رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


عقل الوفرة وعقل الندرة

28-1-2022 | 11:26


أحمد تركى,

عقلية الوفرة (Abundance Mindset) وعقلية الندرة (Scarcity Mindset): هما مفهومان سائدان في التصور الإنساني تجاه الفرص والأرزاق والموارد (ذكرهما المؤلف الأمريكي ستيفن كوفي في كتابه العادة الثامنة).

ومعرفتهما قد تساهم بشكل كبير في تغيير حياتنا للأفضل، والسعى إلى الجو العام لعقلية الوفرة يبعث على الأمل والأمان النفسى داخل نفس الفرد وداخل الأسرة.

1- عقلية الوفرة :

هي أن تؤمن بوفرة الفرص والنعم فى هذه الحياة بالقدر الذى يكفى الجميع وبالخير الذى يفيض عن احتياجات كل الكائنات على وجه البسيطة وفق التوازن العظيم فى هذا الكون.

فلست بحاجة إلى أن تخسر أحداً أو تؤذي أحداً حتى تكسب أنت.. فهناك قوت فى الكون يكفي الجميع وهناك فرصٌ فى الحياة تكفي جميع طموح الكائنات. 

فعن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الله في حديثه القدسي: "لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا غمس في البحر".

وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه الحقيقة بقوله تعالى: "وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا ۚ كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ " (6)  سورة هود.

 

"وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ * اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [العنكبوت" [60 - 62].

﴿ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ﴾ [الذاريات: 58]

ورغم أن الله تعالى قد ضمن رزق كل الكائنات على وجه الأرض ! إلا أن الرزق لن يسعى إلى أفواه الكائنات! ولأجل هذا فطر كل الكائنات على السعى والاجتهاد فى السعي.

وهذا التصور الحقيقى يناقض تصور الكثير من البشر الذين يعتقدون بأن الرزق هو من يسعى إلى صاحبه وليس العكس!

قال تعالى: هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ ۖ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15).  الملك.

 وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لَأَنْ يَحْتَطِبَ أَحَدُكُمْ حُزْمَةً علَى ظَهْرِهِ، خَيْرٌ له مِن أَنْ يَسْأَلَ أَحَداً فيُعْطِيَهُ أَوْ يَمْنَعَهُ).[١٢] قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ما أكلَ أحدٌ طعاماً قطُّ، خيراً من أنْ يأكلَ من عمَلِ يدِهِ، وإنَّ نبيَّ اللهِ داودَ كان يأكلُ من عمَلِ يدِهِ).

وأوصانا النبى صلى الله عليه وسلم أن نتشبه فى سعينا بالطائر الذى يسعى على رزقه من طلوع الشمس إلى غروبها.

"وعن عمر بن الخطاب - رضى الله عنه - قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصاً وتروح بطاناً" رواه الترمذي، وقال: حديث حسن.

وهنا إشارة لطيفة إلى ما يسمى قانون الجهود المهدرة فى هذا الكون!

 

فقانون الجهود المهدورة: هو بذل الجُهد - بضم الجيم وهو الوسع والطاقة -، وبذل الجَهد بفتح الجيم - وهو تحمل المشقة وبذل كامل الإرادة - فى تحقيق السعى إلى الهدف. 

والتأقلم على أن كل محاولات السعى لن تنجح! بل أن الكثير من تلك المحاولات قد تفشل، ومع ذلك يظل الكائن الحى يسعى بكل إصرار حتى يتحقق الهدف!

فبناء على دراسات السلوك الحيوانى: لاحظ العلماء أن الأسد ينجح فقط في ربع محاولاته للصيد، أي أن 25% نجاح و75% فشل .

ومع هذه النسبة الضئيلة - التي تشاركه فيها معظم الضواري - إلا أنه من المستحيل أن ييأس فيقف عن المطاردة ...

أما الدافع الرئيسي في ذلك فلا يرجع للجوع فقط كما قد يظن البعض.. بل يرجع إلى أن الحيوانات مفطورة غريزياً على استيعاب قانون (الجهود المهدورة)

وهو القانون سائد فى الكون كله

- نصف مواليد الدببة تموت قبل البلوغ

- معظم أمطار العالم تهطل في المحيطات

- معظم بذور الأشجار تأكلها العصافير

وغيرها وغيرها من هذه الأمثلة بما لا يعد ولا يحصى

الإنسان وحده فقط هو من يتمرد على هذا القانون الطبيعي الكوني ويتوقف عن محاولة السعى بعد فشله مرة أو مرتين أو ثلاثة!

بل وربما يملأ عقله بالأوهام التى تقيده وتزيد من فشله!

ومن هذه الأوهام، "شماعة الحسد" وأن فشله بسبب حسد الآخرين له!

لكن الحقيقة الدينية والكونية هى أن: الفشل الوحيد هو "التوقف عن المحاولة" والنجاح ليس أن يكون لديك سيرة حياة خالية من العثرات والسقطات.. بل النجاح هو أن تمشي على أخطائك.. وتتخطى كل مرحلة ذهبت جهودك فيها هدرا وتبقى متطلعاً إلى المرحلة المقبلة.

ولو كان هنالك من كلمة تلخص هذا الجانب فستكون "لو عملت كل السواعد لأُطعمت كل الأفواه"

 

2- عقلية الندرة والشح:

هي أن تؤمن أن الخير والفرص محدودة (اللقمة واحدة إما أن تأكلها أنت أو يأتي أحد غيرك ليأكلها)؛ ولابد أن يكون هناك فائز وخاسر!.. فالحياة كلها صراع و حرب على الفرصة الواحدة!

ودائماً من يفكرون بهذه الطريقة، ويمارسون حياتهم وفق هذا التصور لا يمكن لهم العيش فى هدوء وسلام!

لأنهم دائماً :

- يخشون نجاح الآخرين . 

- يخشون مدح الآخرين.

- لا يشاركون غيرهم في معلومات ولا معرفة، لاعتقادهم أن غيرهم إذا نجح فهم الخاسرون حتماً!

- يخشون تعليم الناس النجاح والتطور؟ حتى لا يخسرون وظائفهم وفرصهم  بتفوق الغير!

أما الذى يفكر  بعقلية الوفرة:

- تجده هادئا مطمئناً.

- لا تهدده نجاحات الآخرين، بل يفرح بنجاحاتهم ويثني عليهم.

- يشارك الناس تجاربه ومعرفته ومعلوماته.

 

-من يفكر بعقلية "الوفرة" يرى دائماً أن الفرص كثيرة ومتكررة، أما من يفكر بعقلية "الندرة" فهو يرى أن ضياع الفرصة يعني ضياع مستقبله .

 

وغالباً ما يفكر الحاسد بعقلية الندرة، فهو ينظر إلى الفرص التي تأتي للآخرين وكأنها الفرصة الأخيرة، أو أنها سبباً في ضياع فرصته، فيبدأ بالحسد والبغض.. بينما من يفكر بعقلية الوفرة فهو يسأل الله الرزق الوفير والبركة للجميع.

ولقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما كان يناجى ربه صبحاً ومساءً

" اللهُمَّ مَا أَصْبَحَ بِي مِنْ نِعْمَةٍ أَوْ بِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِكَ، فَمِنْكَ وَحْدَكَ لَا شَرِيكَ لَكَ، فَلَكَ الْحَمْدُ وَلَكَ الشُّكْرُ، والله أعلم.