رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


جنون الفلاسفة!

17-2-2022 | 11:01


أسعد سليم,

هل نحاسب المبدع على أفكاره وأعماله التي قدمها أم نحاسبه علي سلوكه الشخصي الذي يقترف؟ هل يؤثر تقييمنا للفكر بالسلوك الفردي للمفكر؟.. وهل تستحق الحياة رغم قصرها ودناءتها أن نقوم بتقديس بعض الشخصيات التي قدمت لنا إبداعًا أو فكرًا فريدًا غير مسبوق؟

يحاول كتاب "جنون الفلسفة" لمؤلفيه نايجل رودجرز وميل ثومبتون وترجمة متيم الضائع محاولة الإجابة عن تلك الأسئلة، طارحًا العديد من زلات الفلاسفة الكبار وأفعالهم المخزية حتى نتذكر دائمًا أن النفس العاقلة المفكرة والتي تبدو لنا بعظمتها وشموخها ليست بريئة إلي ذلك الحد، وليس الهدف من ذلك تحقير ودحض فلسفاتهم بل لنتيقن أننا جميعًا نحمل بداخلنا بذور الخير والشر وليس معني أنني فيلسوف عظيم أنني في الوقت ذاته صاحب سلوك شخصي سوي.

فها هو جان جاك روسو (١٧١٢-١٧٧٨) مؤلف "العقد الاجتماعي" وكتاب التربية الشهير "إيميل" ورواية "جولي" التي كانت أكثر الكتب مبيعًا في حينها، الداعي للعودة إلي الطبيعة والبراءة الأولي، ورمز الثورة الفرنسية الأكبر، تخيل أن هذا العقل الساحر كانت تصرفاته بنفس القدر من الدناءة، فملك كتاب تربية الأطفال أنجب خمسة أولاد وألقي بهم جميعًا في ملجأ للأيتام حتي توفاهم الله على فترات متقاربة وسريعة ولم يسأل روسو عنهم أبدًا، الرجل الذي مل من دعوتنا للعودة إلي الطبيعة والعيش في الصحراء والغابات دون قوانين سوي قوانين الطبيعة كان يسكن في القصور ويعيش في رفاهية كبيرة، لم يكن روسو يمتلك تلك القصور لكنه كان يعيش علي أعطيات الملوك والأرستقراطيين الذين تنكر لهم لاحقًا وعض أياديهم التي مدت له بكل خير بإقامة علاقات غرامية مع زوجاتهم، تلك العلاقات التي اشتهر بها روسو وكان دائم التبديل بينهن، لكنه في الوقت ذاته كان مازوشيًا لا يصل للنشوة الجنسية إلا بعد تعذيبه الجسدي والمعنوي.

 لقد استغل روسو كثيرا من النساء ليقوموا بالإنفاق عليه مقابل بيع جسده لهن.. عانى روسو في حياته من البارانويا ونظرية الارتياب، الأب المؤسس للحركة الرومانسية والمفكر العظيم الذي دعا إلى تغليب المشاعر علي الفكر، ورمز الثورة الفرنسية العظيمة، لم يكن في سلوكه الشخصي بكل تلك العظمة.

أما آرثر شوبنهاور( ١٧٨٨-١٨٦٠) فقد قاطع والدته وأخته مقاطعة تامة، حتي أنه لم يقابل أمه آخر عشرين عامًا في عمرها، وعندما تعثرت أسرته ماليًا ظل في خلاف قانوني معهم حتي لا يساعدهم، ورغم أن شوبنهاور كان ميسور الحال إلا أنه كان يخشي كثيرًا علي أمواله وكان يخبأ بعضها في منزله والبعض الآخر في البنك لكنه يستدعي موظف البنك بشكل شبه يومي ليقوم بعد الأموال والتأكد من أنها لم تسرق، كان علي خلاف مع إحدى جاراته التي اتهمته بأنه ألقاها من علي الدرج حتي كسرت أضلاعها وبالفعل كسبت القضية وتم تغريمه مبلغ شهري وعندما توفيت فرح شوبنهاور، كان لديه علاقات نسائية متعددة، أشهرها من إحدى الممثلات الألمانيات التي كانت تقوم بعلاقات غرامية متعددة في نفس التوقيت وأنجبت طفلة واشترط عليها شوبنهاور التخلي عنها حتي تذهب معه بعيدًا عن وباء الكوليرا، أنجب شوبنهاور طفلا من علاقة غير شرعية ولم يهتم به كثيرًا حتي توفي صغيرًا.

أما الفيلسوف الألماني نيتشه (١٨٤٤-١٩٠٠) فمارس قطيعته مع أقرب وأكمل أصدقائه له وهو الموسيقار فاجنر وتهجم عليه بشكل فاحش، علاقته المضطربة بالحب الوحيد في حياته (لو سالومي) والصورة التي انتشرت وهي تمسك الكرباج في إشارة لعلاقة جنسية ثلاثية، إصابته بمرض السفلس والمفترض أنه نتيجة علاقات غير شرعية عندما ذهب لبيت الدعارة، علاقاته المضطربة مع النساء وقسوته عليهن نتيجة فشل علاقته الغرامية بسالومي ففسدت علاقته مع والدته وأخته، كل ذلك أدى في النهاية لجنونه.

