رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


«كيف ولماذا حكم السيسي مصر؟».. أحدث مؤلفات الكاتبة الدكتورة فاطمة سيد أحمد

24-1-2022 | 14:34


الكاتبة الصحفية الدكتورة فاطمة سيد أحمد

دار الهلال

 قليلة هي الكتب التي تقدم شهادات موثقة لوقائع التاريخ وأحداثه، خاصة في الفترات العصيبة التي تمر بها الأوطان، وهذه الكتب النادرة في المكتبة العربية، تمثل أهمية بالغة للباحثين ومدوني التاريخ والمهتمين بالشأن العام وهم كثر، ويراها البعض أنها بمثابة تأريخ واقعي للأحداث، فهي توثق لشهادات حية لمن عاشوها، خاصة ومن كان له علاقات وثيقة بصانعي القرار والمسئولين، مثل الدكتورة فاطمة سيد أحمد، عضو الهيئة الوطنية للصحافة، ورئيس تحرير صحيفة روزا اليوسف الأسبق.

والجزء الأول من كتابها "كيف ولماذا ؟ حكم السيسي مصر"، الصادر مؤخرا عن مؤسسة روزا اليوسف للصحافة، ينضوي تحت لواء هذا التصنيف العلمي، فهو يذخر بأحداث ساخنة لم تجف من ذاكرة معاصريها بعد، أحداث أحاطت بها فوضى عارمة، هددت استقرار مصر وأمنها واقتصادها والأحوال المعيشية لمواطنيها، الذين يسعون لتأمين مستقبل أفضل لهم ولأولادهم وأحفادهم.

والدكتورة فاطمة بقلمها البارع تحاول تتبع الأحداث المتلاحقة والمتسارعة التي شهدتها مصر في إبان ثورة يناير، والتي اندلعت فيها فوضى عارمة، لم تكن على الإطلاق فوضى خلاقة كما زعمت وزيرة الخارجية الأمريكية الأسبق كوندليزا رايس، بل تفجيرات وحرائق وعمليات قتل مجهولة الفاعل، ذلك لأن أيادي خارجية اخترقت المشهد وسعت لتحقيق أهداف مغرضة لها، والتقى ذلك مع محاولات من أطراف انتهازية بالداخل لاستغلال الفوضى، وانتزاع ما كانت تعتقد أنه مكاسب لها.

وتؤكد الدكتورة فاطمة أن الأيام الثلاثة الأولى من ثورة يناير 2011، كانت نظيفة وتعبر عن أحلام شباب نقي يطمح في تحقيق حياة كريمة لأبناء الوطن، ولكن ما أفسد هذه الثورة وأفشلها، هو قفز مجموعة الانتهازيين من قدامى السياسيين والأحزاب، كل يسعى لتحقيق منافع شخصية، والحصول على مميزات تزيد من نفوذه وسلطاته.

الإخوان المسلمون الذين ظلوا طويلا يحلمون بالوصول إلى سدة الحكم، وجدوا في هذه الثورة الشبابية فرصة سانحة، للخروج من مكامنهم وركوب الموجة ظانين أن الدولة انهارت مع انهيار النظام، وظهرت حركات تريد أيضا أن يكون لها مكانة على خريطة الأحداث، البرادعي وحركة كفاية وبعض التيارات المعارضة، التي سرعان ما تحالفت مع الإخوان واندرجت تحت مظلتها، بعد أن راهنت على قوتها وحسن تنظيمها.

وهناك أشخاص كانوا في يوم ما موضع ثقة الشعب بحكم مناصبهم، ولكنهم خلعوا أقنعتهم، ووضعوا أيديهم الملوثة في يد متآمر خارجي يسعى دوما لأن تكون بلادنا في ذيل الحضارة، مع أننا من بعثها في الكون، ومنهم من اعتبر الوطن كعكة عليه أن يلتهم جزءا منه، مهما حدث وجر البلاد إلى ما لا تحمد عقباه، وذلك كما جاء في مقدمة الكتاب.

الجزء الأول من الكتاب، يبدأ بشرح الأحداث التي مهدت لثورة يناير، أهمها ملف توريث الحكم، وسعي جمال مبارك الحثيث لتولي رئاسة مصر، وبدأت مساعيه بخطوات تدريجية بالتخلص مما يسمى بالحرس القديم المحيط بمبارك، وتعيين شخصيات موالية له داخل الحزب الوطني ومجلس الوزراء، ولأنه كان يعلم أن الجيش بحكم وطنيته العريقة، وتعهده بحماية مصالح البلاد، لم يكن معينا له في مشروعه الشخصي برئاسة مصر، ولأنه يعلم أن القوات المسلحة لم تكن راضية عن تغول وفساد رجال الأعمال، ومن بينها رفضها استيلاء رجال الأعمال الفاسدين، على مساحات واسعة من الأراضي، أصبحت الآن مقرا للعاصمة الإدارية الجديدة، فامتلأ قلب جمال مبارك بالحقد على المشير حسين طنطاوي، ثم على اللواء عمر سليمان، وهما شخصيتان كان الرئيس الراحل مبارك يكن لهما تقديرا بالغا.

