رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


عندما خرج الأقباط عن أسوار الكنيسة

28-6-2017 | 13:26


بقم –  جمال أسعد

هناك أيام يعيشها الأفراد وتشاهدها الأوطان لا تمر مرور الكرام، ولكن لابد أن يتوقف التاريخ كثيرًا أمام أحداثها ويتأمل مليًا فى نتائجها.. ويوم الأحد الموافق ٣٠ يونيو ٢٠١٣.. كان بالفعل يومًا مشهودًا فى تاريخ مصر والمصريين، ذلك لما تم فيه وما نتج عنه.. فالانتفاضات والثورات لا تأتى جزافًا ولا تقوم بالمصادفة، ولكنها تتم حسب معطيات ومؤشرات تتم وتتراكم عبر الواقع المعيشى، حيث إن هذا التراكم لابد فى لحظة محسومة أن يتحول من تراكم كمى إلى تغير كيفى يتم فيه ومن خلاله التغيير..

ويوم ٣٠ يونيو ٢٠١٣ قد بدأت إرهاصاته وقد ظهرت علاماته يوم ٢٥ يناير ٢٠١١.. حيث كانت الحياة السياسية تموج بالفعل السياسى المطالب بكثير من الإصلاحات فى مواجهة ما يتم من تفشى الفساد والمحسوبية والرشوة، وسيطرت القلة المتحلقة حول السلطة المباركية، حيث قد امتزجت السلطة بالثروة فتم الاستيلاء على مقدرات الوطن وسادت الاتفاقات والموافقات بين سلطة مبارك وبين جماعة الإخوان، مما أعطى الفرصة لهذه الجماعات المحظورة قولًا والمحظوظة فعلًا وعملًا.. للسيطرة على مفاصل المجتمع والحياة السياسية، فتمت السيطرة على النقابات المهنية كافة، وتم اختراق كثير من المؤسسات الهامة فى الدولة وبلا استثناء لمؤسسة.. وتحولت الخريطة الاجتماعية، التى كانت قد رسمت لدى جماعة الإخوان وتأكدت نتيجة لعملية ما يسمى بالمساعدات العينية لأغلب فئات وطبقات المجتمع، كل حسب احتياجاته، وذلك بعد التمكن الاقتصادى نتيجة للمشروعات الاقتصادية العملاقة، التى سيطرت على كثير من القطاعات الاقتصادية.. هنا قد تحولت هذه الخريطة الاجتماعية، التى تعتمد على المعرفة الشخصية والعلاقات الإنسانية إلى خريطة انتخابية جماهيرية يستغلها الإخوان حينما يريدون وفى كل الانتخابات، الشىء، الذى جعلهم رقمًا سياسيًا صعبًا، خاصة أن الحياة الحزبية كانت ولا زالت حياة حزبية ديكورية شكلية.. الشيء الذى سهل للجماعة التسلق على أكتاف هذه الأحزاب، وتلك الحركات، خاصة أن ما كان يسمى الحزب الوطنى الحاكم هو جسد بلا رأس ولا عقل ولا تواجد فعلى فى الشارع.. هنا كان ٢٥ يناير ٢٠١١ شكلًا كان هبة جماهيرية بلا شك تطالب بمطالب إصلاحية ليس إلا.. ولم تكن هناك أى توجهات أو تحركات أو خطط ثورية بالفعل تعنى ثورة لإسقاط النظام.. ولكن لا شك فإن الزخم الجماهيرى، الذى تفجر بشكل تلقائى، والأهم هو تلك المساندة وفى اللحظات الأولى للانتفاضة يوم ٢٨ يناير ٢٠١١ التى تمثلت فى نزول القوات المسلحة، التى انحازت ومنذ اللحظة الأولى إلى الشعب كعادتها دائمًا، حيث إن القوات المسلحة المصرية هى قوات الشعب المصرى ودائمًا ولاؤها للشعب حتى وإن كان الولاء الظاهر هو الولاء للحاكم.. وهى وطنية لأنها لا تعتمد على تشكيل عصبى أو قبلى أو جهوى أو فئوى.. ولكنها هى خليط وانصهار للشعب المصرى بكل طوائفه.. وهى من انحاز لعرابى حتى إن الخديو توفيق