من هذا البلد الهادئ، ومشاهد مروعة لقطع السلاح توزع علنًا فى شواع المدن الكازاخية، وفوضى ممنهجة تنتقل بسرعة من ركن إلى آخر، وحرائق مشتعلة تلتهم منشآت تمتلكها الدولة هناك، وأنفقت عليها المليارات ومقتل العشرات من قوات حفظ القانون.
كأن هناك من كان ينتظر ساعة الصفر على مستوى حملات الدعاية المنظمة، فهذه المشاهد المروعة والتخريب المتعمد والقتل فى وضح النهار تحولت عند ماكينات الدعاية المنتظرة انطلاق وحش الفوضى إلى قوالب دعائية جاهزة بأن هذا الشعب المسالم خرج يبحث عن الحرية ويريد الديمقراطية، والحقيقة أن باسم هذه الحرية والديمقراطية المزعومتان ترتكب الكثير من الجرائم فى حق الشعوب وتتخفى وراءهما اللعبة الأخطر لعبة المصالح التى تكون على حساب الشعوب.
تذكرك الرائحة الخبيثة التى تتصاعد من وراء هذه الحملات الدعائية السوداء بأحداث مماثلة فى العديد من دول الشرق الأوسط ، يصدق بعض المخدوعين هذه الدعاية فينجرفون وراءها ويزين لهم أهل الشر من بنى جلدتهم أفعالهم وتكون النهاية الخراب والقتل والدماء وتحقيق مصالح القوى التى تلاعبت بالمخدوعين وأدارت عملاءها من أهل الشر.
يبدو فى الحالة الكازاخية أن الطاهى الذى كان يجهز وجبة الدمار لهذا الشعب المسالم من أجل تحقيق مصالحه فقد مهارته بسبب أزماته الداخلية المستعصية على الحل أو أصابه داء الهرولة نتيجة لخوفه من صعود خصومه، أو من الجائز أن نجاحاته السابقة ولدت عنده غرور تحقيق المكاسب دون إتقان فعله الشرير فانكشف سريعًا.
انكشف الطاهى الأمريكى بجلاء للجميع بل وصل هذا الانكشاف إلى درجة الفضيحة وهو يعلن فى سذاجة أنه غير مسئول عن مايحدث فى كازاخستان بعد فشل الثورة الكاذبة فى هذا البلد المسالم ..وهل اتهم إحدى الولايات المتحدة بأنها من تقف وراء هذه الأحداث الدامية؟ إنه نفى على طريقة كاد المريب يقول خذونى.
بين اندلاع هذه الأحداث الدموية فى البلد المسالم وفضيحة "المريب " تكمن العديد من التفاصيل التى صنعت هذا المشهد الدامى وحركت المريب تجاه هذه المنطقة الهادئة من العالم أو كانت. تعتبر كازاخستان بلدًا غير عادى فى موقعه وموارده وإمكانياته، تقع كازاخستان فى مثلث الرعب الدولى فهى جغرافيًا تقع بين روسيا والصين أما على مستوى المصلحة الاستراتيجية فهى هدف أمريكى رقم واحد.
تثير موارد هذا البلد لعاب أى قوى استعمارية فهى التاسعة على مستوى العالم من حيث المساحة لتصل مساحتها إلى 2.7 مليون كيلومتر مربع ويحتل هذه المساحة الشاسعة 18 مليونا فقط من السكان وأراضيها غنية بالنفط والغاز والمنتج الأول لليورانيوم فى العالم غير مناطق هائلة قابلة للزراعة مع توفر المياه رغم كل هذه الموارد فلم يكن الاستهداف فقط بسببها ولكن موقعها وعلاقتها بخصوم الولايات المتحدة روسيا والصين يجعل انهيار الدولة بها ودخولها فى حالة الفوضى ووصول موالين على رأس السلطة لواشنطن يجعل الولايات المتحدة الجار الثالث لخصميها اللدودين روسيا والصين.
