رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


نساء مصر والتغيرات السياسية

28-6-2017 | 18:01


بقلم – أمينة شفيق

بدأ اهتمامى بالحركة النسائية وقضايا المرأة منذ عام ١٩٧٥، عام المرأة الذى دشن عقد المرأة الذي خططت له وأدارته منظمة الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة. خلال هذا العقد عقدت الأمم المتحدة عدة مؤتمرات عالمية في كوبنهاجن ونيروبي وفي بكين لمناقشة هذه القضية الهامة التي يكمن حلها بالتنمية الشاملة كما يكمن نجاح التنمية بتمكين المرأة وإدماجها في العملية السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

وبجانب المؤتمرات العالمية الثلاثة تم عقد آلاف اللقاءات الوطنية والقومية التي اهتمت بالأوضاع المحلية للمرأة. وصدر قرار من المؤتمر الأخير للمرأة في بكين عام ١٩٩٥ يلزم الحكومات بإنشاء آلية حكومية في كل مجتمع تعنى بدراسة قضايا المرأة والتخطيط لحلها ثم متابعة العمل على حلها. لذلك، وفي عام ٢٠٠٠ أصدر الرئيس الأسبق حسني مبارك قرارا خاصا بإنشاء المجلس القومي للمرأة كآلية مصرية، وكنت واحدة من ثلاثين عضوا وعضوة شكلوا قيادته المركزية. واستمرت عضويتي في المجلس حتى ثورة الخامس والعشرين من يناير عام ٢٠١١.

وخلال الفترة من عام بداية عقد المرأة إلى يوم استقالتي من المجلس عام ٢٠١١ استمرت حركتي ونشاطي وكذلك كتاباتي تتجه نحو توعية نساء مصر بقيمة الصوت الانتخابي الذي تمتلكه كل امرأة وكيف أن صوتها الانتخابي هذا كفيل بتغيير سياسات كثيرة نحتاج تغييرها في المجتمع. وفي حقيقة الأمر كان للمجلس القومي للمرأة خلال هذه الفترة بدءا من نشأته حتى قامت ثورة ٢٥ يناير الفضل في تنظيم مئات الندوات والمؤتمرات السياسية والثقافية الجماهيرية في العواصم المدنية وفي المحافظات لتوعية المرأة بأهمية صوتها الانتخابي ومشاركتها السياسية سواء كانت ناخبة أو مرشحة لكافة المواقع النيابية بدءا من منظمات المجتمع المدني إلى النقابات إلى المجلس النيابي والمحليات. بمعنى آخر، إدماج المرأة في الحياة السياسية.

كانت خطواتنا ونشاطنا كبيرين بينما كانت المحصلة قليلة. فكنا لا نلقى استجابة كبيرة أو رد فعل واسع. لذلك وصلت العديد من الناشطات في قضايا المرأة إلى القناعة إلى أن مصر تحتاج لإدماج المرأة في العملية السياسية، لتدخل الدولة ومشرعها.

وكان البعض منا على قناعة بأن مشاركة المرأة في الحياة السياسية تحتاج لظروف اجتماعية عامة مختلفة عن تلك الظروف التي كانت متواجدة حينذاك. فخوض المرأة للعملية الانتخابية سواء كانت مرشحة أو كناخبة تحتاج إلى مناخ ديمقراطي عام، كما تحتاج إلى تجريم الدولة لعمليات البلطجة التي يلجأ إليها البعض من المرشحين من الرجال، ثم ثالثا تحتاج إلى إيقاف عمليات الإنفاق الكثيرة التي تصرف لشراء الأصوات. فدخول المرأة إلى عالم السياسة يحتاج إلى مناخ سياسي يمارس فيه العدل والشفافية واحترام الإنسان كونه مواطنا حرا يدخل باب السياسة من بوابة الخدمة العامة التي تقدم الجديد والحديث للوطن وللمواطن.

لذلك كانت المفاجأة يوم الخامس والعشرين من يناير عام ٢٠١١ عندما شاهدنا مئات بل آلاف الشابات اللاتي نزلن إلى ميدان التحرير كمشاركات في المظاهرات ثم الاعتصام الذي نظم في ميدان التحرير. لقد حققن في هذه اللحظة الظروف التي تشكل أساس حركة المرأة، الحرية والعدل والشفافية وانعدام البلطجة.

وبغض النظر عن نتائج الثمانية عشر يوما لثورية ميدان التحرير إلا أن النتائج التي تحققت، أو الأصح حققتها المرأة هو خلخلة النظام الأبوي البطريركي الذى كان يكبل حركتها. لقد وقفت في ميدان التحرير كمواطنة تسعى للمشاركة في صياغة مستقبل وطنها. وكان ذلك تقدما في حد ذاته. لقد وقفت الناشطات المتقدمات في السن والتجربةأمام نزول الشابات وهن منبهرات ومؤمنات أن مصر “ولادة” بحق وحقيقي. وأن ما استمرت تقوله منذ عام ١٩٧٥ حققته الشابات في أيام قليلات. فالقضية لا تتوقف عتد التوعية وإنما تتعداها إلى الحركة والعمل النضالي.