كاد يوقع قرارًا بتسريح الجيش بعد ثورة عرابى باعتباره يمثل خطرًا على السلطة.. هى من انحاز للضباط الأحرار فى ٢٣ يوليو ١٩٥٢ وللشعب يوم ٢٥ يناير ٢٠١١ وللشعب أيضًا يوم ٣٠ يونيو ٢٠١٣.. هنا نزول القوات المسلحة وتضامنها مع الشعب فى الميادين حول بالفعل المطالبات الإصلاحية إلى مطالب واضحة وعالية الصوت وبإصرار على إسقاط نظام مبارك، وقد كان فى ١٢/٢/٢٠١٣.. ولأن انتفاضة يناير لم يقم بها تنظيم ثورى يمتلك المنهج والخطة الثورية لإسقاط النظام واستلام الحكم.. فيناير قد اعتمد على ما يسمى بالظرف الموضوعى فى علم الثورة، وهو تفشى الفساد وسقوط الشرعية الجماهيرية للنظام ونضج الإحساس والمطالب الفعلية بالتغيير.. ولكن كان غائبًا بالفعل ما يسمى بالظرف الذاتى وهو التنظيم الثورى المستعد والمنظم والمالك لخططه البديلة.. هنا كانت النتيجة هى استيلاء جماعة الإخوان ومن معها من السلفيين وباقى الجماعات والتنظيمات الإسلامية على مفاصل العملية السياسية من خلال الحشد الدينى وتأجيج العاطفة الدينية، التى تعتمد على استغلال الدين لصالح السياسى.. فكانت غزوة الصناديق فى ١٨ مارس ٢٠١٣ للبيان الدستورى، الذى كان يعبر عن التيار الإسلامى ومطالبه أكثر ما يعبر عن الشعب وعن المطالب الإصلاحية والثورية.. ونتيجة لما ذكر وغيره كثير تم استيلاء جماعة الإخوان على السلطة مجلس شعب ومجلس شورى ووزارة ورئاسة الجمهورية.. ولأن ما حدث كان حلمًا لدى الإخوان وقد أصبح حقيقة فلم يتحملوا المفاجأة.. فكان الغرور القاتل والاستحواذ السفيه والأخونة المرفوضة، وتصور الإخوان أن مصر هى ولاية إخوانية يتم التمهيد بها ولها للالتحام بالخلافة الإسلامية القادمة.. فتم التديين الشكلى للمجال العام السياسى، وكان التحرك فى كل الاتجاهات لإسقاط الهوية المصرية الجامعة للمصريين.. تلك الهوية التى تمثل قمة القوى الناعمة الباقية لمصر ولشعبها والتى تميز مصر عبر التاريخ عن غيرها من دول وحضارات.. وكعادة جيش مصر فهنا أدرك الجيش الخطر الحال والقادم على مصر كلها جراء تلك الممارسات الإخوانية.. فظهر السيسى قائد الجيش كمنقذ للوطن من هذا المأزق التاريخى.. فظهر السيسى كواسطة بين نظام الإخوان وبين الشعب.. ولكن الغرور القاتل جعل الجماعة تتمترس وراء رؤيتها وتدافع عن مصالحها الخاصة على حساب مصر والمصريين.. وكان البيان الدستورى فى ٢١/١١/٢٠١٣ هو القشة التى قصمت ظهر البعير.. فظهر انحياز الجيش فكانت مطالب الشعب للجيش بالوقوف معًا.. فكانت التوكيلات للسيسى فى الشهر العقارى فى ٢٨ يناير ٢٠١٤ وتتابعت الأحداث وتواصلت الحوادث وراء الزخم الشعبى الرافض للإخوان ولحكمهم.. وكانت هبة الشعب المصرى غير المسبوقة فى تاريخ مصر ولا فى التاريخ العالمى، حيث خرج الشعب فى كل اتجاه وفى كل ميدان.. خرج كل الشعب بكل طوائفه وفئاته وأديانه وثقافاته وتوجهاته فكانت ٣٠ يونيو لحظة توافق واتفاق، بل اتحاد حقيقى وانصهار إنسانى وتشابك سياسى لم يحدث قبل ذلك.. تخطى عدد المتظاهرين الثلاثين مليون مواطن.. وهنا لابد أن نسجل لفتة سيتوقف عندها