رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


"دراية" يجيب عن الأسئلة : هل للحرب الروسية الأوكرانية تأثيرات إيجابية على الاقتصاد المصري؟

2-3-2022 | 13:36


الدكتور صلاح هاشم

محمود بطيخ

لم يكد العالم يفيق من كبوة جائحة كورونا وما خلفته من تداعيات اقتصادية جمة، حتى جاء الصراع الدائر بين روسيا وأوكرانيا والذى تطور إلى حرب لا يستطيع أحد أن يتنبأ بمآلاتها النهائية حال اتساع نطاقها وتغير موازين القوى العالمية، لتُلقى بظلالها على الاقتصاد العالمي لاسيما مع ازدياد حدة موجة التضخم العالمية وما ترتب عليها من ارتفاع السلع الغذائية وغيرها  ..فما من حرب نشبت إلا وكانت لها تداعيات اقتصادية تقسو على حياة الشعوب ربما لعقود من الزمن.
 
وفى هذه الحرب التى تضرب قلب أوروبا، لا تُعتبر مصر بمنأى عنها نظرا للتأثيرات الاقتصادية التي قد تشمل جميع اقتصادات العالم، ولكن يتوقف مدى التأثر على درجة جاهزية الدولة للتعاطي مع كافة السيناريوهات المتوقعة.
 
وتتباين تداعيات الأزمة الحالية على الاقتصاد المصري نظرا لكونها أكبر مستورد للقمح في العالم، وكونها مستوردًا للنفط، واعتماد القطاع السياحى في مصر على السياحة الواردة من روسيا وأوكرانيا. وعلى الرغم من ذلك، إلا أن هذه الأزمة يمكن أن تحمل أيضا جوانب إيجابية قد تستفيد منها الدولة المصرية بشكل كبير.
 
وعليه، يتناول هذا التقرير التحليلي  الذي أعده المنتدى الاستراتيجى للسياسات العامة ودراسات التنمية (دراية ) برئاسة الدكتور صلاح هاشم تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية والمخاطر المحتملة على الاقتصاد المصري، وما إذا كانت هناك جوانب إيجابية للأزمة، إلى جانب ما تقوم بها الحكومة المصرية لمواجهة تلك التداعيات وتجاوز آثارها السلبية.  
 
 
أولا: ارتفاع أسعار النفط عالميا
شهدت أسعار النفط ارتفاعا كبيرا بلغ أكثر من 8% ليتجاوز مستوى 105 دولارات لبرميل خام برنت، وهو مستوى لم يحدث منذ عام 2014، بسبب فرض الولايات المتحدة وأوروبا عقوبات اقتصادية على روسيا، بجانب عزل بعض البنوك عن نظام الدفع العالمي "سويفت"، والذى أدى إلى انهيار الروبل الروسي..و ينعكس هذا الارتفاع بشكل كبير على زيادة تكلفة استيراد المواد البترولية.
 
هذا إلى جانب كثير من توقعات خبراء الاقتصاد بأنه إذا طال أمد الحرب واتسع نطاقها، من المتوقع أن يقفز سعر البرميل بشكل حاد إلى 150 دولارا. وطبقا لبيانات البنك الدولي فإن كل زيادة بمقدار 10 دولارات في سعر النفط العالمي عن السعر المقدر له في الموازنة العامة لمصر خلال العام المالي الجاري، سيترتب عليها ارتفاع نسبة العجز في الناتج المحلي الإجمالي بنحو 0.2% إلى 0.3%.
 
وتجدر الإشارة هنا إلى اعتماد الدولة المصرية على الواردات النفطية، حيث تزداد الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك المحلي من النفط، ووصل الفارق بين قيمة الواردات البترولية والصادرات البترولية إلى حوالي 6.7 ملايين دولار بانتهاء العام المالي 2020/2021. وقد استطاعت خفض الدعم المقدم للمواد البترولية من 28.1 مليار جنيه بموازنة العام المالي 2020-2021 إلى نحو 18.41 مليار جنيه بموازنة العام المالي 2021-2022، معتمدة على متوسط عام لسعر برميل خام برنت عند متوسط يبلغ 61 دولارًا.
 
