مصر وفرنسا.. علاقات استراتيجية وتفاهم مشترك في عهد السيسي
تتميز العلاقات المصرية الفرنسية بالعمق التاريخي حيث تعود لنحو قرنين مضت، وظلت تتنامى العلاقات وتأخذ أبعادا جديدة من التعاون والتقارب بين الجانبين منذ تولي الرئيس عبدالفتاح السيسي الحكم في 2014، وظل هناك تقاربا بين الجانبين من خلال الزيارات المتبادلة والمباحثات الثنائية لتعميق أوجه التعاون في كل المجالات.
ووصل الرئيس عبد الفتاح السيسي اليوم إلى مدينة بريست الفرنسية للمشاركة في قمة "محيط واحد"، والتي تأتي في إطار سلسلة قمم تُعني بالموضوعات البيئية ينظمها الجانب الفرنسي بمبادرة من الرئيس "إيمانويل ماكرون" منذ عام 2017، حيث تأتي القمة في ظل ما يتعرض له المحيط لضغوط جمة، مثل آثار تغير المناخ، والتلوث، ولا سيما ذلك الناجم عن البلاستيك، والاستغلال المفرط للموارد البحرية، مع إنّه ينظم التوازنات البيئية الرئيسة، ولا سيما توازنات المناخ، ويوفر الموارد الغنية بشتى أنواعها، ويمثل الناقل الرئيس للتبادل الاقتصادي، وهمزة الوصل الأساسية بين البلدان والمجتمعات البشرية.
تاريخ العلاقات المصرية الفرنسية
وعلى مدى أكثر من قرنين من الزمان، شهدت العلاقات بين البلدين محطات عديدة لكنها ظلت عميقة وقوية، فخلال الفترة ما بعد الحملة الفرنسية على مصر حتى حرب السويس عام 1956، شهدت العلاقات قدرا من التوتر، لكنها ظلت متينة ومتعددة المجالات في التعاون سواء الثقافي أو الصناعي أو العلمي، حيث ينسب للبعثة الفرنسية الفضل في فك جهود حجر رشيد.
وبعد الستينيات من القرن الماضي بدأت العلاقات تشهد أوجها عديدة للتعاون الاقتصادي، والتجاري، والتقني على المستوى الثنائي، فشهد التعاون الثنائي بين البلدين استثمارات مباشرة وتبادل تجاري وتمويل تفضيلي، بجانب تعاونا على المستوى العسكري والثقافي والعلمي والتعليمي.
العلاقات المصرية الفرنسية في عهد السيسي
وشهدت العلاقات الفرنسية المصرية تقاربًا ملحوظًا في عهد الرئيس السيسي، حيث بلغ عدد الزيارات الرسمية بين البلدين أكثر من 20 زيارة على مستوى رؤساء ووزراء وكبار المسئولين منذ نوفمبر 2014، عكست جميعُها تقاربًا في وجهات النظر إزاء القضايا الثنائية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، والأزمة الليبية.
كما أكدت المباحثات المصرية الفرنسية رغبة البلدين في تقوية شراكتهما التي تمتد عبر قرنين من الزمان في المجالات الاقتصادية، والعسكرية، والثقافية ويمكن رصد أهم الزيارات الرسمية المتبادلة للتأكيد علي محورية العلاقات بين البلدين، حيث يجري حوارا سياسيا وثيقا بين فرنسا ومصر بشأن القضايا الإقليمية كعملية السلام في الشرق الأوسط أو ليبيا أو حتى أفريقيا، كما تلعب مصر دورا أساسيا وشريكًا مع فرنسا في مكافحة الإرهاب.
وتمثّل فرنسا شريكًا اقتصاديًا بالغ الأهمية لمصر، كما تعد مصر أكثر إثارة للاهتمام بالنسبة للشركات الفرنسية، كما تعزز في الآونة الأخيرة خاصة في عهد الرئيس السيسي الحضور الاقتصادي الفرنسي في مصر بفضل الاتفاقيات التي أبرمت بين الجانبين وحجم الاستثمارات الفرنسية في مصر وتنوعها.
