د. علي عبدالنبي
تواجه الدول الصناعية والنامية مجموعة غير مسبوقة من التحديات الاقتصادية والبيئية والسياسية، أولًا، يواجهون تحديا هائلا لتلبية احتياجات الطاقة المتزايدة باستمرار دون التأثير بشكل أكبر على المناخ والبيئة. ثانيا، يؤدى النمو السكانى المستمر فى البلدان النامية وظهور الاقتصاد العالمى إلى ضغوط غير مسبوقة على موارد الأرض.
لذلك، تطالب البلدان الناشئة بالحصول على نفس مستوى المعيشة مثل الدول الصناعية، مما ينتج عنه احتياجات كبيرة لمصادر طاقة، ومعدات صناعية، وأنظمة نقل سريعة وذات موثوقية عالية.
الهيدروجين أحد الخيارات الرائدة لتخزين الطاقة من مصادر الطاقة المتجددة، ويبدو أنه الخيار الأقل تكلفة لتخزين الكهرباء على مدار أيام أو أسابيع أو حتى أشهر. عن طريق الهيدروجين يمكن نقل الطاقة من مصادر الطاقة المتجددة لمسافات طويلة، من مناطق ذات موارد وفيرة من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، إلى المدن المتعطشة للطاقة على بعد آلاف الكيلومترات.
الهيدروجين ليس وقودا ولكنه ناقل للطاقة، ويوفر بديلا قيما كناقل للطاقة لتوليد الطاقة الثابتة والمتحركة. يحتوى الهيدروجين على كثافة طاقة وزنية أكبر بكثير من الوقود الأحفورى. بالإضافة إلى ذلك، لا ينتج عن احتراقه مع الأكسجين ثانى أكسيد الكربون، بل ينتج عنه بخار الماء فقط.
من وجهة نظر الأمن الدولى، تشمل قضايا الطاقة احتمالية نشوب نزاع حول الوصول إلى الإمدادات المتبقية من الوقود الأحفورى غير المكلف، والتى غالبا ما تتركز فى المناطق غير المستقرة سياسيا.
علاوة على ذلك، يزيد الاستخدام المكثف للوقود الأحفورى من تركيزات ثانى أكسيد الكربون فى الغلاف الجوى، كما أن مساهمتها فى التغيرات المناخية العالمية هى موضوع قلق عالمى. من المتوقع أن يكون لمستويات ثانى أكسيد الكربون فى الغلاف الجوى فوق 450 جزء فى المليون تأثيرات شديدة على مستويات سطح البحر وأنماط المناخ العالمى وبقاء العديد من الأنواع والكائنات الحية.
وبالتالى، فإن الاحتياجات المتزايدة للطاقة سوف تتطلب اعتمادا أكبر بكثير على مزيج من مصادر الطاقة الخالية من الوقود الأحفورى وعلى التكنولوجيات الجديدة لالتقاط وتحويل ثانى أكسيد الكربون.
في جميع أنحاء العالم ، يتم إنتاج 48% من الهيدروجين حاليا عن طريق إعادة التشكيل بالبخار أو الأكسدة الجزئية أو إعادة التشكيل الحرارى الذاتى للغاز الطبيعى، و 30% من تكرير البترول، و 18% من تغويز الفحم، أى تحويل الفحم إلى غاز.
ومع ذلك، تتطلب كل هذه العمليات الكيميائية الحرارية وقودا أحفوريا والذى بدوره يؤدى استخدامه إلى إنتاج ثانى أكسيد الكربون.
يتم إنتاج نسبة الـ 4% المتبقية من الهيدروجين عن طريق التحليل الكهربائى للماء. كانت هذه التكنولوجيا هى العملية الأكثر شيوعا لإنتاج الهيدروجين، لكنها تمثل الآن جزءا صغيرا من إنتاج العالم. يتم استخدامها الآن بشكل أساسى لإنتاج الهيدروجين عالى النقاء.
وبالتالى، فإن إنتاج الهيدروجين الحالى يفشل فى معالجة القضايا العالقة والمتعلقة باستنفاد احتياطيات البترول، وأمن الطاقة، والاحتباس الحرارى.
فى المستقبل، يمكن استخدام الهيدروجين فى أنظمة تحويل طاقة مختلفة مثل، (1) محركات الاحتراق الداخلى فى وسائل النقل والانتقال، (2) تشغيل توربينات محطات توليد الطاقة الكهربائية، بديلا للغاز الطبيعى، (3) خلايا وقود الهيدروجين لتوليد الكهرباء. من المتوقع أن يزداد الطلب على الهيدروجين بشكل كبير فى العقود القادمة، حيث تصبح هذه التكنولوجيات أكثر موثوقية وبأسعار معقولة.