فى أواخر ديسمبر الماضى مع استشعار كازاخستان بالخطر الأمريكى بسبب الصراع المشتعل بين جارتها موسكو وواشنطن المتحفزة بسبب أوكرانيا، وقعت كازاخستان اتفاقية مع روسيا جعلت واشنطن تدرك أنه حان الوقت لاستخدام ألعاب الحرية والديمقراطية المزعومة لأن بهذه الاتفاقية تفلت منها الجائزة الثمينة، فبنود الاتفاقية تشير إلى منع انضمام كازاخستان إلى حلف الناتو الغربى أو إقامة قواعد عسكرية أمريكية على أراضيها وهو الطلب الذى تلح عليه واشنطن منذ انهيار الاتحاد السوفيتى ولكن كازاخستان اكتفت بإعطاء الولايات المتحدة استثمارات ضخمة تقدر بـ 30 مليار دولار فى مجالى النفط والغاز لتتقى شرها، وأخيرا تعاون كامل بين جهازى الاستخبارات الروسى والكازاخى.
انطلقت ماكينات الدعاية السوداء تطلق سمومها حول ماتتخذه الدولة من قرارات فى كازاخستان وصدق بعض المخدوعين دعاوى الفوضى ولكن فى بلد لايعانى مشاكل ضخمة وبهذه الموارد والمساحة لايكفى فقط تحرك المخدوعين لإحداث هذا المشهد الدموى فى بلد مسالم فكان يجب الاستعانة بخبراء وعملاء الشر والبنادق العارضة نفسها للإيجار لمن يدفع ولا تتوفر هذه الشروط إلا فى الفاشية الإخوانية ومن تديرهم من العصابات الإرهابية المسلحة وهم فى خدمة السيد الأمريكى بأى وقت.
بدأت الفاشية الإخوانية تحشد العناصر الإرهابية من كل مكان من الشرق الأوسط إلى أفغانستان بإشراف السيد الأمريكى بنفس قواعد المأساة السورية من أجل مناصرة الثورة الكاذبة المزعومة، أما كيف وصلوا بهذه الأعداد إلى قلب كازاخستان المسالمة ؟ فهنا يأتى دور الخيانة فهل هى مصادفة أن يبدأ الهجوم الإرهابى على الدولة فى كازاخستان من المناطق التى تتواجد بها الشركات الأمريكية التى تدير حقول النفط والغاز؟ عندما تبحث عن إجابة تجد أن لعبة المصالح لا تعرف المصادفات.
لا تتوقف الخيانة فقط على أجنبى فتح الأبواب للإرهابيين ولكن تمتد الخيانة بأدواتها المعروفة ويديرها جيدا سادة الغرب، فستجد نفس النماذج مجموعات من المرتزقة ينتمون لبلادهم اسمًا فقط ويقيمون فى هذه العواصم الغربية ويتحدثون باسم الحرية والديمقراطية المزعومة ويستخدمون وسائط السوشيال ميديا ليزيدون من خداع المخدوعين ويوجهون الإرهابيين إلى النقاط المؤثرة فى بلادهم لخبرتهم بها، هؤلاء المرتزقة نسخ متكررة ستجدهم وراء كل خراب يقع فى بلد آمن مستقر.
حتى تكتمل فصول الخيانة فقد وصلت قوة الدولار لشراء أحد المسئولين فى كازاخستان لتسهيل مهمة الخراب وللأسف كانت وظيفته حفظ الأمن وعندما فشلت المؤامرة تم القبض عليه.
نعود مرة أخرى لسؤال المصادفات هل كانت مصادفة أنه بعد ساعات من القبض عليه تسربت إلى نفس وسائط السوشيال التى كان من خلالها المرتزقة يشعلون الفوضى صور لهذا المسئول الكازاخستانى الخائن تجمعه بالرئيس الأمريكى جون بايدن وليس فقط الرئيس بل بابن الرئيس هانتر بايدن؟ لم يكتف المسرب بالصور بل سرب إيميلات بين الخائن وهانتر بايدن تكشف حجم المصالح والصداقة بين الاثنين، وبالتأكيد لايرعى ابن الرئيس مصالح العائلة الرئاسية فقط بل يرعى مصالح العائلة الأمريكية الكبرى من شركات رأسمالية لها مصالح فى كازاخستان وتخدم سياسات واشنطن.
