لا قدر الله.. سيناء بدون رفح والشيخ زويد والعريش.. صورة لا أتخيلها
بقلم – لواء د. نصر سالم
عندما سئلت.. ما الصورة التى أتوقف عندها كلما تذكرت ثورة الملايين من يونيو ٢٠١٣.
شخص بصرى بعيداً إلى خط الحدود الدولية عبر سيناء وتوقف طويلاً على الخط رفح طابا بطول ٢٢٠كم، وطفق يمسح سيناء بأكملها من الشرق إلى الغرب، ومن الشمال إلى الجنوب، جبلا جبلاً، وواديا وادياً، ودربا درباً، وسهلاً سهلاً، وروضا روضا، وبرصا برصا، وغردا غردا، حتى أشجار السيال والرتم والعشب، جفافها وجدبها، وأمطارها «الرخ والتضاريسية « وسيولها التى تقتلع فى طريقها أعتى المنشآت والسدود فى طريقها إلى البحار والخلجان، ثم تتحول سيناء بما يتبقى من ماء على أرضها إلى جنة خضراء كأنها لم تعرف الجدب ولا الجفاف من قبل.
سيناء هذه التى ضاعت منا مرتين عام ١٩٥٦ وعام ١٩٦٧ دونما قتال حقيقى على أرضها يشفى غليلنا، واستعدناها عام ١٩٧٣ بدماء شهداء لم يبخلوا عليها بأرواحهم ورجال أعادوا إليها شرف النصر.
تذكرت جبل «يَلَقْ» أعلى جبال وسط سيناء، الذى بقيت فوقه قرابة الشهر من يوم السادس من أكتوبر عام ١٩٧٣ حتى وقف إطلاق النار يوم ٢٦ أكتوبر وبعده بأيام، أراقب قوات العدو وهو يتحرك على محورين طوليين من أهم المحاور التى تتحرك عليها القوات من العمق الإسرائيلى فى اتجاه جبهة القتال.. وأتذكر مشاهد طائراتنا وهى تدمر قوات العدو المتحركة على هذه المحاور، وأيضاً الأخرى المتمركزة فى عمق سيناء، بناء على المعلومات التى أقوم أنا ومجموعتى التى تعمل خلف العدو ــــ بالإبلاغ عنها ـــ وهذا المطار الذى قامت طائراتنا بإخراجه من الخدمة وتدمير ما فيه من طائرات أكثر من مرة كلما أبلغت المعلومات عنه.
أتذكر عندما بقيت ١٨٠ يوما أجوب سيناء طولا وعرضا لاستطلاع الأرض والعدو، رغم أن المهمة التى كنت مكلفا بها كانت لمدة ستة أيام فقط، وبقيت أنا ومجموعتى بمحض إرادتنا ننفذ مهام إضافية عديدة، نأكل كما تأكل الفئران أو أقل ونتعرض للعطش بدون ماء تماماً لمدة ثلاثة أيام وبدون طعام نهائياً لمدة أسبوع، وفى مرات متكررة عديدة واجهنا الموت فيها فى كل يوم أكثر من مرة.
كان هناك العديد من زملائى فى مجموعات أخرى مثلى فى أماكن أخرى من سيناء يمرون بنفس الظروف ولو كان المجال يتسع لذكرت العشرات من المغامرات والمواقف الصعبة بين الحياة والموت التى مررنا بها ولم نجزع ولم نفقد روح الفداء والتضحية.
تذكرت البطل المصرى أنور السادات عندما جاءه وزير خارجية أمريكا وقتها «هنرى كسنجر» يبلغه رسالة التهديد من الرئيس الأمريكى «نيكسون» بأنه سوف يتدخل بالجيش الأمريكى مباشرة إلى جانب الجيش الإسرائيلي، إذا حاول الجيش المصرى تدمير القوات الإسرائيلية التى عبرت القناة إلى الغرب، وكيف كان رد السادات أنه لن يترك شبراً واحداً من أرضه حتى لو ضحى بالجيش المصرى كله ولآخر جندى فيه، فيخبره كسنجر أن إسرائيل على استعداد لإعادة كامل أرض سيناء لمصر من خلال مفاوضات سلام وبدون حرب، وعندما يسأل السادات ومن الذى يضمن قيام إسرائيل بذلك.. يرد عليه كسنجر قائلا: «جيشك هو الذى يضمن ذلك»، وبدأت المفاوضات وعادت الأرض كاملة غير منقوصة.
تذكرت يوم قرأت مذكرات القائد الإسرائيلى «إريل شارون» عن حرب ١٩٥٦ التى خسر فيها ٣٨ قتيلاً وهو يحاول اختراق ممر متلا بقوته المقدرة بلواء مشاة ميكانيكى مدعم بكتيبة دبابات ومعهم كتيبة مظلات فى مواجهة سرية مشاة مصرية على المدخل الشرقى للمضيق.. ولم يحققوا أى نجاح إلا بعد صدور الأوامر لجميع القوات المصرية فى سيناء بالانسحاب للدفاع عن قناة السويس التى بدأ الإنجليز والفرنسيون فى الهجوم عليها.