ولهذا قد تتسبب هذه التداعيات في رفع جديد في أسعار البنزين وربما أنواع أخرى من الوقود خاصة وأن مصر ستُصدر التسعير التلقائي للمنتجات البترولية خلال شهر إبريل القادم، وأي زيادة في سعر برميل النفط عن السعر المحدد بالموازنة سيُضيف أعباء جديدة على الموازنة تصل إلى مليارات الدولارات مما يؤدى إلى الضغط على مستويات الإنفاق على هذا البند، وبالتالي ارتفاع العجز النقدي للموازنة. ومن المتوقع أن تراعي الحكومة في موازنة العام المالي الجديد 2022/2023، والتي يتم إعدادها خلال هذا الشهر، الزيادة المرتفعة في أسعار النفط عالميًا، وتحديد حجم الدعم الذي ستتحمله موازنة العام المقبل.
 
ثانيا: قفزة فى أسعار السلع الغذائية
 
تعتمد مصر على الواردات الروسية والأوكرانية على وجه التحديد في تأمين احتياجاتها الغذائية، ولا سيما القمح إذ تُعد مصر أكبر مستورد للقمح فى العالم، وتُوفر روسيا وأوكرانيا نحو 80% من إمدادات القمح لمصر. وبحسب الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، فإن مصر خلال الـ 11 شهر الأولى من عام 2021، حصلت على 4.2 مليون طن من القمح الروسي بنسبة 69.4% من إجمالي كمية واردات مصر من القمح، وعلى 651,4 ألف طن من القمح الأوكراني بنسبة 10,7%.
 
هنا نشير إلى أنه وفقًا للبيانات الصادرة عن منظمة “الفاو” فإن كلاً من روسيا وأوكرانيا تحتلان مركزا بالغ الأهمية في سوق المواد الزراعية في العالم حيث توردان ربع إنتاج الحبوب في العالم ، وتُمثل صادراتهما من القمح 23 % من السوق العالمية خلال 2019 حيث صدر كل منها حوالي 31.87 مليون طن، و13.29 مليون طن على الترتيب.
 
ووفقًا لتقديرات البنك الدولي تبلغ نسبة واردات المواد الغذائية من إجمالي الواردات السلعية نحو 20.7%، وبسبب تأثر وانقطاع سلاسل التوريد بسبب الأعمال العسكرية و العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي على روسيا والتي من شأنها التسبب فى تراجع  مستوى الإمدادات  من السلع الغذائية أو ارتفاع أسعارها مما يؤدى إلى اتساع عجز الميزان التجاري غير البترولي البالغ 42.1 مليار دولار خلال العام المالي الماضي، وهو الأمر الذى من شأنه زيادة فاتورة الاستيراد مما يُثقل كاهل الاحتياطي النقدي المصري من العملة الصعبة.
 
وفى الوقت ذاته، توقع تقرير حديث صادر عن مكتب الشئون الزراعية الأمريكى بالقاهرة بعنوان "رغم وباء كوفيد -19 لا تزال إمدادات الحبوب فى مصر ثابتة"، ارتفاع حجم واردات مصر من القمح فى الموسم 2021/ 2022 إلى نحو 12.4 مليون طن بزيادة قدرها 2.14 عن تقديرات الموسم الماضي 2020/ 2021، وأرجع ذلك إلى الزيادة الطلب بسبب الزيادة السكانية الهائلة بمصر.
 
كما توقع التقرير زيادة إنتاج مصر من القمح لتصل إلى 9 ملايين طن خلال العام 2021/ 2022بسبب زيادة المساحة الإجمالية المحصودة والتي تصل إلى 1.4 مليون هكتار.
 
هذا ويتوقع خبراء الاقتصاد أن تراجع الحكومة المصرية تسعير بيع رغيف الخبز المدعوم وتقلل نسبة الدعم لاسيما وأن المواطن يدفع 7% فقط من قيمة رغيف الخبز حيث يُباع بـ5 قروش بينما تتخطى التكلفة الفعلية أكثر من 60 قرشا للرغيف، وذلك طيلة 33 عاما لم تشهد فيها الأسعار أى ارتفاع يُذكر.
 
كما أن قلة واردات الذرة الصفراء سيرفع أسعار الأعلاف وبالتالي يرفع أسعار اللحوم، ومن ناحية أخرى، قد تنتقل تداعيات الأزمة إلى بعض الصناعات المهمة لقطاع الأغذية كالأسمدة، حيث أجبرت الأزمة العديد من المصانع والشركات على خفض إنتاجها أو إغلاق مصانعها، كما تُعد روسيا أيضًا واحدة من أكبر الدول المصدرة في العالم للأسمدة، مما يعني أن تعطيل الإمدادات قد يؤدي إلى ارتفاع تكاليف السلع الغذائية والزراعية.
 
