رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


مصريون ضد كنط!

25-1-2022 | 16:04


أسعد سليم

يحتل الفيلسوف الألماني إيمانويل كنط (1724-1804) مكانة متميزة في تاريخ الفلسفة الغربية، بل إن البعض يوشحه بوشاح رب الفلسفة الأعظم وقطبها الأكبر الذي لا يدانيه أحد، ولربما هم محقون!

فكتاب كنط "نقد العقل المحض" يعتبر ثورة فلسفية وفكرية عظمي كان لها تأثيرها الضخم على مجريات الحياة بأكملها في القرن الثامن عشر وما تلاه.


لقد كانت الفلسفة عالقة قبل كنط بين المدرسة العقلانية بقيادة الفرنسي ديكارت (1596-1650) والمدرسة التجريبية بزعامة البريطاني جون لوك (1632-1704)، فالعقلانيون يفترضون أن الإنسان يستمد كافة معارفه من خلال العقل، وأن الإنسان يولد وبعقله بعض الأفكار الفطرية الأولية، ويتجاهلون تمامًا الحس والتجربة، فرفعوا العقل لمصاف الآلهة وكانت تلك لحظة ميلاد الحداثة بمفهومها الغربي، لقد اعتبر ديكارت أن العقل هو أعدل الأشياء قسمة بين الناس، لكن الاختلاف يأتي من البشر أنفسهم الذين يتكاسلون أو يهملون العقل فيصدأ!

بينما نزع التجريبيون إلى القول بأن الانسان يولد بعقل ذو صفحة بيضاء لا يحمل أية أفكار مسبقة بينما تستمد البشرية كافة معارفها من الحس والتجربة.

وبين العقل والحس عاشت الفلسفة مأزقها الكبير حتى جاء كنط.

لاحظ كنط أن العقلانيين والتجريبيين بل الفلسفة على مدار تاريخها استخدمت العقل كأداة ووسيلة للتفكير لكنها أبدًا لم تحلل العقل ذاته، فقرر كنط معرفة حدود العقل، وتوصل أن العقل ليس صفحة بيضاء كما زعم التجريبيون ولا توجد به أفكارًا فطرية كما زعم العقلانيون، واكتشف وجود ما اسماه بالمقولات الما قبلية ( عدد ١٢ مقولة) من أمثلة الكيف والكم والنسبة والجهة، تلك الأوعية مما وجدها العقل لديه ولم يحصل عليها من التجربة ولذا فهي مفاهيم ذهنية مطلقة يستخدمها العقل لفهم وجوده ذاته ولفهم الوجود والكون المحيط، كما توصل كنط إلى محدودية العقل لأنه لا يستطيع إلا أن يشاهد ظاهر الشيء بينما يعجز عن رؤية الشيء في ذاته أي جوهره وماهيته وحقيقته.

من تلك النقطة تحديدًا أي قصور العقل عن إدراك جوهر الشيء قامت ثورة مصرية حديثة ضد الرجل!

بدأها الراحل العظيم د أحمد زويل(1946-2016) صاحب نوبل في الكيمياء عام1999، لقد اكتشف د. زويل ما عرف بالفيمتو ثانية وهو مقياس زمني يعادل عشرة أس -15 بمعني أنه قام بتقسيم الثانية الواحدة لمليون مليار جزء من الثانية، واخترع الميكروسكوب الذي مكننا من مشاهدة ذلك الزمن المتناهي في الصغر، وبالفعل تمكنا من مشاهدة حركة ذرات وجزيئات المواد المختلفة، وهي خطوة عبقرية علي مستويين؛ الأول العلمي وما تلاه من تطبيقات عملية مدهشة، والثاني فلسفي وهو محاولة تغيير وجهة نظر المدرسة الكنطية، لأن د زويل بالفعل جعلنا نقترب أكثر وأكثر من رؤية جواهر الأشياء بعدما أصابنا اليأس لأكثر من مائتي عام من الاستسلام لنظرية كنط الشهيرة!

لكن الضربة الحاسمة الحقيقية جاءت من مصر أيضًا ومنذ أيام قلائل فقط.

فالدكتور محمد ثروت حسن خريج كلية العلوم عام ٢٠٠٣ من جامعة القاهرة فرع الفيوم والحاصل على الماجستير بمصر عام ٢٠٠٨ ثم الدكتوراة من ألمانيا عام ٢٠١٣، ها هو ذلك العقل الفذ والذي يقترب كثيرًا من الحصول على نوبل مصرية جديدة قد توصل إلى مقياس زمني جديد هو ما تم تسميته ب "أتوثانية" وهو يعادل عشرة أس -18، أي تم تقسيم الثانية الواحدة إلي مليار المليار جزء من الثانية، وفى طريقه لابتكار الميكروسكوب الذي من خلاله يمكننا مشاهدة ذلك الزمن الجديد!

الأتوثانية ستمكننا من مشاهدة حركة الالكترونات داخل الذرة، وهو لو تعلمون حلم كان بعيد المنال، لكنه تحقق أخيرًا بعقل مصري.

تنقسم المادة إلى ذرات ومنها تتشكل الجزيئات ولقد تمكنا بتقنية د زويل من مشاهدتها، والذرة بدورها تنقسم إلى نواة موجبة الشحنة يدور حولها الالكترونات سالبة الشحنة وها نحن في طريقنا لرؤيتها بفضل تقنية د ثروت، فماذا تبقي إذن؟

لقد وجه د محمد ثروت حسن رسالته إلى كنط بأن البشرية استطاعت أخيرًا أن تهزم جهلها وتوسع من حدود أفقها لتتمكن في لحظة تاريخية من رؤية جواهر الأشياء، نعم هي لم تستطع رؤية ذلك بعقلها مباشرة لكنه تم من خلال وسيط وهو الميكروسكوب، لكن هذا الوسيط أيضًا من صنع العقل البشري العظيم.

هل يمكننا الادعاء الآن أن المصريين قد انتصروا على كنط!