رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


أى شيء!!

20-1-2022 | 12:20


سحر رشيد,

 نبحث عنه.. بدونه نفوسنا مبعثرة.. تكتمل به رحلة الاستقرار والسكون.. يؤرقنا ويجعلنا فى بحث مستدام.. يكاد يقتل أرواحنا.. من أجله سعينا لنحقق حلمنا.. رؤيتنا.. ونتساءل هل سنصل له أم لا؟! .. وهل وصل من قبلنا واستراح أم انتهى أجله دون أن يصل؟!.. هو شيء ما يسكن فكرنا.. قد يكون الحلقة المفقودة.. خيرا نسعى إليه.. ذنبا اقترفناه وجب التطهر منه.. هو نقطة الارتكاز وبؤرة البصيرة.. قد يكون صغيرا أو كبيرا به نتوازن ونرتقي.. هى أشياء وأشياء محببة أو حتى مخجلة أخفيناها.. هى كل الأشياء ليكون فى النهاية سلام على كل شيء!! 

فى طريق حياتنا نرنو ونبحث عن شيء يجعل نفوسنا تصفو وضمائرنا مستراحة.. أو قد تكون أشياء نهرب منها من منعطفات وقعنا فيها بإرادتنا أو بأسباب خارجة عنا حاولنا بعدها ننهض لنعاود الركض.. قد نحصل عليها وقد نهرب منها.. فندخل سراديب وسراديب قد تصل بنا لأبواب خلفية لا نكاد نخرج منها حتى نعود إلى ما بدأناه مرة أخرى.. أو قد نهتدى للأشياء التى نبحث عنها لنهدأ ونسعد وقبلها نستقر.

وفى طريقنا قد نهرب داخلنا وقد نهرب خارجنا وقد نسير عكس الاتجاه.. وقد نعانى من غربة فى كل شيء حولنا ولا عجب فى ذلك فكل شيء يحمل معانى عديدة قد يختلف من شخص لآخر فالذى يشعرك بالخوف قد يشعر غيرك بالطمأنينة.. وما نخفيها قد يعلنها غيرنا.. أو قد يكون الصمت نفسه هو كل شيء فى مواجهة كلام قاصر عن التعبير.. وأشياء ننتظرها تتحقق أو لا تتحقق ونعيش أسرى لها.. أشياء ناقصة وأخرى لا تذكر من شدة تفاهتها.. وأخرى ثمينة بذلنا فيها ثمنا غاليا، وقد تشتاق نفوسنا لشيء من الحب والرحمة وتجزع من أشياء تسبب الخوف والحزن ونقص من الأموال والأنفس والثمرات فنحتاج معها لشيء من الصبر بعدما ابتلينا.. لنتعلم أن ما أوتينا من شيء فمتاع الحياة الدنيا.. لتصبح كل حكاياتنا وبحثنا أشياء وأشياء ونحن نعيش معها فى اختبارات وابتلاءات لنخلص أن كل شيء وارد ومتوقع وممكن فنتعلم ألا نثق فى كل شيء ثقة مطلقة. 

هى الحياة التى تحمل كل شيء ونقيضه.. نعيش فيها ونسير فى دروبها باحثين عن راحتنا بما تملكه أنفسنا من صفات وخصال حسنة وسيئة.. نرى الأشياء ونتمناها وقد نصل إليها فنبحث عن غيرها أو نصبح أسرى لها.. لنظل هكذا حتى تنقضى أعمارنا فى سلسلة من احتياجاتنا من الأشياء.. قد تساعدنا أو تتملكنا بدلا من أن نتملكها.. فتفعل بنا ما تشاء حتى وإن حصلنا عليها قد لا نستمتع بها خوفا من أن نفقدها فندور فى فلكها فى صعود وهبوط.. وقد نزهدها بعد الحصول عليها.. بعدما وصلت إلينا ونحن منهكين متعبين فلم يعد لدينا شيء من الصحة والقوة للاستمتاع بها.. هى رحلة الأشياء التى تغرقنا جميعا بوهم زائل ظننا أن بها السعادة التى قد تكون أو لا تكون كذلك حسب علاقة الإنسان وتعلقه وارتباطه بها.

لنمنح أشياء قوة ونفوذا علينا أو نكون من قوة النفس والروح ما تجعلنا من نتحكم ونسيطر على احتياجاتنا من الأشياء المادية أو حتى المعنوية.. فتجد مثلا محبى المال قد يكون لديه الكثير منه، لكنه يبقى فى بحث مستمر عنه حتى ينقضى عمره دون أن يستمتع به أو حتى يستكين بعد الحصول عليه ليتحول معه لطماع.. فإذا ما سيطرت خصال سلبية على صاحبها يستسلم لها فتدمره دون أن يعى.. لنجد علاقة تبادلية بين الأشياء المادية والمعنوية تؤثر كل منها فى الأخرى!! 