لقد غلى الدم فى عروقى وأنا أقرأ كلمات شارون التى يقول فيها إنه بعد انسحاب القوات المصرية فى أكتوبر ١٩٥٦، كان يجمع ضباطه ويجوب جبال سيناء يرسم لها الخرائط والكروكيات.
كانت غضبتى «نحن أحق بذلك».. ولم أترك جبلاً ولا وادياً ولا شبراً من سيناء إلا وداست فوقه قدماى أنا وكل ضباطى وجنودى على مر خدمتى فى القوات المسلحة، وطبقاً للمستوى الوظيفى/ القيادى الذى كنت فيه، حتى حفظت الجنود قبل الضباط عن ظهر قلب ويباهون أقرانهم بأنهم يعرفون سيناء أكثر مما يعرفون بيوتهم.
كل هذه الذكريات تقفز أمام عينى دفعة واحدة كلما تذكرت أنه كان هناك من سيسلم جزءاً من هذه الأرض إلى جماعة حماس الفلسطينية عوضاً لهم عن الأرض الفلسطينية التى اغتصبتها إسرائيل واستقطعتها من الضفة الغربية- كى تحل القضية الفلسطينية على حساب أرض سيناء المصرية.
لقد كانت فكرة شيطانية ابتدعتها إسرائيل حين خرجت بخطة أعدها مستشارها للأمن القومى الجنرال «جيورا أيلاند» تقضى بأن يتم تبادل جزء من صحراء النقب الإسرائيلية مساحة ٢٥٠كم بمساحة ٧٢٠كم من أرض سيناء المجاورة لقطاع غزة تشمل «رفح المصرية والشيخ زويد والعوجة».
ومساحة الـ «٧٢٠ كم٢» هذه تساوى نفس المساحة التى اقتطعتها إسرائيل من الضفة الغربية وأقامت عليها مستعمرات، وترفض إعادتها للفلسطينيين الذين يصرون على استعادتها، أما لماذا تستبدل إسرائيل ٢٥٠ كم٢ من أراضيها بـ ٧٢٠ كم٢ من أرض سيناء فهو استمرار للفكر الإسرائيلى المغالط فهم يرون، أن سيناء تساوى ثلاثة أمثال مساحة إسرائيل - هكذا يحسبونها - وقد تم عرض هذه الفكرة على الرئيس الأسبق حسنى مبارك عام ٢٠٠٤ بواسطة الرئيس الأمريكى «بوش» وقتها فرفض مبارك هذه الفكرة من أساسها، وأعاد رئيس الوزراء الإسرائيلى «نتنياهو» عرضها فى نهاية عام ٢٠٠٨ فأكد مبارك رفضها رفضاً تاماً فقامت إسرائيل بعملية «الرصاص المصبوب» التى هاجمت فيها قطاع غرة بوحشية غير مسبوقة لإجبار الفلسطينيين على النزوح إلى سيناء، وتصرفت مصر بكل الحكمة وأعادت كل النازحين مرة أخرى بعد تقديم كل العون لهم.
كان الرفض المستمر سببا كافيا للأمريكيين للتفكير فى التخلص من «مبارك» ومعاونة جماعة الإخوان المسلمين للوصول للحكم، خاصة بعد أن تعهد لهم مكتب الإرشاد عام ٢٠١٠ أنه على استعداد لتنفيذ كل الحلول التى تطلبها أمريكا- وبعد وصول الرئيس الإخوانى محمد مرسى للحكم عام ٢٠١٢ أعلن للأمريكيين والإسرائيليين أنه على استعداد أن يعطى لجماعة حماس مساحة «١٥٠٠كم٢» من أرض سيناء لإقامة دولتهم عليها بدلا من الـ «٧٢٠كم٢ « التى كانت تطلبها إسرائيل، وبدأت جماعة الإخوان فى الخطوات التنفيذية لتمكين الحمساويين من الفلسطينيين من أرض سيناء، حتى إنها زودتهم فى قطاع غزة بماكينة استخراج الرقم القومى المصري، وراح العديد منهم يحملون هذه البطاقات، ويدخلون بها إلى سيناء ومصر، ويتصرفون على أنهم مصريون يشترون الأرض كما يشاءون.
لقد بدأت إجراءات كثيرة يتم اتخاذها فى صمت وبعيدا عن الأعين لزرع هذه الأرض الـ «١٥٠٠كم٢ « بالفلسطينيين لخلق أمر واقع يعلن بعدها ضم هذه الأرض لدولة غزة الكبرى.
هكذا كانت هذه القطعة الغالية من أرض سيناء تسرق وتدلس.. وكلما قفز هذا التصور إلى خاطري.. استحضرت ذلك الفلاح المصرى الذى يدافع بحياته عن أى نبتة زرعها أو شجرة غرسها ورواها بالماء.. فكيف بمن رووا هذه الأرض بالدماء .. صورة لا تفارق خيالى تنفست بعدها الصعداء وأنا أرى جموع الشعب المصرى تهب عن بكرة أبيها لاقتلاع هذه الجماعة التى خانت العهد وباعت الأرض، الحمد الله الذى حفظ علينا أرضنا ودماءنا.