التاريخ بالفعل وهى مشاركة المصريين المسيحيين فى ٣٠ يونيو كما لم يشاركوا قبل ذلك، فالحديث أن المسيحيين قد شاركوا فى ١٩١٩ مع سعد زغلول فهناك خلط فى قراءة الواقعة التاريخية كعادة القراءة فى التاريخ.. فمشاركة المصريين المسيحيين فى ١٩١٩ لم تكن مشاركة جماهيرية شعبية بالحد، الذى نكرره تاريخيًا كمقولة لا تقبل النقاش.. فقد كانت المشاركة نخبوية على مستوى النخبة الاقتصادية والاجتماعية حتى ليست السياسية.. حيث إن النخبة الطبقية من البكوات والباشوات الأقباط لم يشاركوا ولم يطلب منهم أحد المشاركة، حيث إنها لم تكن نخبة سياسية، حيث كان المناخ الطائفى مسيطرًا خاصة بعد المؤتمر القبطى ١٩١١ فى أسيوط الذى رد عليه المؤتمر الإسلامى فى الإسكندرية.. ولكن وجدنا هذه النخبة القبطية قد ذهبت إلى سعد زغلول فى نادى السيارات وطلبوا المشاركة.. نعم شاركت هذه النخبة وتم نفيهم وسجنهم، وكانت هى بداية للمشاركة السياسية للنخبة القبطية بعد قتل بطرس غالى ١٩١٠.. ولكن ٣٠ يونيو خرج المصريون ومنهم الأقباط بكل طبقاتهم وتوجهاتهم السياسية وانتماءاتهم الطبقية خرجوا بلا خوف ولا فزع.. خرجوا خروجًا سياسيًا بالفعل، حتى ولو كانت خلفيته طائفية، نظرًا لما تم ضد الأقباط من جماعة الإخوان فى عام حكمهم.. ولكنهم خرجوا من أسوار الكنيسة إلى الشارع بمطالب سياسية.. وسقط نظام الإخوان.. وفى ٣٠ يونيو سقط المخطط الذى كان يهدف إلى إسقاط الهوية المصرية وربطها بذيل جماعات لا تعرف للأوطان حبًا، بل تعرف الأوطان سبيلًا للوصول إلى تحقيق غاياتهم الذاتية.. يونيو أسقطت المخطط الذى كان يريد الإسراع فى تقسيم منطقة الشرق الأوسط على أسس طائفية، وإن كان هذا المخطط لا يزال يصر على التنفيذ.. ولكن يونيو بلا شك أجلت بل أجهضت هذا المخطط.. يونيو وضعت حدًا للفوضى غير الخلاقة التى أرادها الأمريكان وأتباعهم للمنطقة لصالح أمريكا وإسرائيل.. يونيو أعادت اللحمة الوطنية بعد محاولة تفككها بعد ٢٥ يناير.. يونيو تعيد بإصرار الدور المصرى الرائد والقائد فى المنطقة وإفريقيا.. نعم يونيو قد ورثت تركة خربة مخربة وورثت مشاكل اقتصادية حادة.. ومجتمعا سقطت منه كثير من القيم المصرية الأصيلة.. ورثت تركة مثقلة من الفساد الذى أصبح دولة فساد وليس فساد دولة، ورثت مصاعب وتحديات خطيرة على رأسها ذلك الإرهاب الأسود، الذى يحاصر الوطن على كل الحدود.. ولكن مصر وشعبها العظيم دائمًا وأبدًا وعلى مر التاريخ هو الشعب الصابر والمناضل والقادر على تخطى الصعاب ومواجهة التحديات.. تحية لمصر وشعبها بمناسبة الذكرى الرابعة ليونيو.. وتحية إلى قيادة يونيو وإلى جيش مصر الوطنى.. هنا لابد أن نحافظ على يونيو التوحد والتوافق والاتفاق.. لابد من إعادة اللحمة الوطنية.. ذلك بالمشاركة السياسية وبتفعيل الحياة الحزبية وبإعطاء الفرصة للمعارضة الوطنية.. والأهم هو تحقيق العدالة الاجتماعية وتطبيق القانون على الجميع بلا استثناء.. مصر هى وطن كل المصريين الشرفاء المنتمين إليها المحبين لترابها المخلصين لتاريخها.

حما الله مصر وشعبها العظيم.