الأدب الإسلامي.. مصطلح جانبه الصواب
في نهايات عام 2012 كلفني الراحل العظيم صلاح عيسى (رئيس تحرير جريدة القاهرة آنذاك) بإجراء حوارٍ مع أحد أقطاب "الأدب الإسلامي"، وعلى الفور صعد إلى ذهني د. سعد أبوالرضا ـــ رحمة الله عليه ـــ فالرجل أستاذ جامعي وقامة سامقة تشهد له الدوائر الأكاديمية والثقافية داخل مصر وخارجها، ومعروف بالطيبة ودماثة الخُلق، وعلاقته بهذا الأدب وثيقة، فهو عضو برابطة الأدب الإسلامي العالمية، وسبق أن عمل مديرًا ثم نائبًا لرئيس تحرير مجلة الرابطة والتي تصدر من العاصمة السعودية (الرياض).
وقبل مغادرتي لمقر جريدة القاهرة (بالمجلس الأعلى للثقافة) وجدتُني أُخرج من حقيبتي هاتفي وأُسْرِع بالاتصال بدكتور سعد والذي تلقى مكالمتي ـــ كعادته ـــ بحفاوة كبيرة، استأذنتُه في تحديد موعد لإجراء حوار عاجلٍ معه، ولم يتردد الرجل ورحب مبتهجًا، لألتقي به بمكتبه بكلية آداب بنها، ودار حوارًا ساخنًا أشاد به المؤيدين لهذا الأدب والمعارضين له.
وفي البداية سألته: نود أن نعرف مفهومكم لمصطلح الأدب الإسلامي؟
وأجاب: رغم وجود عدة مفاهيم له فهو ـــ كما اتفقت عليه رابطة الأدب الإسلامي العالمية ـــ الكلمة الجميلة المعبرة عن الإنسان والكون والحياة وفق التصور الإسلامي.
وبدوري رُحت أسأله: ولكن البعض يرى هذا المفهوم فضفاضًا، بمعنى أنه يمكن أن ينسحب على كتاباتٍ أخرى ترونها غير إسلامية؟
وأجابني الدكتور: ما أكثر النصوص التي ينطبق عليها هذا المصطلح من شعر وقصة ومسرحية، ... وهو حُكم ـــ بالدرجة الأولى ـــ على الكلام وليس على المتكلم.
وسارعت بسؤاله: ما دام الأدب الإسلامي هو حُكم على النص وليس على مؤلفه فماذا لو أن كاتبًا غير مسلم كتب رواية ـــ مثلًا ـــ ينطبق عليها مفهوم المصطلح، فهل تندرج تحت مايسمى بــ "الأدب الإسلامي"؟
ولم يفقد الرجل هدوءه، وقال: هنا تُسمى بالأدب الموافق، ولا نسميه أدبًا إسلاميًا، وهذه التسمية وضعها دكتور عبدالقدوس أبوصالح رئيس الرابطة، فهناك أدب إسلامي، وأدب موافق، وأدب مخالف.
وأكتفي ـــ هنا ـــ بهذا الجانب من الحوار الذي نشرته جريدة "القاهرة" بعددها الصادر في الثامن من يناير عام 2013، فقد أردتُ أن أبين للمتلقي حقيقة هذا الأدب من خلال أقطابه الداعمين له والمؤيدين.
وبحسب تصوري فإن مصطلح الأدب الإسلامي قد يشجع الآخرين على طرح مصطلحات أخرى مناهضة مثل: الأدب المسيحي واليهودي والبودي وغيرها، فتصير الآداب ـــ بذلك ـــ موُضِع صراعات، ووقتها ربما يظهر لنا "هنتنجتون" جديد لا ليكتب ـــ هذه المرة ـــ عن صراع أو صدام الحضارات، لكنه سيكتب ـــ حتمًا ـــ عن صراع الآداب وصدامها، ويتحول الأدب من فنٍ إنساني إلى صراع عقائدي وطائفي، يغيب عنه الروح النوراني، ويسوده التعصب الثقافي.
إن وظيفة الأدب ـــ بشكل عام ـــ تتمثل في سبر أغوار الإنسان ـــ بصرف النظر عن دينه ولونه ولسانه وجنسه ـــ والإشارة إلى أوجاعه وآلامه ومعانته، لعل المتلقي على يجد حلولًا مناسبة.
والأدب ــ عامة ـــ لا ينحاز سوى للنفس الإنسانية التي تحتاج ـــ دومًا ـــ إلى مد يد العون لها.
والأدب الحقيقي يبحث عن قيم الحب والخير والجمال وينتصر للعلاقات السويَّة.
والأدب الراقي يشجب ويدين ـــ بطرائق فنية ـــ كل مامن شأنه النَّيْل من إنسانية الإنسان.
والأدب الجميل يحترم حرية الجميع في الدين والتَّوجه والتعبير.
والأدب إنساني أولًا وأخيرًا وهو ـــ بكل ذلك ـــ لا يحتاج إلى مصطلحات تنسبه للأديان والعقائد، لأنه في هذه الحالة سوف يتحول إلى مناطق صراعات وصدامات، ولن يكون الخاسر منها ـــ في النهاية ـــ سوى الإبداع والمبدعين.