"أنا لسه جاي من المستشفى كنت بأزور الأستاذ موسى ربنا يشفيه ويعافيه".. هكذا رد عليا صديقي الصدوق الذي أعرفه منذ أكثر من نصف قرن بحكم أننا نشأنا وترعرعنا في حي واحد هو مساكن زينهم.. وقتها قال لي مجدي نجيب صديق عمري في التليفون: "الغريبة أن الأستاذ موسى قال لنا حاجة غريبة قوي وكل الزملاء اللي كانوا معايا في غرفته بالمستشفى شعروا باندهاش كبير لما سمعوه بيقول نفسي أشوف صلاح عيسى!".
لم يقل لي مجدي نجيب هذا وسكت.. بل قال: بأقولك إيه يا سولم أنت مش صاحب الأستاذ صلاح وعلى علاقة قوية بيه.. أمانة عليك روح قوله الأستاذ موسى صبري نفسه يشوفك !.. وعدت صديقي مجدي، الذي تعودت أن أناديه نصف قرن باسمه الدلع (أوجا)، بأن أنقل لعم صلاح رغبة الأستاذ موسى الكبيرة في رؤيته قبل أن يرحل عن الدنيا.. كان صعبان عليا قوي أن يقول الأستاذ موسى لزواره من تلاميذه حد منكم يروح يقوله موسى صبري عاوز يشوفك.. كان صعبان عليا قوي قوي أن يطلب الأستاذ موسى هذا الطلب من تلاميذه بالأخبار، ويلح عليه ثلاث مرات خلال تلك الزيارة، التي لم تزد على 20 دقيقة!.
في سري قلت سبحان الله.. فعلًا لله في خلقه شئون.. وسرحت بسرعة أتذكر دوي وضجيج المعارك الصحفية والسياسية والكلامية الطاحنة الساخنة الممتدة بين الرجلين التي دامت وطالت لسنوات وسنوات.. يهاجم موسى صبري حزب التجمع ومن يقودون جريدته الأهالي ويطلق عليهم عبارته الشهيرة "عصابة الأربعة" قاصدًا صلاح عيسى وزوجته الأستاذة أمينة النقاش وشقيقتها الأستاذة فريدة النقاش وزوجها الأستاذ حسين عبد الرازق.. فيرد عليه الأستاذ صلاح بأسلوب لاذع وساخر ويطلق عليه وصف "كاتب السلطة".
أتذكر أنني سألت الأستاذ موسى عندما دعاه الأستاذ مكرم لحوار الأسبوع في مجلة المصور الذي استمر 7 ساعات: ماذا يمكن أن تقول عن جريدة حزب التجمع الأهالي التي تنتقدك كل أربعاء.. وماذا يمكن أن تقول لصلاح عيسى؟!
يومها.. فاجأنا الأستاذ موسى مبتسمًا بإجابة لم تكن كل أسرة تحرير المصور تتوقعها: على المستوى الشخصي أنا بحب الواد صلاح ده، وكنت أتمنى كثيرًا أن يكون معانا في الأخبار!.
لم يرد عم صلاح على اتصالي مرتين.. في الاتصال الثالث قلت له: عم صلاح.. رد جملته المشهورة: أيوه يا جميل.. الأستاذ موسى نفسه يشوفك!.. سكت شوية وطال سكوته وقال: وأنا كمان نفسي أشوفه بس مش قادر.. مش قادر أشوفه وهو عيان قوي كده.. الأستاذ موسى كان يتحدث بإجادة وحرفنة كما يكتب بإجادة وحرفنة.. تحس كده أن موسى صبري معجون بمية عفاريت.. معجون بعجينة أهل اليسار والشيوعيون.. كانت بيننا يا سولم كيمياء من نوع خاص.. وسكت عم صلاح فجأة ولم يكمل.. ما أقدرش أزوره أبدًا وهو في الحالة الصعبة دي.. وراح عم صلاح في نوبة بكاء شديدة لم أكن أتوقعها.. وغاب صوته عني وسط نحيبه.. فوضعت سماعة التليفون!.