 
ثالثا:ارتفاع عجز الموازنة العامة
 
فى ظل تقدير الموازنة العامة للدولة المصرية على مدار العام المالي الحالى 2021-2022 سعر برميل النفط عند مستوى 61 دولار، بينما ارتفعت الأسعار للتجاوز 100 دولار للبرميل، يُشكل هذا الفارق ضغطا على الاحتياطي النقدي وموازنة الدولة.
 
وعلى صعيد القمح، تستهدف مصر شراء نحو 8.61 ملايين طن، منها 5.11 ملايين طن عن طريق الاستيراد، حيث حدد مشروع موازنة العام المالي 2021/2022 سعر القمح المخطط استيراده بقيمة تبلغ 255 دولار للطن، مقارنة مع 193.8 دولارًا للطن خلال العام المالي السابق 2020/2021، بزيادة بلغت 61.2 دولارًا، غير أنه بسبب التوترات والأزمة الحالية رفعت روسيا أسعار القمح فى نوفمبر 2021 ووصل سعر الطن إلى 327 دولار.
 
ومن المتوقع أن تُترجم الزيادة في سعر القمح الفعلي مقارنة بسعره التقديري بمشروع الموازنة إلى زيادة العجز المالي خلال العام الجاري، وصعوبة تحقيق هدف خفض العجز الكلي من الناتج المحلي الإجمالي خلال تلك الفترة.
 
رابعا: ارتفاع معدلات التضخم المحلي
 
ارتفاع أسعار السلع الغذائية وتكاليف المواد الخام عالميا سيكون له تأثير مباشر فى مستوى ارتفاع أسعار السلع الغذائية محليًا بسبب اعتماد الدولة على السلع والخدمات المستوردة من الخارج، مما يسرع من وتيرة التضخم المالي فى مصر ويؤثر سلبا على القدرة الشرائية، وقد يدفع ذلك البنك المركزى إلى رفع أسعار الفائدة الفترة القادمة للسيطرة على معدلات التضخم.
 
وسجل معدل التضخم السنوي لإجمالي الجمهورية في يناير الماضي 8%، مقابل 6.5%، ليسجل بذلك أعلى مستوى له منذ سبتمبر 2021، وفقًا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، وعلى مدار الشهور الماضية يسجل معدل التضخم الشهري ارتفاعًا ليتأرجح بين مستوى 6 و8%.
 
خامسا: ارتفاع أسعار الذهب والمعادن
 
تسببت الأزمة في صعود أسعار الذهب لتتخطى حاجز 1800 دولار للأوقية خلال شهر فبرير، وصعد سعر الجنيه الذهب أيضا بنحو 272 جنيها خلال تعاملات إلى 6904 جنيهات، ويساوي هذا السعر قيمة الذهب في الجنيه، ويرتبط سعره بأسعار الجرام عيار 21.
 
وقد يلجأ كثيرون إلى شراء الذهب باعتباره ملاذ آمن، إلا أن خبراء الاقتصاد توقعوا أن تشهد أسعر الذهب تقلبات كبيرة خلال الفترة الحالية، ولذك ينصحوا بالاعتماد على شهادات الاستثمار كوعاء ادخاري آمن.
 
ويعتمد كثير من دول العالم على روسيا في تأمين إمدادات العديد من المعادن والمواد الخام المستخدمة في عدد من الصناعات خاصة صناعات الإلكترونيات، وصناعة السيارات والأجهزة المنزلية، وفي ظل الحرب الدائرة وفرض عقوبات غربية على الاقتصاد الروسي سوف تتأثر سلاسل التوريد العالمية، الأمر الذي سوف يؤدي إلى ارتفاع أسعار تلك المواد التي تعاني بالفعل من أزمة في نقص الرقائق وأشباه الموصلات.
 