وفي أكتوبر الماضي، وقعت مصر مع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية مذكرة تفاهم لتدشين برنامج قطري مدته 3 أعوام، بين مصر و"منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية"، وذلك بمقر المنظمة في باريس، حيث يعد البرنامج مرجعا أساسيا للمعلومات.
وفقا لمذكرة التفاهم التي تم توقيعها، يتضمن البرنامج القطري تصورا للتعاون بين الجانبين، في 35 مشروعا، ويعتمد ذلك على 5 ركائز تتناول موضوعات محددة.
وتعزز في الآونة الأخيرة الحضور الاقتصادي الفرنسي في مصر بفضل وجود 160 فرعًا لمنشآت فرنسية توظّف أكثر من 50 ألف شخص، كما تحتل المنشآت الفرنسية مكانة قوية في القطاعات الواعدة في الاقتصاد المصري مثل الصناعة والصناعة الزراعية والأجهزة الكهربائية والصيدلة والتوزيع واستغلال المحروقات والسياحة والبنى التحتية.
ويُثبت إبرام الاتفاقات الرمزية لمنشآتنا جودة العلاقات الاقتصادية الفرنسية المصرية، ففي قطاع النقل يُعدّ مترو الأنفاق في القاهرة مشروعًا بارزًا من مشاريع التعاون الثنائي، وأسهمت فيه المنشآت الفرنسية إسهامًا كبيرًا ولا سيّما بفضل دعم مالي فرنسي استثنائي (أكثر من ملياري يورو من التمويلات الميسّرة منذ عام 1980).
برنامج زيارة الرئيس السيسي لفرنسا
وصرح المتحدث الرسمي باِسم رئاسة الجمهورية بأن مشاركة الرئيس في هذا الحدث الهام تأتي تلبيةً لدعوة الرئيس الفرنسي "ماكرون" ضمن عدد محدود من رؤساء الدول والحكومات المهتمين بالعمل الدولي لمواجهة التدهور البيئي، وذلك فى ضوء العلاقات الوثيقة والمتنامية التى تربط بين مصر وفرنسا، فضلاً عن الدور المصري الحيوي إقليمياً ودولياً في إطار الجهود والمبادرات الساعية لمواجهة ظاهرة تغير المناخ وحماية البيئة البحرية، والذي سيتوج باستضافتها للدورة الـ 27 لمؤتمر أطراف تغير المناخ في مدينة شرم الشيخ في نوفمبر من العام الجاري.
وأوضح المتحدث الرسمي أن الرئيس يعتزم التركيز خلال أعمال قمة "محيط واحد" على تأثير تغير المناخ على التوازن البيئي في البحار والمحيطات والمناطق الساحلية، ومن ثم اعتزام مصر إلقاء الضوء خلال قمة تغير المناخ في شرم الشيخ على الدور الذي يمكن للمحيطات أن تلعبه في خفض الانبعاثات والمساهمة في بناء اقتصاديات مُنخفضة الكربون، بالإضافة إلى أهمية تعزيز جهود خفض الانبعاثات في قطاع النقل البحري والتي تساهم في تنفيذ أهداف اتفاق باريس لتغير المناخ.
كما يتضمن برنامج زيارة الرئيس إلى فرنسا عقد مباحثات قمة مع الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون"، وذلك لبحث سبل تعزيز العلاقات الثنائية التي تشهد طفرة نوعية خلال الأعوام الأخيرة، بما يحقق المصالح المشتركة للدولتين والشعبين الصديقين، فضلاً عن مواصلة المشاورات والتنسيق المتبادل حول عدد من الملفات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.
ويجتمع الرئيس أيضاً على هامش الزيارة بعدد من رؤساء الدول والحكومات، وذلك للتباحث حول دفع أطر التعاون الثنائى والتشاور حول مختلف القضايا الإقليمية والدولية.