حددت وزارة الأوقاف موضوع خطبة الجمعة اليوم 10 رجب 1443هـ الموافق 11 فبراير 2022م تحت عنوان: "مخاطر الطلاق".
وشددت وزارة الأوقاف على جميع الأئمة الالتزام بموضوع الخطبة نصا أو مضمونا على أقل تقدير، وألا يزيد أداء الخطبة عن عشر دقائق للخطبتين الأولى والثانية مراعاة للظروف الراهنة.
خطبة الجمعة اليوم
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، القائلِ في كتابِهِ الكريمِ ((وَالصُّلْحُ خَيْرٌ))، وأشهدُ أنْ لا إِلَهَ إِلّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، وأشهدُ أنَّ سيدَنَا محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ، اللهم صلِّ وسلمْ وباركْ عليهِ، وعلى آَلِهِ وصحبِهِ، ومَن تبعَهُم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ.
وبعدُ:
فقدْ جعلَ الإسلامُ للحياةِ الزوجيةِ قدسيةً خاصةً، ومكانةً ساميةً، وسنَّ مِن الحقوقِ والواجباتِ والآدابِ ما يضمنُ استقرارَهَا، وترابطَهَا، وتماسكَهَا، واستدامتَهَا في إطارِ السكنِ ، والمودةِ ، والرحمةِ ، والاحترامِ المتبادلِ ، حيثُ يقولُ الحقُّ سبحانَهُ: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) ، ويقولُ نبيُّنَا (ﷺ): (خيرُكُم خَيرُكُم لأَهْلِهِ) .
والمتأملُ في القرآنِ الكريمِ يجدُ أنَّ اللهَ (عزَّ وجلَّ) قد سمَّي الزواجَ ميثاقًا غليظًا؛ ليدلَّ على وجوبِ احترامهِ، وليحَذِّرَ مِن خطورةِ هدمِهِ ونقضِهِ، حيثُ يقولُ اللهُ (عزَّ وجلَّ): (وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا).
وقدْ دعتْ الشريعةُ الإسلاميةُ الزوجينِ إلي أنْ ينظرَ كلٌّ منهما إلي شريكِ حياتِهِ بعينِ الإنصافِ، ويتأملَ جوانبَ الخيرِ فيهِ، ويتبصرَ مزايَا الإبقاءِ علي الحياةِ الأسريةِ مِن السكنِ والاستقرارِ النفسِي والسلوكِي، وسعادةِ الذريةِ، حيثُ يقولُ سبحانَهُ: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) ويقولُ نبيُّنَا (ﷺ) : (لا يَفْرَكْ (أي : لا يكره ) مؤمنٌ مؤمنةً؛ إنْ كَرِهَ منها خُلُقًا، رَضِيَ منها آخَر)، فالكمالُ للهِ وحدَهُ، والعصمةُ لأنبيائِهِ ورسلِهِ، وللهِ درُّ القائلِ: وَمَن ذا الَّذِي تُرْضَى سَجايَاهُ كُلُّهَا ****كَفَى المَرءَ نُبلًا أَنْ تُعَدَّ مَعايِبُهْ
ومما لا شكَّ فيه أنَّ الحياةَ الزوجيةَ قدْ تعترِيهَا بعضُ وجهاتِ النظرِ التي قد تنالُ من الصفاءِ الأسريِّ ، لذلك نجدُ أنَّ القرآنَ الكريمَ قد وضعَ العلاجَ الناجعَ لهَا ، وبيَّنَ أنَّ الخيرَ كلَّهُ في الصلحِ والتوافقِ والتراضِي والإحسانِ،
حيثُ يقولُ سبحانَهُ: (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا ۚ وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ۗ وَأُحْضِرَتِ الْأَنفُسُ الشُّحَّ ۚ وَإِن تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا)، وإنْ تطلبَ الأمرُ تَدَخُلَ أهلِ الزوجينِ مِن أصحابِ العقلِ والحكمةِ والخبرةِ والصلاحِ والتقويَ فليكنْ تدخلًا كريمًا بنيةِ الإصلاحِ وإزالةِ أسبابِ الخلافِ، حيثُ يقولُ تعالي: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا)، وفي ذلك الأجرُ العظيمُ عندَ اللهِ (عزَّ وجلَّ)، حيثُ يقولُ سبحانَهُ: (لَّا خَيْرَ فِى كَثِيرٍۢ مِّن نَّجْوَىٰهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَٰحٍ بَيْنَ ٱلنَّاسِ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِ ٱللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا)، ويقولُ نبيُّنَا(ﷺ) : (أَلَا أَدُلُّكُم على أَفْضَلَ من درجةِ الصلاةِ والصيامِ والصدقةِ ؟ قالوا : بلى يا رسولَ اللهِ ، قال : إصلاحُ ذاتِ البَيْنِ) .
