تمام الكلام.. زلازال بقوة الحياة
بينما أتابع حلقات مسلسل أرطغرل الشهير أخيرًا (سبع حلقات متواصلة)، وطبول الحرب الدموية التي اشعلتها الفتنة الإنسانية ودهائها الماكر المستفز، حيث كنت أجلس على الأريكة ذات اللون الأصفر البهيج، شعرت بهزة كونية شديدة ورجفة تملأ جسدي ودوار يأرجحني، ظننت أنه تعب قد حل بي مفاجأ، ولكن الارتعاشة زادت والإحساس بالغثيان أصابني بضيق، حينما نظرت إلى الساعة.. المطلة فوقي.. أعلى الحائط فوجدتها الثالثة وسبع دقائق فجرًا بالضبط، ولكن الغريب أن القلب الخشبي القرمزي الذي يتدلى منها، كان يتأرجح بشدة و بجواره الأبليكات المتأنقة المزركشة المضيئة، وقتها اتسعت الرؤية عندي إلى أقصى مداها، ففوجئت بالنجف الكلاسيكي البلوري الكبير الذي يتوسط الحجرة، يهتز هو الآخر بقوة، شعرت بفزع شديد، وزاد حينما أحسست بجدران الصالة كأنها توشك على الالتقاء ببعضها البعض وكأنها بموعد عاصف.
تيقنت ساعتها أنه زلزال وأنني على شفا الانهيار والسقوط السريع المريع لثوان تعدت العشرين، كنت أردد فيها الشهادتين دون توقف، رغم توقف الزلزال للحظة واحدة، فرحت بأنني قد نجوت من موت محقق، ولكن الفرحة لم تكتمل للثانية التي تلتها، إذ بالزلزال يضرب من جديد ليوقظ في قلبي الرعب، وكل أجزائي، على دقات اهتزازات كل ما يسكن الصالة من انتيكات تاريخية وزينات لامعة.. مدلاة ومعلقة على الحائط باتقان.
عاودت ترديد الشهادتين من جديد، والزلزال يهدد بضراوة ووحشية كياني كله وقد استمر لثوان عشرين أخرى، تشبه سنوات ثقال، لا تريد أن تنقضي أبدا، كأن طبول حرب أرطغرل ونيرانه، قد خرجت من التلفاز مباشرة إلى صدري.
هكذا تعلمت وعرفت في هذه اللحظة القاسية، أن الحياة والموت وجهان لعملة واحدة، لا يحتاجان إلا لثوان، يتقرر فيها مصيرنا، دون إرادة واختيار منا، لحظة واحدة تتحطم فيها كل الصراعات والحروب والمنافسات الشريفة وغير الشريفة، الطموح والأمل، الحقد والحسد، الحب والكره، فالنهايات دائمًا مفتوحة على أبواب اللا شيء.
لحظة فارقة بين الحياة واللاحياة، والموت واللاموت، لحظة تفرق كثيرًا ما بين من يموت في غمار دفء وأنفاس من يحبون من زوج أو زوجة، أولاد، أسرة، أهل، أصدقاء، جيران، ومن يموت وهو يفتقد الناس والاحتواء، حتى من أقربهم له.
فالموت أيضا.. رغم شدته.. يكون هينا بين حنايا المحبين، فهل تستحق الحياة كل هذه المكابدة والصراع الوجودي والعراك النفسي والمادي؟
فليكن الزلزال إشارة لنا وناقوس يذكرنا بمدى ضعفنا وصغرنا مهما تطاولت أعناقنا، فعلينا أن نتصالح مع أنفسنا قبل أن نتصالح مع الآخرين، وأن نستبدل الحب بالكره، والفائدة العامة قبل المصلحة الخاصة، كي ينشر السلام بيننا ونور الإيمان في قلوبنا.