ثم كانت المفاجأة الثانية غير المتوقعة والتي قدمتها المرأة في الثلاثين من يونيو عام ٢٠١٣. يومها لم تنزل الشابات فحسب وإنما وجدنا أنفسنا في ميدان التحرير والشوارع المحيطة به أمام نساء مصر، ربات الأسر والأمهات والشابات والشعبيات وساكنات الأحياء الكبيرة الغنية وجدنا أنفسنا أمام السافرات العاديات والمنتقبات. لم نسأل يومها من المسلم ومن المسيحي. وجدنا المزيج والنسيج الكاملين للأسر المصرية العادية التي لم نرها في العمل العام قبل ولا في محاضرات التوعية التي كانت تنظم. تابعنا نزول الريفيات من القرى المصرية ونساء المراكز إلى الميادين في المحافظات.نزلت المرأة تدافع عن حقها في مجتمع وطني مدني ديمقراطي حديث. كنا نرى النساء وقد صاحبن عائلاتهن ومعهن أكياس الطعام ليتناولنها في الميدان أو في الشوارع المحيطة به. لم ينزل الرجال بمفردهم وإنما نزلوا مع شريكاتهن من الزوجات والأخوات والأمهات والبنات. أسر بأكملها لم نرها قبل في أي من المؤتمرات التي نظمها المجلس القومي للمرأة أو أي منظمة مجتمع مدني. كانت ظاهرة جديدة مبهجة والأهم أنها تجربة أثبتت أن في إمكان النساء المشاركة في كل الأنشطة السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي يحتاجها الوطن. لا تحتاج إلى محاضرة أو معلم وإنما تحتاج إلى الظرف الملائم، وهو الظرف الديمقراطي الذي يخلو من البلطجة ومن الظلم ومن الارهاب. تريد وطنها حرا كما تريد حياتها حرة.

أتذكر أنه قبل يوم الثلاثين من يونيو توجهت إلى ميدان التحرير باحثة عن شاب أو شابة يسمحان لي بالتوقيع على ورقة “تمرد”. فوجدت شابتين تجلسان في منتصف الميدان وتمسكان حزمة من الأوراق. كانت إحدى الشابات منتقبة وأما الثانية فكانت ترتدي الملابس العادية ولا تغطي رأسها “بنطلون جينز وتيشيرت”. وعندما طلبت منهما التوقيع قدمتا لي ورقة فارغة لأصورها ثم أوقع على صورتها. ثم قالت إحداهما “وماتنسيش تكتبي بيانات الرقم القومي”. وبعد أن وقعت على ورقة البيان سرت في ميدان التحرير لأجد عشرات المجموعات من الشباب والشابات يساعدون طالبي التوقيع كما حدث معي مع الفتاتين. وجدت شابات لم أرهن في المؤتمرات التي كنا ننظمها في المجلس القومي للمرأة ولكني رأيتهن يوم أحسسن بحريتهن ومواطنتهن فنزلن لا يخفن من البلطجة أو من مشتري الأصوات في الانتخابات أو من التحرش. كان المناخ العام مختلفا تماما. كان مناخا عاما يحمل نسيما بالحرية التي طالما اشتقنا إليها.

أعتقد أن أحد قيود القيم الأبوية البطريركية الجامدة قد زاد تخلخلا في يوم ثلاثين يونيو ٢٠١٣. في هذا اليوم تحركت المرأة المصرية كمواطنة تعرف دورها ومسئوليتها تجاه وطنها. كانت خائفة من الفاشية ومن الإرهاب ليس فقط على أسرتها وإنما على وطنها في المقام الأول، فخرجت تقول”لا” في وقت لم يكن سهلا. وكان محاطا بالأخطار. إنها امرأة صلبة وقوية وذكية وتستطيع أن تقدم الكثير والكثير لوطنها لحظة إحساسها بحريتها وباحتياج وطنها لها.

ربما نتذكر دور المرأة المصرية على طول تاريخنا الحديث. نتذكر موقفها في الخطوط الخلفية لجيش عرابي. ونتذكرها يوم أن خرجت تناصر ثورة ١٩١٩. وتهتف “عاشت مصر، يحيا سعد، يسقط الاستعمار، الاستقلال التام أو الموت الزؤام”. نتذكرها يوم أن أصدرت هدى شعراوي وزميلاتها مثل سيزا النبراوي أول بيان تناصر فيه المرأة الفلسطينية عام ١٩٣٦، “كان أول بيان يصدر من جماعة مصرية” نتذكرها في المقاومة الشعبية في بورسعيد عام ١٩٥٦. كما نتذكرها يوم أن تم تهجيرها مع أسرتها إلى خارج مدن القنال واستمرت لسنوات في هجرتها تربي أولادها وتعلمهم وتنتظر لحظة العودة إلى بورسعيد والإسماعيلية والسويس، مدنها المحببة لنفسها وقلبها. نتذكرها وهى تزرع الأرض وتعمل على الآلة وترتدي الزي الشرطي وهى تمنع التحرش في الشارع المصري. نتذكرها في كل هذا التاريخ وكل هذه المواقع، فآن لنا الآن أن نتذكرها وهى تتحمل مسئولية البيت في هذه الأزمة الاقتصادية التي نتمنى أن نعالجها بالسرعة والعدل والشفافية لنسدد لهذه المرأة دينا علينا جميعا رجالا ونساء تعلموا وعملوا واستطاعوا تحقيق حياة في مستوى معيشي أفضل من غالية مستويات الشعب المصري ونسائه.

أعزائي، تحيا المرأة المصرية وتحيا مصر.