أمَّا إذَا وصلَ الأمرُ إلي الظنِّ باستحالةِ الاستمرارِ في الحياةِ الزوجيةِ فقدْ أرشدَتْ الشريعةُ إلي التروِّي حتي تهدأَ العاصفةُ ، وتلينَ القلوبُ، وتصفُوا الأنفسُ، ويُحَكَّمَ العقلُ، فتحدثُ المراجعةُ، ويعودُ الوفاقُ، حرصًا علي استمرارِ الكيانِ الأسريِّ.
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصلاةّ والسلامُ علي أشرفِ الخلقِ سيدِنَا محمدٍ وآلِهٍ وصحبِهِ أجمعين.
لا شكَّ أنَّ الطلاقَ تدميرٌ لبيتٍ أمرَ الشرعُ أنْ يُبنَي علي أساسٍ مِن السكنِ والمودةِ والرحمةِ، كمَا أنَّهُ يحملُ العديدَ من المخاطرِ والآثارِ السلبيةِ على الأسرةِ، وعلى المجتمعِ، ولا سيَّمَا الأبناءُ بما يسببُ لهم انفصالُ الوالدينِ مِن مشكلاتٍ نفسيةٍ، واجتماعيةٍ، واقتصاديةٍ، يفتقدُون معها مقوماتِ التربيةِ الحسنةِ، والتنشئةِ السليمةِ بسببِ ذلك التفككِ الأسريِّ، مما يجعلُهُم عرضةً للاضطرابِ النفسِي، والتأخرِ الدراسِيّ فيسهلُ انحرافُهُم السلوكِي أو استقطابُهُم وأدلجتُهُم مِن قبلِ جماعاتِ التطرفِ والعنفِ والإرهابِ، لذا فإنَّ الشيطانَ يعملُ عملَهُ علي إغواءِ أيٍّ مِن الزوجينِ لتدميرِ بنيانِ الأسرةِ، يقولُ نبيُّنَا (ﷺ): (إنَّ إبليسَ يضعُ عرْشَه على الماءِ، ثم يَبْعَثُ سَرايَاهُ، فأدْنَاهُم منهُ منزِلةً أعظمُهُم فتنةً، يجيءُ أحدُهُم فيقولُ: فعلتُ كذَا وكذَا، فيقولُ: ما صنعتَ شيئًا. قال: ثم يجيءُ أحدُهُم فيقولُ: ما تركتُهُ حتى فَرَّقتُ بينَهُ وبينَ امرأتِهِ، قال: فيُدْنِيهِ منهُ ويقولُ: نِعْمَ أنتَ)، مِمَّا يتطلبُ منا الفطنةُ واليقظةُ والعملُ علي الإفلاتِ من حبائلِ الشيطانِ.
فمَا أجملَ أنْ يسودَ الوفاقُ والاحترامُ والحبُّ بينَ أفرادِ الأسرةِ جميعًا ، حتّي يتحققَ الترابطُ والاستقرارُ بينَ المجتمعِ كلِّهِ .