يهمنا فى التكنولوجيا المستدامة لإنتاج الهيدروجين الأخضر الآتى: استمرارية توفر الخامات المستخدمة فى عمليات الإنتاج، المنظومة الكاملة لإنتاج الهيدروجين تكون صديقة للبيئة ولا ينتج عنها أى انبعاثات ضارة بالبيئة، الكميات المنتجة تفى بمتطلبات السوق، درجة نقاء عالية للهيدروجين المنتج، سعر الكيلوجرام من الهيدروجين الأخضر يكون أقل من 2 دولار.
هناك العديد من التكنولوجيات التى تقدم ميزة إنتاج الهيدروجين بطريقة مستدامة دون الاعتماد على الوقود الأحفورى أو إنتاج ثانى أكسيد الكربون، هذه التكنولوجيات هى:
أولا: تكنولوجيا التحليل الكهربائى للماء، من اكتشاف ظاهرة الانقسام الكهربائى للماء إلى هيدروجين وأكسجين إلى تطوير المحلل الكهربائى الحديث، شهدت تكنولوجيا التحليل الكهربائى للماء تقدما مستمرا على مدى الـ 200 عام الماضية، وكانت بداية تطوير تكنولوجيا التحليل الكهربائى للماء فى عام 1888.
تقسيم الماء إلى هيدروجين وأكسجين هى عملية تستخدم فيها كهرباء تيار مستمر ذات جهد لا يقل عن 1.23 فولت، يحدث هذا التفاعل فى وحدة تسمى المحلل الكهربائى. أحجام أجهزة التحليل الكهربائى تتراوح ما بين معدات صغيرة تستخدم لإنتاج الهيدروجين على نطاق صغير فى موقع العمل، إلى معدات كبيرة تستخدم فى الإنتاج المركزى واسع النطاق.
لإنتاج الهيدروجين الأخضر، تستخدم طاقة كهربائية مولدة بطريقة مستدامة وصديقة للبيئة، عن طريق الخلايا الشمسية الكهروضوئية، أو الكهرباء المولدة من طاقة الرياح على سبيل المثال.
عند مقارنتها بالطرق الأخرى المتاحة حاليا، يتميز التحليل الكهربائى للماء بميزة إنتاج هيدروجين نقى للغاية، 99.999%، وهو مثالى لبعض العمليات ذات القيمة المضافة العالية مثل تصنيع المكونات الإلكترونية.
فى الوقت الحالى يستطيع الهيدروجين الأخضر أن يقدم حلا جزئيا، إذا استخدم التحليل الكهربى فى عملية إنتاجه، وإذا استخدمت الطاقة المتجددة فى توليد الكهرباء، وأن يكون العرض مرتفعا والطلب منخفضا، بمعنى وجود فائض فى الكهرباء، فى هذه الحالة تعتبر تكاليف فائض الكهرباء خسارة لو لم تستخدم كطاقة، ويعتبر سعرها صفرا فى حالة استخدامها فى عملية التحليل الكهربى لإنتاج الهيدروجين، ويصبح الهيدروجين ذا قيمة اقتصادية.
التحدى الرئيسى لإنتاج الهيدروجين الأخضر بطريقة التحليل الكهربى هو خفض التكلفة. مثال على ذلك، بالنسبة لوسائل النقل والانتقال، يجب أن يكون الهيدروجين منافسا من حيث التكلفة مع أنواع الوقود التقليدية، لكى يحقق نجاحا فى السوق التجارى.
الآن الاستثمار فى التحليل الكهربائى يزدهر فى جميع أنحاء العالم، وهناك خطة حتى عام 2030 لمشاريع جديدة بقدرات أكثر من 23 جيجاوات - القدرة الحالية تبلغ 82 ميجاوات - أى أكثر من 280 ضعف السعة الحالية.
ثانيا: تكنولوجيا كهروكيميائية ضوئية، يتم فى تقسيم الماء الكهروكيميائى الضوئى إنتاج الهيدروجين من الماء باستخدام ضوء الشمس وأشباه الموصلات المتخصصة التى تسمى المواد الكهروكيميائية الضوئية، والتى تستخدم الطاقة الضوئية لتقسيم جزيئات الماء مباشرة إلى الهيدروجين والأكسجين.
تشبه مواد أشباه الموصلات المستخدمة فى عملية تقسيم الماء الكهروكيميائى الضوئى تلك المستخدمة فى توليد الكهرباء بألواح الطاقة الشمسية الكهروضوئية، ولكن بالنسبة لتطبيقات تقسيم الماء الكهروكيميائى الضوئى، يتم غمر أشباه الموصلات فى إلكتروليت، أى مادة تحتوى على أيونات حرة تشكل وسطا ناقلا للكهرباء فى الماء، حيث يقوم ضوء الشمس بتنشيط عملية تقسيم الماء.
تكنولوجيا تقسيم الماء الكهروكيميائى الضوئى تعد مسارا واعدا لتحويل الطاقة الشمسية إلى الهيدروجين، مما يوفر إمكانية تحقيق كفاءة تحويل عالية، فى درجات حرارة تشغيل منخفضة، باستخدام مواد رقيقة أو جزيئات شبه موصلة فعالة من حيث التكلفة. يتم تحسين الكفاءة من خلال تحسين امتصاص ضوء الشمس مع محفزات سطح أفضل.
