«حياة على كوكبنا» .. كاتب بريطاني يحذر من كوارث بيئية من صنع البشر
إن عالم الأحياء هو أعجوبة فريدة ومذهلة، لكن الطريقة التي نعيش بها نحن البشر على الأرض تجعله يتدهور من سيئ إلى أسوأ، لقد اجتاح الجنس البشري العالم، وتم استبدال البري بالمرّوض، الطبيعي بالصناعي، كوكبنا يتجه نحو كارثة، وعلينا أن نتعلم كيف نعمل مع الطبيعة، وليس ضدها، هكذا يرى صانع الوثائقيات والمُذيع التلفزيونيّ والكاتب البيئي البريطاني ديفيد أتينبارا في كتابه "حياة على كوكبنا.. إفادتي كشاهد ورؤية للمستقبل"، ما حل بعالمنا اليوم ومن ثم يقدم يشكل شهادة ورؤية للمستقبل، توضح الكيفية التي تسبب فيها البشر في التغيرات المناخية الكارثية التي حدثت وما لحق بالطبيعة وكائناتها من جرائها، وتعتمد على أفكار وآراء وأبحاث لأشخاص من مجالات ومنظمات كثيرة. انطلاقا من تساؤل: كيف تأتَّى لنا أن نصنع هذا، خطأنا الأكبر، وكيف يمكننا تصحيحه، لو بدأنا بالعمل الآن".
يقول أتينبارا في كتابه المشترك مع جوني هيوز صانع الأفلام التلفزيونية المتخصص في التاريخ الطبيعي، والذي ترجمه عبد الرحيم يوسف وصدر عن دار جليس الكويتية "بينما أكتب هذا، أنا في الرابعة والتسعين. لقد عشت حياة هي الأكثر استثنائية. والآن فقط أُقدّر كم كانت استثنائية. لقد كنت محظوظا بما يكفي لأن أقضي حياتي مستكشفا الأماكن البرية في كوكبنا وصانعا أفلاما عن المخلوقات التي تعيش فيها.
وتابع، في عملي ذاك، سافرت على نطاق واسع حول العالم. لقد اختبرت العالم الحي خبرة مباشرة في كل تنوعه وروعته، وشهدت بعضا من أعظم مشاهده وأكثر صراعاته الدرامية إثارة. وأنا صبي، حلمت - مثل كثير من الصبيان الآخرين - بالسفر إلى أماكن نائية وأكثر برية لأشاهد العالم الطبيعي في حالته البكر، بل ولأجد حيوانات جديدة يجهلها العلم. والآن، أجد من الصعب أن أصدق أني تمكنت من قضاء كل هذا القدر من حياتي وأنا أفعل هذا بالضبط.
ويشير أنه ""كلنا أهل بريبيات الآن. نعيش حيواتنا المريحة في ظل كارثة من صنع أيدينا. تلك الكارثة تأتي بها الأشياء ذاتها التي تسمح لنا بعيش حيواتنا المريحة. ومن الطبيعي جدا أن نستمر في هذا الطريق حتى يأتي سبب مقنع كي لا نفعل ذلك وخطة جيدة جدا من أجل بديل. لهذا كتبت هذا الكتاب. إن العالم الطبيعي يخبو ويتلاشى. والدليل في كل شيء حولنا. لقد حدث هذا خلال حياتي. لقد رأيت هذا بعينيّ الاثنتين. وسيؤدي هذا إلى هلاكنا. لكن ما زال هناك وقت لإطفاء المفاعل. وهناك بديل جيد".
ويضيف أتينبارا أنه "يوم 26 أبريل من عام 1986، انفجر المفاعل رقم 4 في محطة الطاقة النووية (فلاديمير إيلييتش لينين) المعروفة للجميع اليوم باسم "تشيرنوبل". كان الانفجار نتيجة لتخطيط سيء وخطأ بشري. كانت هناك عيوب في تصميم مفاعلات تشيرنوبل. ولم يكن طاقم التشغيل على علم بهذه العيوب، وبالإضافة إلى هذا كانوا مهملين في عملهم. انفجرت تشيرنوبل بسبب الأخطاء؛ أكثر تفسير إنساني لكل شيء. انبعثت مواد مشعة أكثر أربعمائة مرة من تلك التي قذفتها قنابل هيروشيما وناغازاكي مجتمعة فوق مساحة كبيرة من أوروبا محمولة على الرياح العالية.
ويؤكدا أنه من المحزن أن هذا ليس صحيحا. ثمة شيء آخر يتكشف في كل مكان عبر الكوكب، لوحظ بالكاد من يوم للآخر طوال فترة كبيرة من القرن الماضي. يحدث هذا أيضا نتيجة للتخطيط السيء والخطأ البشري. ليست حادثة بائسة واحدة، بل نقص مدمر في الاهتمام والفهم يؤثر على كل شيء نفعله. لم يبدأ بانفجار واحد. لكنه بدأ في صمت، قبل أن يدركه أي أحد، نتيجة لأسباب متنوعة وعالمية ومعقدة. لا يمكن اكتشاف تداعياته بأداة واحدة. لقد تطلب الأمر مئات الدراسات عبر العالم لتأكيد أنه يحدث أصلا. ستكون تأثيراته أعمق بكثير من التلوث الإشعاعي للتربة والمجاري المائية في بضع بلاد تعيسة الحظ – فبإمكانه في النهاية أن يؤدي إلى زعزعة وانهيار كل ما نعتمد عليه".
ويلفت أتينبارا إلى أن "الانحدار المتسلسل لتنوع كوكبنا البيولوجي. من أجل أن تزدهر الحياة بالفعل على هذا الكوكب، لا بد أن يكون هناك تنوع بيولوجي هائل. فقط عندما تحقق مليارات الكائنات الحية الفردية المختلفة أقصى استفادة من كل مورد وفرصة تقابلها، وتعيش مليارات الأنواع حيوات تتشابك كي يساند أحدها الآخر؛ يمكن لهذا الكوكب أن يدور بكفاءة. كلما زاد التنوع البيولوجي، كلما صارت الحياة كلها على الأرض أكثر أمنا، ويشملنا هذا الأمر نحن أنفسنا. لكن الطريقة التي نحيا بها نحن البشر على الأرض الآن تلقي بالتنوع البيولوجي نحو الهاوية".
ويرى أننا "نحن جميعا مذنبون لكن، وهذا يجب أن يقال، الذنب ليس ذنبنا. فقط في العقود القليلة الماضية وصلنا إلى فهم أن كل واحد منا قد وُلد في عالم بشري كان دائما غير مستدام على نحو متأصل. لكن الآن بعد أن عرفنا هذا، لدينا اختيار نقوم به. يمكننا الاستمرار في عيش حيواتنا السعيدة، حيث نربي عائلاتنا، ونشغل أنفسنا بالمساعي الشريفة في المجتمع الحديث الذي بنيناه، وفي نفس الوقت نختار أن نتغافل عن الكارثة المنتظرة على عتبة بابنا. أو يمكننا التغيير، لقد أدرك الكثيرون منهم مخاطر العيش بهذا القرب منها، لكني أشك إن كان أي واحد منهم كان ليختار أن يطفئ المفاعلات. كانت تشيرنوبل قد جلبت لهم تلك السلعة الثمينة: حياة مريحة".