وهناك أشياء ثمينة نبحث عنها فى طريقنا فى الحياة مثل مشاعر الخير الموجوده فى الحب والدفء والمودة وغيرها فنصبح تواقين للحصول عليها من أطراف أخرى فيتحول البحث لشيء مادى يطلبه صاحبه وقد يقدم مقابلاً له أو لا يقدم فيفشل فى الحصول عليه لأنه نسى أنه لكى يحصل عليه يجب أن يقدم الخير بشكل مطلق وليس بشخصنة أو مقابل.. لأنه سيصل حتما إليه دون أن يسعى له.. بل سيبحث عنه، فالخير يعنى كل أنواع الخير الذى تقدمه ابتغاء مرضاة الله.. حتى الدعاء لغيرك بظهر الغيب حتما سيكون لك كفلا منه ويضاعف لمن يشاء.

 فحينما تحب الخير لغيرك فهذا يعنى أن روحك امتلكت طاقة إيجابية لأنك أصبحت غير منتظر المقابل، فنجد منا من يشكو من نكران جميل البعض وأنهم لم يردوا الخير بخير فننسى أن الخير باق ليس فى الأشخاص أو الأشياء فحسب بل باق فى روحك الخيرة وفى حياتك التى تسعد فيها كل من حولك.

ونقول فاقد الشيء لا يعطيه.. فأنى لشخص ليس لديه مالا مثلا أن يعطى المحتاج أو يقدم الصدقات وغيرها.. وننسى أن العطاء تتوافر به أركان تجعل نفس صاحبه تواقة لفعل الخير حتى وإن كان غير قادر على العطاء المادى، فحتما سيمنحه الله لكى يعطى فى يوم من الأيام.. وليس من عانى من الحرمان دائما يتحول إلى بخيل.. فالعطاء الإنسانى فياض فى كل شيء ويرتبط بسريرة الإنسان الطيبة ومكنونه الراقى الذى يجعله يسعد كل من حوله فليس كل من يقسو فى حياته تعرض لشيء من القسوة ولا أقصد المصابين بعقد نفسية الذين نلتمس لهم العذر.. لكننى أعنى الإنسان الذى تأمل وتدبر أمره واستطاع أن يسمو فوق ما أصابه وعلم أن سر وجوده فى الخير المطلق والحب المطلق الذى يدور فى جاذبية وتناغم يخرج منه ويعود اليه مرة أخرى.. فإذا كنت تحب نفسك فعلا فعليك أن تمنح الحب لكل شيء ولكل من حولك لأنك تمنحه لنفسك أولا ويعود عليك أخيرا.

نتعلم من الحياة أنها تحمل كل شيء ونقيضه.. وتعلمنا أيضا أن الأشياء ناقصة فالكمال لله وحده.. فتواجد الأشياء لتكمل بعضها البعض وكذلك الأشخاص ليقوموا بنفس المهمة من خلال أشياء يقدمونها ويمنحونها لمن حولهم فى سلسلة من الاحتياجات البشرية التى أوجدنا الله فى هذا الكون لكى نكتشفها لننال البر.. فنكون فى بحث مستمر عما يريح قلوبنا وأرواحنا حتى ولو كان صغيرا فقد يبث فى روحنا الحياة وبدونه نصاب بحالة من التعاسة التى تحتاج نفوسنا معها لشيء من الطمأنينة أو اللمسة الحانية لكى تكمل مشوارها فى الحياة ليصبح كل شيء على ما يرام.

وقد نحتاج أن نتجاوز كل شيء خاطئ لنحصل على هذه السكينة فنتغلب على الأنا فنمنح نفوسنا شيئا من التسامح والغفران والتخلى عن أشياء تشعل الغضب ودوامات الكره والانتقام لتحل أشياء محل أشياء.
وهكذا تتحول نفوسنا لمجموعة من الأشياء التى نحتاجها ونبحث عنها داخلنا وخارجنا.. فى ظل أشياء ساكنة فينا نعلمها أو نتجاهلها لكننا نعلم أننا قد نخفيها عن كل إنسان لنظهر ما نريد فى أثواب ملائكية أو حتى شيطانية لنرتدى شيئا من الطهارة أو الشيطنة!!

 ويصبح حالنا نتعثر فى أشياء ونمتطى أشياء ونتحول لأشياء ونرغب فى أشياء ونصنع أشياء ونحطم أشياء ونفنى أعمارنا فى سبيل أشياء.. وننتظر أشياء.. وقد تنتهى حياتنا ونؤمن بأن لا شيء يستحق كل ما بذلناه فتصبح رحلتنا كأن شيئا لم يكن.. وقد يمهلنا القدر لنملأ رحلتنا بأشياء تبقى بعد رحيلنا بصمة خالدة تذكر الآخرين بأننا تركنا أثرا فى النفوس أو من أشياء كان عمرها أطول من عمر صاحبها فما ينفع الناس يمكث فى الأرض. 

فلتكن رحلتك مع الأشياء رحلة تحرر من عبودية أشياء فانية تعبر بها لجنة النعيم متخليا عن استعباد الأنا الزائفة التى تدفع صاحبها لسلسلة من التوتر فى التعلق بأشياء سخرها الله لنا.. فإذا كان الكون بما يحويه من أشياء واحدا لنا جميعا فعلاقة الإنسان به هى التى تجعله يشعر بالسعادة.. فلا تكن  أكثر شيئا جدلا .. ويكون لسان حالك سبحانك يا مالك كل شيء وقادرا على كل شيء رحمتك وسعت كل شيء وأنا شىء.