تستخدم المحفزات التى تمتص الإشعاع الشمسى وتولد كثافة تيار كبيرة فى حدود 10-30 مللى أمبير/سم مربع. يتيح ذلك حدوث تفاعلات تقسيم الماء عند جهد أقل بكثير من التحليل الكهربائى التقليدى.
لا تزال هناك حاجة إلى تحسينات مستمرة فى الكفاءة والمتانة والتكلفة لاستمرارية السوق.
أظهرت نتائج البحث لتطوير أنظمة فصل الماء الكهروكيميائية ضوئية أن كفاءة التحويل من الطاقة الشمسية إلى الهيدروجين هى 12.4 % لقيمة التسخين المنخفضة للهيدروجين باستخدام ضوء الشمس المركّز.
هذا مسار تكنولوجى على المدى الطويل، مع احتمال انبعاثات منخفضة أو معدومة لغازات الاحتباس الحرارى.
ثالثا: تكنولوجيا كيميائية حرارية شمسية، هى تكنولوجيا تستخدم مجمعات الطاقة الشمسية لتركيز الإشعاع الحرارى من الشمس لإنتاج الهيدروجين من خلال دورات حرارية كيميائية ذات درجات حرارة عالية. هذه العملية هى فى مجال الأبحاث والتطوير.
هذه التكنولوجيا تعتمد على المواد الفعالة "أكاسيد فلزات معينة" فى فصل الماء عن طريق الأكسدة والاختزال، وهى مفيدة عندما يتم النظر فى إنتاج الهيدروجين على نطاق واسع، بسبب إمكانيات العمليات عالية الكفاءة وقابلية التوسع.
هذه التكنولوجيا تتكون من خطوتين "أكسدة واختزال"، وتستخدم مواد غير متطايرة. أثناء خطوة خفض درجة الحرارة المرتفعة، يختزل أكسيد الفلز، وبالتالى يزيد الأكسجين. وأثناء خطوة تقسيم الماء بدرجة حرارة منخفضة "1300-1600 درجة مئوية"، يتأكسد أكسيد الفلز فى وجود بخار الماء، وينتج هيدروجين.
التفاعلات الكيميائية الحرارية لإنتاج الهيدروجين والأكسجين من تقسيم الماء، تستخدم درجات حرارة عالية من الطاقة الشمسية المركزة أو من الحرارة الناتجة من مفاعلات الطاقة النووية المتطورة، مع انبعاثات منخفضة أو معدومة لغازات الاحتباس الحرارى. فهى تستخدم حرارة عالية (500 - 2000 درجة مئوية) لتحريك سلسلة من التفاعلات الكيميائية التى تنتج الهيدروجين.
رابعا: تكنولوجيا حيوية ضوئية، عن طريق زراعة الكائنات الحية الدقيقة. فى ظل ظروف فسيولوجية معينة، يمكن لبعض الكائنات الحية الدقيقة إنتاج هيدروجين.
يُعد إنتاج الهيدروجين الحيوى الضوئى خيارا جذابا لتوليد الهيدروجين عن طريق الكائنات الحية ذات التغذية الضوئية من ضوء الشمس والماء. وتعتبر هذه العملية هى الأكثر فعالية وأهمية لتجنب استخدام الوقود الأحفورى.
هناك أربعة كائنات حية دقيقة مختلفة منتجة للهيدروجين، وهى الطحالب الخضراء، والبكتيريا الزرقاء، والبكتيريا الأرجوانية غير الكبريتية، والبكتيريا التخميرية الداكنة.
تكمن العيوب الرئيسية لهذه التكنولوجيا فى كفاءتها المنخفضة حاليا، والزراعة الجماعية للطحالب الخضراء والبكتيريا الزرقاء صعبة لأنها قد تتطلب مساحة كبيرة من الأرض وكميات كبيرة من المياه.
كما أن إنتاج هذه الكائنات الدقيقة من الهيدروجين ليس مرتفعا، مما قد لا يفى بالطلب.
لذلك فإن تطوير سلالة جديدة من الكائنات الحية الدقيقة مطلوب، وذلك لتعزيز كفاءة تحويل الطاقة الشمسية لإنتاج هيدروجين.
وأخيرا نود أن نوضح أن تكنولوجيا التحليل الكهربائى للماء هى التكنولوجيا الوحيدة المتاحة تجاريا، وهى تشارك بنسبة 4% من الإنتاج العالمى. ونأمل أن ينجح الباحثين فى تطوير ورفع كفاءة باقى التكنولوجيات التى تم ذكرها أعلاه، أو تطوير تكنولوجيات جديدة مستدامة تنتج الهيدروجين الأخضر، وتفى باحتياجات السوق العالمى.