سادسا: تضرر المصالح الاقتصادية المصرية الروسية
 
لا شك في أن العقوبات الاقتصادية على روسيا ستضر كافة الدول التى تدخل فى شراكات اقتصادية مع معها، حيث تضمنت العقوبات إبعاد روسيا عن نظام "سويفت" الذي يسمح بتحويل الأموال بشكل سهل بين الدول المختلفة، وتجميد أصول البنك المركزي ووضع مؤسسات في القائمة السوداء، مما يعيق إجراء الدول لمعاملات مع روسيا.  
وتأتي مصر على رأس الدول التى ستتضرر جراء فرض هذه العقوبات على روسيا، حيث إن مصر تُمثل الشريك التجاري الأول لروسيا في إفريقيا بنسبة تعادل ٨٣% من حجم التجارة بين روسيا وإفريقيا، كما تحصل مصر على نسبة 33% من حجم التبادل التجاري بين روسيا والدول العربية، كما بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين خلال العام 2021 نحو 3 مليارات دولار.
وعليه، فمن المتوقع أن يتأثر الاتفاق بين البنك المركزي المصري ونظيره الروسي المعني بمشاركة البنوك الكبرى من البلدين خلال عام 2021 لتفعيل قبول بطاقات الدفع الروسية والمصرية ليصبح استخدامهما متاحاً بالبلدين، فضلاً عن دراسة ربط البنوك المصرية بالشبكة المالية الروسية بهدف تسهيل تنفيذ المعاملات المالية.
كما تعمل في مصر نحو 467 شركة روسية في مجالات مختلفة مثل البترول والغاز بحجم استثمارات بقيمة 7 مليارات دولار، وتُوفر قرابة 35 ألف فرصة عمل.
 
سابعا: تراجع حركة السياحة
 
ستؤثر الحرب الناشبة بين روسيا وأوكرانيا وإغلاق المجال الجوي الأوكرانى وفرض حظر طيران في الأجواء الروسية الى إلغاء مئات الحجوزات الوافدة لمصر من أوكرانيا أو روسيا، حيث شهد فبراير الماضي انخفاض عدد الرحلات السياحية الأوكرانية إلى جنوب سيناء إلى نحو ١٨٨ طائرة مقارنة بنحو ٢٦٤ طائرة في يناير ٢٠٢٢، وشهد أيضا عدد الرحلات السياحة الروسية انخفاضا من ٤٦٣ طائرة في شهر يناير إلى ٢٢٥ طائرة في شهر فبراير. وتمثل السياحة الروسية والأوكرانية ما بين ٦٠ و٦٥٪ من حجم الأسواق الوافدة إلى مصر، في الفترة الأخيرة.
 
ويعد قطاع السياحة المصدر الرئيسي للنقد الأجنبي حيث تُساهم السياحة بما يصل إلى 15% من الناتج الاقتصادي لمصر، وبحسب بيانات البنك المركزي المصري، فإن قطاع السياحة المصري، شهد، المزيد من التعافي خلال 2021 مع عودة حركة السفر الدولية، لترتفع الإيرادات بنحو 20% في النصف الأول من 2021 مقارنة بالعام السابق.
 
التأثيرات الإيجابية للحرب الروسية الأوكرانية على الاقتصاد المصري
على الرغم من التحديات التي يفرضها استمرار الحرب في منطقة البحر الأسود بين روسيا وأوكرانيا، يمكنا رصد بعض الجوانب الإيجابية للأزمة على الاقتصاد المصري يمكن الاستفادة منها لدعم الاقتصاد الوطني والحد من الآثار السلبية للأزمة ونستعرض منها الاتي:
 
1- ارتفاع عائدات قناة السويس
 
فى ظل التوترات القائمة على الحدود بين روسيا وأوكرانيا واحتمالية عرقلة ممر الشمال الروسي فضلا عن احتمالية توقف العمل بموانىء البحر الأسود، فإن هذا الأمر قد يُعزز الميزة التنافسية لقناة السويس باعتبارها الممر الملاحي الأكثر أمنا والأقل مسافة بين جميع طرق الملاحة الدولية.
 
هذا وقد حققت قناة السويس أعلى إيرادات سنوية في تاريخها العام الماضي، حيث تجاوزت الإيرادات 6.3 مليار دولار عام 2021 مقارنة بـ 5.6 مليار دولار عام 2020، بزيادة قدرها 720 مليار دولار، كما حققت أكبر حمولة إجمالية بلغت 1.27 مليار طن عام 2021، ويمكن أن يؤدى المزيد من ارتفاع أسعار النفط إلى زيادة إيرادات قناة السويس وتعويض جزء من العجز في الاحتياطي النقدي الذي قد يتأثر بزيادة أسعار النفط بسب الحرب الجارية.
 
