وهم الثراء السريع.. ضحايا «الرمال البيضاء» يكشفون الحيلة الشيطانية للسطو على مدخراتهم
هوس الثراء السريع يعمى الكثير من الأشخاص عن كشف الأفخاخ التي يضعها المحتالون في طريقهم، وخاصة على شبكة الإنترنت، وهو ما تعرض لها الآلاف على تطبيق White Sands أو الرمال البيضاء، والذى أغراهم بربح المال من التطبيق، ونجح في النصب على الآلاف من المواطنين بجمع مليارات الجنيهات منهم ثم إغلاق التطبيق والاختفاء فجأة دون أي طريقة تمكن الضحايا من الوصول إلى القائمين على التطبيق أو من يتواصلون معهم.
وخلال الأيام القليلة الماضية، تداول المواطنون حكايات لهم ولأقاربهم الذين تعرضوا للنصب من خلال تطبيق الرمال البيضاء الذي يعد برنامجا أجنبيا يزعم ربح المواطنين من الإنترنت، وبالفعل نجح في اكتساب مئات الآلاف من العملاء وإغرائهم بالأرباح في البداية لتشجيعهم على الاستمرار وضخ أموال أكثر طمعا في أرباح أعلى، حتى تمت عملية النصب على الآلاف.
ما هو تطبيق الرمال البيضاء White Sands؟
"تعالوا نكسب من اليوتيوب بطريقة مضمونة بدون دفع أموال"، تحت هذا الشعار حاول تطبيق الرمال البيضاء White Sands اجتذاب العملاء، فهو موقع توزيع حركات مرور للمواقع والمعلنين أو من يرغب في زيادة مشاهدات أو اشتراكات قناته على يوتيوب أو المنصات المشابهة كما كان يزعم.
هذا البرنامج تابع لشركة Omnicom Group وهي شركة أمريكية عالمية متخصصة في وسائل الإعلام والتسويق، مقرها الرئيسي في نيويورك، الولايات المتحدة الأمريكية.
وكان الوكلاء القائمون على الموقع يطلبون من الأشخاص المستخدمين الاشتراك في الباقات مقابل القيام ببعض المهام السهلة نظير الحصول على الأرباح منها مشاهدة الفيديو أو الاشتراك في القنوات أو الإعجاب بالمنشورات أو متابعة الأشخاص والصفحات، وكانت هذه المهام يتم توزيعها على المستخدمين بشكل آلي والمقابل إرسال الأرباح لهم على محافظهم الإلكترونية.
وحدد الموقع عددا من الشروط للأشخاص ومنها أنه لا يمكن تسجيل أكثر من حساب لنفس الشخص أو نفس الهاتف ومن يفعل يتم غلق حسابه، وهو ما دفع البعض للتسجيل بأرقام هواتف أخرى لعمل أكثر من حساب، وكان يمكن سحب 30 جنيها مرة واحدة فقط، وكان الموقع يشترط للسحب مرة أخرى بترقية الحساب إلى عضوية مميزة VIP، وعضوية VIP تدوم حتى عام ويجب تجديد الاشتراك بعد ذلك، وبعد استلام المهمة يتم إنهاء المهمة حسب المطلوب.
وكان المستخدمون يشتركون في الباقات التي حددها الموقع بمبالغ مختلفة بدءا من 600 وحتى 30 ألف جنيه، حيث تتفاوت تلك الباقات في قيمة الأرباح، وكلما زادت قيمة الباقة كلما ارتفع العائد اليومي من الأرباح.
النصب على المواطنين
مئات الآلاف من الأشخاص للنصب حيث تم إغلاق الموقع وضياع أموالهم التي أودعوها، وخلال الأيام القليلة الماضية بدأ المستخدمون عبر موقع الرمال البيضاء يتداولون قصصا لتعرضهم للنصب، ودشنوا مجموعات عبر مواقع التوصل الاجتماعي لتجميع الضحايا وبحث إمكانية التحركات القانونية لاستعادة أموالهم ومحاسبة القائمين على الموقع.
وحتى الآن غير معروف حجم عملائهم في مصر وعدد ضحاياهم وكم الأموال التي نجحوا في جمعها إلا أنها تقدر بالمليارات تقريبا، فيما يعتزم الضحايا التوجه ببلاغ إلى النائب العام للتحقيق في القضية، بعد إغلاق الموقع منذ 10 يناير الجاري وعدم تحويل أي مبالغ للمستخدمين كما كان يزعم القائمون.