كما هى الإجابة فى لعبة المصالح لا توجد مصادفات لكن هذا التسريب يطرح سؤالا من نوع آخر هل كان المسرب رجل يطمح الآن فى العودة للبيت الأبيض واتهم بايدن وابنه بالفساد سابقًا أم المسرب أحد الخصوم المعتادين من روس وصينيين ؟ فإذا كان الخصوم المعتادون فهذا الطبيعى أما لوكان الرجل الطامح فى العودة فهنا نكتشف حجم الانهيار فى الداخل الأمريكى وجدية التحذيرات التى يطلقها السياسيون والعسكريون الأمريكيون من أن الانتحابات الأمريكية القادمة هى شرارة حرب أهلية أمريكية جديدة ستندلع بين التيارين المتناحرين الآن بعنف داخل الولايات المتحدة.
بالتأكيد لم تدبر الولايات المتحدة كل هذا لصناعة الفوضى من أجل الفوضى كما الفن من أجل الفن، لكن كانت هناك مصالح استراتيجية هامة وملحة تحرك واشنطن بعيدًا عن الدعاية السخيفة حول الحرية والديمقراطية المزعومة فوصول نظام حكم موالى للعم سام إلى العاصمة "ألماتى" وفى الأغلب ستظهر فيه الرؤوس الشيطانية للفاشية الإخوانية يحقق لها أغراضا كبرى.
يعنى هذا الوصول خنق التجارة الصينية إلى روسيا ومنها إلى أوروبا عبر مشروع طريق الحرير الذى تمثل فيه كازاخستان نقطة ارتكاز رئيسية مما يكبد الصين خسائر فادحة أو ينهار الجزء الأكبر من المشروع.
تتشارك كازاخستان مع الصين فى حدود مشتركة تطل على إقليم شينجايج المتواجد به الأيجور المسلمين والذى تسعى الولايات المتحدة بكل الطرق لإشعال الفتنة فى الأقليم وفصله عن الصين من خلال الحملات الدعائية الممنهجة والتى يتولاها الفاشيست الإخوان وإصدار القوانين التى تمنع شراء أى منتجات صنعت على أرضه من أجل وقف الصعود الصينى الذى لا يتوقف لأن هذا الإقليم يمثل البوابة البرية الرئيسية لمشروع الحزام والطريق.
بالنسبة لخصوم الولايات المتحدة من الروس فتواجدها بكازاخستان يمثل لهم كارثة كبرى بكل المقاييس وفى ظل حدود مشتركة تتجاوز الـ 7 آلاف كيلومتر وستجد روسيا نفسها بين طالبان فى أفغانستان وماحدث فى كازاخستان هذا غير أوكرانيا وما تتعرض له حليفتها بيلا روسيا من أفعال مماثلة مما يعنى حصار شامل فرض على الروس والأخطر أن المشروع الفضائى الروسى بالكامل متواجد على أرض كازاخستان منذ الاتحاد السوفيتى وهى من تديره مما يعنى فقد روسيا لنفوذها فى الفضاء والأرض.
كأن الروس توقعوا هذه اللحظة فتجمعهم بكازاخستان وعدد من جمهوريات الاتحاد السوفيتى السابق معاهدة الأمن الجماعى مماسمح لكازاخستان بطلب المساعدة العسكرية من روسيا لمواجهة العنف المسلح على أراضيها ولم تمض ساعات حتى وصلت القوات الروسية الخاصة إلى كازاخستان لأن سقوط " ألماتى " يعنى بداية النهاية لروسيا.
سواء الأمريكان أو الروس أصبح على أرض كازاخستان تواجدًا أجنبيًا هذا غير التنين الصينى الذى يراقب بدقة كل مايحدث منتظرًا هو الآخر فرصة لتأمين مصالحه لو فشل الروس.
عندما تتابع كل ما حدث من خراب وتدمير وتواجد أجنبى فى هذا البلد المسالم تجد بدايته فى شرارة الفوضى التى عمت الدولة فى كازاخستان باسم الحرية والديمقراطية المزعومة وهى فى حقيقتها تخفى وراءها لعبة المصالح.