 
2-تعزيز موقع مصر كمركز إقليمي للطاقة
 
استطاعت الدولة المصرية أن تكون شريكا أساسيا واستراتيجيا للقارة الأوروبية من خلال استعداد مصر لبيع نحو 25% من الفائض عن الاحتياطي الاستراتيجي من الكهرباء من إجمالي الإنتاج المصري، وذلك من خلال اتفاقيات مع اليونان وقبرص كجزء من مشروع “يورو أفريكا” الذي يربط بين شبكات الكهرباء في مصر والدولتين الأوربيتين، عن طريق مد كابل بحري بين مصر وقبرص بطول 498 كيلومترًا (309 ميلًا)، وعمق 3000 متر (9800 قدم) ثم توصيل قبرص بجزيرة كريت اليونانية بكابل يبلغ طوله 898 كيلومترًا (558 ميلًا)، بإجمالي طول 1396 كيلومترًا (867 ميلًا)، لتنطلق منه كهرباء بقدرة 2000 ميجاوات لأوروبا، ويمكن تزويدها إلى 3000 ميجاوات ، باستثمار بلغ  4 مليارات دولار، لتنطلق منه كهرباء بقدرة 2000 ميجاوات لأوروبا، ويمكن زيادتها إلى 3000 ميجاوات.
 
3- زيادة فرص تصدير الغاز المصري  
 
بعد فرض عقوبات اقتصادية على روسيا، تتصاعد الأصوات المنادية بضرورة إيجاد بديل للغاز الروسي فى أوروبا، مما قد يتيح فرصة جيدة للغاز المصري أن يحصل على حصة أكبر من واردات أوروبا، ويرتفع الإقبال على الغاز المصري لتعويض أى نقص محتمل فى إمداد الغاز الروسي لأوروبا حال تزايد حدة التوتر بين روسيا وأوكرانيا.
 
وبلغت صادرات مصر من الغاز الطبيعي المسال 3.9 مليار دولار خلال عام 2021 بنسبة نمو 550%، وذلك من إجمالي 12.9 مليار دولار صادرات بترولية العام الماضي، بحسب بيانات رسمية.
 
إن ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي على مستوى العالم بنسبة 5.9% ليصل إلى 4.90 دولار لكل مليون وحدة، يُعد مؤشرا إيجابيا يسمح للدولة المصرية بزيادة صادراتها من الغاز والتخفيف من تأثير ارتفاع أسعار البترول وتخفيف الضغط على الموازنة العامة.
 
 
حلول وتدخلات الدولة المصرية
اتسمت استجابة الدولة المصرية بتخطيط مدروس للأزمة التي نشأت بسب الحرب الروسية الأوكرانية، فعلى صعيد تدخلات الحكومة لتجاوز أزمة توافر القمح وارتفاع أسعاره، أمرت بضخ أكثر من 50 مليار جنيه لتعزيز المخزون الاستراتيجي من السلع ورفع سعة الصوامع التخزينية من 2 مليون طن قمح إلى أكثر من 4 ملايين طن خلال السنوات القلية الماضية، ووضعت خطة لاستيراد القمح من 14 دولة أخرى معتمدة من جانب وزارة التموين لتنويع واردات القمح حال تصاعد الأزمة واتساع نطاق الحرب، إلى جانب رفع أسعار شراء القمح من المزارعين محليا بنسبة 15% لتشجيعهم على الزراعة، هذا بالإضافة إلى وجود مخزون استراتيجي من القمح يكفي 5 أشهر، إلى جانب الإنتاج المحلي الذي سيبدأ من منتصف إبريل ليزيد المخزون الاستراتيجي إلى 9 أشهر .
 
بالإضافة إلى التوسع الأفقي بزيادة المساحات المنزرعة بالقمح ضمن المشروعات القومية، وهو ما تنفق عليه الدولة مليارات الدولارات، حيث ارتفع إجمالي المساحة المزروعة بالقمح من 3.1 مليون فدان في 2018/2019 إلى نحو 3.6 مليون فدان حاليا، مع توقعات بأن يبلغ إجمالي الإنتاج نحو 10 ملايين طن للعام الحالي، والانتهاء من نظام مخازن الحبوب الداخلية ورفع سعة التخزين في البلاد من 1.2 مليون طن إلى 3.4 مليون طن سنويا.
 