حسن مصطفى، عامل في إحدى شركات التسوق الإلكتروني، كان ضحية لعملية النصب على موقع الرمال البيضاء، بدأ التعامل مع الموقع منذ شهر مضى تقريبا حيث تعرف عليه من خلال أصدقائه الذين شرحوا له الفكرة وأنه سيحصل على عائد يومي بقيمة لا تقل عن 100 جنيه بسهولة وبدون مجهود فقط أداء المهام المطلوبة والتي تكون في مجملها سهلة.
"اشتركت زي ما هما اشتركوا في الباقة VIP 4، مقابل 3 آلاف جنيه" يوضح الشاب العشريني في حديثه لبوابة "دار الهلال"، مضيفا أن "الموقع حدد أنه في حالة ترشيح أحد الأصدقاء لنفس الباقة سيحصل على إضافي أرباح بقيمة 450 جنيها، أما إذا كنت على باقة VIP 5 سأحصل على أرباح 900 جنيه إضافية".
أما عن الفارق بين تلك الباقات، فأوضح أنه هو قيمة الاشتراك الباقة VIP 4 اشتراكها 3 آلاف جنيه والعائد اليومي 124 جنيها، أما الباقة 5 فاشتراكها 6 آلاف جنيها فالعائد اليومي لها 260 جنيها تقريبا، يتم تحويل العائد يوميا بعد أن ينتهي الشخص من أداء المهمات على محفظة مالية إلكترونية، مضيفا أن هذا الاشتراك كما حدد الموقع يكون لمدة سنة، أي يدفع الشخص المبلغ المحدد مقابل فتح الاشتراك لمدة سنة.
المغامرة لزيادة الربح
"ناس كتير غامرت والدنيا مشيت حتى رأس السنة وبعدها توقفت التحويلات للعوائد ما جعل المستخدمين يشكون في الأمر وبدأوا يتواصلوا مع الوكلاء"، يضيف حسن مصطفى، موضحا أنه لم يكن يتعامل مع الوكلاء لكن بعض أصدقائه كانوا يتواصلون مع سيدة تدعى "أم زياد"، عبر تطبيق المحادثات واتس آب.
وأوضح أن الوكلاء بدأوا يرددون أن هناك ضغط في الشبكة أدى لتوقف التحويلات ثم أعلنوا عن باقات جديدة وهي VIP 6 و VIP 7بقيمة 10 آلاف جنيه و30 ألف جنيها، مضيفا: "المسئولون عن الموقع أرسلوا لنا رسالة أن التحويلات ستتم في السادسة مساء يوم 10 يناير وستصل إلى المستخدمين كلهم، لكن لم يحدث أي شيء"، مازحا: "أعتقد أن الساعة 6 كان موعد الطائرة التي هربوا بها إلى الخارج".
وأضاف أنه بعد السادسة مساء يوم 10 يناير أغلق الموقع وجميع الوكلاء أغلقوا هواتفهم ولم نعد نعرف عنهم أي شيء، موضحا أن هناك الكثير من المستخدمين اشتركوا في الباقات ذات 6 آلاف جنيه والبعض اشترك بأكثر من رقم هاتف لعمل أكثر من حساب.
وأشار إلى أن البعض اشترك في الباقات بقيمة 30 ألف جنيه وأودعوا كل ما لديهم من مبالغ مدخرة فهناك سيدة باعت مصوغاتها الذهبية بقيمة 120 ألف جنيها واشتركت في الباقات بـ4 أرقام هواتف لأن الأمر بالنسبة لها كان مغريا، مضيفا أن بعض الضحايا تقدموا ببلاغات إلى مباحث الإنترنت للتحقيق ومحاولة إعادة أموالهم.
"زيادة دخل بسهولة" يفسر الشاب العشريني السبب الذي دفعه للاشتراك في هذا الموقع رغم قناعته أن الأمر قد يكون محاولة للنصب ومخاطرة قد تصيب أو تخيب، قائلا: "برنامج يضيف للشخص دخل يومي بقيمة 250 جنيها وهو في بيته بدون عناء، سيغري أي شخص للتجربة ولو بمبلغ صغير، وهو ما فكر فيه الجميع".
باقات مختلفة
ومن جهته، قال محمد محمود عبد الله، بكالوريوس تجارة، إن تطبيق الرمال البيضاء بدأ في شهر أغسطس الماضي واشترك فيه بمبلغ 3 آلاف جنيه كاشتراك سنوي يدفعها في أول شهر، وكان يتقاضى الأرباح بقيمة 3400 جنيها شهريا، مضيفا أن هناك باقات أعلى بقيم 6 آلاف جنيه و10 آلاف جنيه و30 ألف جنيه وكل باقة منها كانت أرباحها أكبر.