أما برتراند راسل (١٨٧٢-١٩٧٠) حيث كانت تحفته الأولي مبادئ الرياضيات وتحفته الثانية تاريخ الفلسفة الغربية لهما تأثير كبير جدًا علي الحياة البشرية بشكل مؤكد، راسل الذي كان عنوانًا للسلام والمحبة والرافض للحروب النووية والحائز علي نوبل في الآداب كان مشهورًا بلقبي الفيلسوف الخليع وبيرتي القذر، تزوج خمس مرات وأقام العديد من العلاقات غير الشرعية خارج مؤسسة الزواج، عاش مدفوعًا بمشاعر خوف عميقة من تحوله وأسرته للجنون بدافع الوراثة حيث أن الأسرة لها تاريخ مرضي شهير مع الجنون، ابن راسل الأكبر "جون" كان مثليا ثم تزوج من أجل التخلص من المثلية وأنجب بنتين ثم أصبح مجنونًا ولم يره راسل لمدة عشرين عاما، أما حفيدتي راسل فإحداهما أصيبت بالفصام والأخرى انتحرت حرقًا بعد إصابتها بالجنون، عاش راسل ٩٧ عامًا معظمها بعلاقات نسائية متعددة غير شريفة منها زوجة الشاعر ت. س. إليوت وكسر قلوب العديد من النساء حتي انتحرت إحداهن، تكاسل راسل عن إكمال طريقه الفلسفي بعد مبادئ الرياضيات واهتم بالجنس علي حساب الفلسفة.

أما لودفيج فنجشتاين (١٨٨٩-١٩٥١) الذي كان أثرى شاب في أوروبا فقد كان مثلي الجنسية وعاش معذبًا بهذا المرض، كان يمسك بقضيب تسخين الفحم أثناء بعض الحوارات للتخويف، كان شديد النرجسية والغضب، وكان يعتقد أن من لم يتفق معه فهو من الأغبياء.

بينما الفيلسوف مارتن هيدجر ( ١٨٨٩-١٩٧٦) صاحب الكينونة والزمان ثم فكرة فلسفة التأطير، كان مثله الأعلى الفيلسوف اليهودي ادموند هوسرل وأهداه كتابه الكينونة والزمان بينما كان حبه الأكبر "حنا أرنديت" اليهودية فعاملها بما لا يليق بها، ثم أصبح فيلسوف النازية ومفكر الثقافة الوطنية الألمانية فتبرأ من هوسرل وأزال إهداءه له من علي كتابه الكينونة، وحرمه من استخدام مكتبة الجامعة وتعامل معه بما يليق بأفعال رجل خسيس تجاه صديقه وملهمه، كما تخلي عن اليهودية عشيقته أرنديت فهربت الي أمريكا، لم يمانع الهولوكست، وابتعد عن صديقه الألماني جاسبرز لأن زوجته يهودية وتركهما للرعب وكانا يحملان أدوية للانتحار إن تم القبض عليهما لأنهما يهود، بعد فشل المشروع النازي لم يجد من يقف بجواره سوي جاسبرز وأرنديت! لكنه لم يعتذر عن أفكاره، وقال بأن مشروع النازية كان لمواجهة التكنولوجيا المسيطرة مقابل الإنسان.

أما جان بول سارتر( ١٩٠٥-١٩٨٠) فهمه الأكبر كان زيادة رقعة حظيرة النساء التي يمتلكها، عمل علاقات عديدة مع نساء مختلفات واتخذ عشيقات عديدات، اتفق مع سيمون دي بوفوار عشيقته الأبدية علي الحرية الجنسية فيما بينهما وكثيرًا ما قاما بعمل جلسات جنسية ثلاثية بتدبير وعن عمد، كما أن دي بوفوار كانت مثلية الجنس وأيضا طبيعية، دافع سارتر عن وحشية الاتحاد السوفيتي وطغيانه في الستينات رغم تعارض ذلك مع أبسط مفاهيمه عن الوجودية، اعتذر لاحقًا عن ذلك بتبرير سخيف وهو كرم ضيافة السوفييت له، كتب نقد لألبير كامو استخدم فيه معرفته الذاتية وصداقته به بطريقة مقززة وذلك فقط لأنهما اختلفا في الرأي، رفض سارتر جائزة نوبل في الآداب وذلك رفضًا لكل أشكال البرجوازية التقليدية ولم يتزوج من دي بوفوار لنفس السبب.

أما ميشيل فوكو ( ١٩٢٦-١٩٨٤) الذي استنتج الإبستيمية أي المفاهيم التي تسيطر علي عصر ما والتي منها يمكن فهم ذلك العصر وفهم من كتبوا عنه، فكتابه "نظام الأشياء دراسة تاريخية للعلوم الإنسانية" والذي تم ترجمته بالعربية الي "الكلمات والأشياء "كان تحفة فريدة.

لكن فوكو نفسه كان مثلي الجنسية وشاذًا ساديًا ومازوشيًا، كان يذهب إلي حمامات سان فرانسسيكو لممارسة فحشه، عاش مهووسًا بالجنس ومات بالإيدز ولم يخبر أحد بمرضه بل إنه خاطر بحياته وبحياة الآخرين ومارس المثلية وهو مصاب بالإيدز.

هذه نماذج فلسفية قدمت للإنسانية أعظم أفكارها وبالوقت ذاته كان سلوكها الفردي مقززًا، فهل يجعلنا ذلك أن نكف عن تقديس الأشخاص مهما كانوا!