ويوضح الكتاب كيف جال بخاطر جمال مبارك أن يستعين بحليف أمني هو وزير الداخلية القوي حبيب العادلي، في مواجهة كل من المشير طنطاوي واللواء عمر سليمان، ولكن اتضح أن ذلك الرهان جانبه الصواب تماما، ويشير الكتاب إلى واقعة محاولة اغتيال عمر سليمان وإطلاق الرصاص على سيارة كان من المعتقد أنه يستقلها، ولكنه لم يكن فيها وقتل السائق والحارس.

ثم يسرد الكتاب الأحداث الملتهبة التي عصفت بمصر وقت ذلك، ومحاولة مبارك استرضاء الشارع بتعيين عمر سليمان نائبا له وأحمد شفيق رئيسا للوزراء، ولكن ميدان التحرير الذي كان له صوت مسموع وقتذاك لم يتقبل هذا الإجراء، وفشلت محاولات الحوار التي أجراها النائب عمر سليمان مع شباب الثورة، وواكب ذلك عمليات تخريب وفتح للسجون وتدخل جهات أجنبية لتنفيذ أجندات خارجية، لينتهي التصعيد بتنحي مبارك وتولي المجلس العسكري إدارة شئون البلاد في فترة صعبة، تولى فيها الجيش تأمين الجبهة الداخلية بعد انسحاب الشرطة وتفككها.

ويقول الكتاب إنه منذ اليوم الأول لترؤس "السيسي" جهاز المخابرات العسكرية، وجد نفسه محملا بواجب وطني جبار، استلزم تنفيذ خطة الطوارئ العاجلة للدولة، لتأمين أوراقها ومستنداتها ووثائقها، على عجل ووضعها في مكان آمن لا تصله يد عابث.

بعد ذلك ينتقل الكتاب إلى استعراض مواقف المرشحين لرئاسة الجمهورية، ووقتها قال المجلس الأعلى إنه يقف على مسافة واحدة من جميع المرشحين، وكان كل منهم يعتقد أن له قواعد شعبية تؤهله لحكم مصر ومن بينهم عمرو موسى والبرادعي وعبد المنعم أبو الفتوح، وكيف ثبت ضعف هذه القواعد أمام الناخبين.
كما يتضمن الكتاب فصلا عن قصة الإخوان مع المجلس العسكري، حيث تلقى الفريق سامي عنان أثناء زيارته لأمريكا، رسالة من المخابرات الأمريكية تفيد بأن يتم التعامل مع الإخوان كتيار سياسي معترف به.

كما يسرد الكتاب مناورات الإخوان وتلاعبهم السياسي وبثهم للشائعات، والتهديد بتنظيم مظاهرات مليونية عارمة تطالب بعودة مبارك، إذا لم تتم الاستجابة لمطالبهم، ثم ترشيحهم لمحمد مرسي في انتخابات الرئاسة، بعد أن أكد مرشدهم وقتذاك محمد بديع في حديث تليفزيوني قائلا "نحن أعقل من أن نحكم مصر الآن"، وكانوا يأملون في إقامة دولة إسلامية على غرار حكومة أردوغان في تركيا، مع إقرار قوانين ما أسموه "الجغرافيا الإسلامية "، التي تعني التنازل عن بعض الأراضي الوطنية ذات السيادة مقابل الاعتراف بدولة الخلافة المبنية على العقيدة الدينية وليس الجغرافية.

وبعد فوز مرسي بالرئاسة تبنى الإخوان أجندات خارجية لتفكيك الجيش وتفتيته، خصوصا أن هذا سيمكنهم من إنشاء ميليشيات موالية لهم بعد أن يجهزوا على الجيش، ولكنهم وجدوا جيشا قويا على قلب رجل واحد عصي عليهم، خاصة وأن الجيش منح نفسه من واقع مطالب الشعب، أن يكون مراقبا لأي رئيس قادم يخرج عن الشرعية أو يستغلها لتحقيق مآـربه.

وكان من الواضح كما يقول الكتاب، أن أمريكا كانت تقف على قدم وساق في المشهد الانتخابي، مساندة لتمكين الإخوان من حكم مصر، ووعدت واشنطن الإخوان بالحكم مقابل تلبية طلباتها بالاستيلاء على سيناء، من أجل حماس التي تعد امتدادا للإخوان، وبذلك لن تكون هناك مطالبات لإسرائيل بإقامة دولة فلسطينية.

وهذا الجزء الأول من الكتاب مكرس لاستعراض المشهد المتأزم الذي مرت به مصر في هذه الفترة العصيبة، ومن بينها أيضا قضية جمعيات المجتمع المدني التي حصلت على تمويلات أجنبية كبيرة، لإثارة الفوضى وتأجيج الصراعات المجتمعية لصالح أجندات خارجية.

كان هذا هو المسرح الذي مهد لغضبة المواطنين من حكم الإخوان، وخروجهم للمطالبة بسقوط حكم المرشد.

وفي انتظار صدور الجزء الثاني للكاتبة التي تمتلك في جعبتها مجموعة هائلة من الأسرار والخفايا حول ذلك المشهد الكارثي، الذي ملأ قلب اللواء عبد الفتاح السيسي وقتذاك خوفا على أمن مصر واستقرارها ومستقبلها.