ويضيف أن الباقة بقيمة 6 آلاف جنيه كانت تقدم أرباح بقيمة 7400 جنيه، موضحا أنه مع نهاية ديسمبر الماضي توقفت السحوبات للأموال من الأرباح، وبعدها أخبرونا أن يوم 10 يناير سيتم تحويل كل الأموال لكن ذلك لم يتم وأغلق الموقع في اليوم التالي دون أن يسحب المستخدمين أي من أموالهم.
هناك حالات من الضحايا أصيبت بنوبات قلبية بعد النصب عليهم لأنهم خسروا أموالا كبيرة لأن بعضهم اقترض أموالا للاشتراك في الموقع وجميعهم تعرضوا للنصب، موضحا: "الموقع في البداية كان يرسل لنا الأموال بشكل يومي وهو ما جعل هناك ثقة ولم نشك أن هناك مشكلة، وكنا نسحب الأرباح يوميا نظير أداء المهمات المطلوبة".
مهمات يومية
وعن طبيعة تلك المهمات، قال نور محمد رأفت، أحد ضحايا الموقع، أنه كان يطلب 45 مهمة وهي ترندات لموقع يوتيوب يتم عمل لايك وأخذ لقطة شاشة لها ووضعها في ملف، المهمة الواحدة بقيمة 3 جنيهات تقريبا، أما في الباقة بقيمة 6 آلاف جنيها يطلب منهم 55 مهمة ويتقاضى في المقابل 6 آلاف و800 جنيه.
وأضاف أنه يتم تحويل الأرباح في نهاية كل يوم بعد أداء المهمات، لكن توقفت السحب والأرباح مع نهاية ديسمبر الماضي وفسروا أن ذلك هو عيب في الموقع، موضحا "استعوضنا ربنا في الفلوس لأنهم عرفوا يضحكوا علينا، فهو برنامج أمريكي أغلق في الهند واليمن وفتح في مصر حتى قاموا بعملية النصب وأغلقوا الموقع".
وحول وجود تواصل بينه وبين أي من المسئولين في الشركة، أكد أنه كان هناك وسيط من السويس هو من كان يستقبل الأموال لشحن الباقة، موضحا أنه كان يتواصل عن طريق واتساب مع سيدة لكنها أغلقت هاتفها واختفت مع إغلاق الموقع، وأنه تعرف على الموقع من خلال أصدقاء آخرين ودخل عن طريقهم.
الريان الجديد
"الحداية مابتحدفش كتاكيت"، بهذا الوصف علق الدكتور وليد حجاج خبير أمن المعلومات، موضحا أن هذه العملية هي الريان في شكله الجديد الإلكتروني، وهناك الكثير من تطبيقات النصب التي تقوم على ذات الفكرة، بعضها بشكل واضح وصريح كما حالة الرمال البيضاء، وللأسف يصدقها الأشخاص أو أنهم يريدون تصديق ذلك، أما الشكل الثاني هو تطبيقات مزيفة لشركات خدمات مالية معروفة.
وأضاف أن الأشخاص يسعون وراء وهم الثراء، ولا يوجد أي شيء اسمه ادفع ألف جنيه واحصل على ألفين، فالأشخاص نفسهم من أرادوا أن يتم النصب عليهم، لكن "القانون لا يحمي المغلفين"، مضيفا أنه لا يوجد أي ورق أو عقد بين الطرفين وكذلك يتم تحويل الأرباح من خلال محافظ إلكترونية والأشخاص القائمون على الموقع نفسهم خارج مصر.
وعن الحلول، أشار إلى أنه يمكن أن يوضع آلية جديدة أو تشريعات تقنن الأمور، وهناك بالفعل تصدي لعمليات غسيل الأموال والنصب، مضيفا أن الموقع نجح في جمع ما يقرب من 5 إلى 8 مليارات جنيه، فمتوسط المحفظة الواحدة كان في حدود 10 آلاف جنيه وهناك آلاف من الأشخاص الذين تعرضوا للنصب على هذا الموقع.
وأكد "حجاج" أنه لا يوجد أي وسيلة تقدم هذا الربح وبالتالي الموقع كان غير مطمئنا من البداية، وكان متوقعا أن يتم النصب على المواطنين، مضيفا أن الموضوع ليس خدعة أو استغلال جهل، فالشخص هو من قام بإيداع الأموال بإرادته للموقع رغبة في الثراء السريع، وبالتالي تعرض للنصب بإرادته ولا يوجد حل لذلك أو وسيلة لإعادة الأموال أمام من تعرض للنصب.