 
كما عملت الدول المصرية على تأمين باقى السلع الاستراتيجية، فهناك احتياطي استراتيجي من السكر يكفى لمدة 4.5 شهر،ومن الزيت لمدة  5.5 شهر، والأرز 6.5 شهر، والفول 3 شهور، واللحوم والدواجن 8.5 شهر.
 
ويُذكر أن الحكومة المصرية قد وفرت 87 مليار جنيه (نحو 5.5 مليار دولار) في موازنة العام الحالي للإعانات المقدمة للسلع الغذائية 87 مليار جنيه، وهو ما يمثل 3.5٪ من إجمالي الإنفاق العام، على أن يشمل ذلك 50 مليار جنيه لدعم الخبز و37 مليار جنيه لدعم السلع التموينية. وتُشير الإحصاءات الرسمية إلى أن أكثر من 72 مليون شخص في مصر يستفيدون من إعانات الخبز والسلع.
 
وفى ظل هذه التحديات المتنامية، يتعين على الحكومة المضي قدما في العديد من مسارات الإصلاح بغض النظر عما يحدث في أوروبا الشرقية سواء بسبب الحرب أو العقوبات المفروضة على روسيا التي من المتوقع استمرارها لمدة طويلة ومنها على سبل المثال لا الحصر:
 
1- ضرورة إعادة ترتيب أولويات الزراعة المحلية وتشجيع المزارعين (التي تمثل ربع القوى العاملة المصرية) على زراعة القمح لزيادة المساحة الإجمالية لهذا المحصول الضروري، وتخصيص الموارد المالية التي تساعد وتساوى تكلفة زراعة هذا المحصول الاستراتيجي.
 
2-  مراعاة التهديد الناجم عن تغير المناخ على مستقبل زراعة القمح في مصر للحد من تأثير تغير درجات الحرارة، أو هطول الأمطار بسبب التغيرات المناخية التي تقلل من صافي إنتاجية المحاصيل الزراعية، كما سيتسبب في زيادة الآفات والأمراض.
 
3- الإنفاق على زراعة أصناف وسلالات تتحمل درجات الحرارة المرتفعة وتقاوم الجفاف ومخاطر الآفات والأمراض مثل مرض صدأ القمح، الذي ينشط مع ارتفاع نسبة الرطوبة.
 
4- زيادة مساحة ودور القطاع الخاص في استيراد القمح لإنتاج خبز ذي نوعية أفضل والعديد من المنتجات المخبوزة كأحد السبل لخفض الدعم الممنوح للخبز بشكل تدريجيا، لا سيما وأن المستهلكين من الطبقة المتوسطة يعتمدون على القطاع الخاص للحصول على الخبز وغيره من المنتجات ذات الصلة بسبب الفرق الكبير في الجودة بين الخبز المدعوم وخبز السوق.
 
5- ضرورة تنمية الوعي الاستهلاكى لدى الأفراد، وتشجيعهم على تغيير عاداتهم الغذائية من خلال التحول إلى كمية أكبر من استهلاك الخضروات والأغذية الصحية.
 
6-  دعم الشركات الصغيرة ومتناهية الصغيرة التي توفر الغذاء الصحي والوجبات السريعة التي لا تستهلك الخبز أو زيوت الطهي المهدرجة.
 
وغني عن القول، مصر مثل العديد من دول العالم التي سوف تطالها اَثار الأزمة الاقتصادية للحرب، غير أن الاقتصاد المصري يتسم بالقوة والمرونة ما يمكنه من تجاوز هذه الأزمة، كما استطاع من قبل تجاوز العديد من الأزمات الدولية التي أثرت على سلاسل التوريد العالمية أو ساهمت فى ارتفاعات في أسعار المواد البترولية، أو أزمات ذات طابع اقتصادي أو سياسى على المستوى الدولي أو الإقليمي، بل وخرج الاقتصاد المصري أقوى من السابق، ولعل أزمة تفشي جائحة كورونا خير ديل على ذلك حيث حققت مصر مستويات نمو مرتفعة حظيت بإشادات كثير من المنظمات الدولية المعنية بتقييم الأوضاع الاقتصادية.  
 
 
وختاما، فإن تبلور ملامح الصورة النهائية للمسارات الاقتصادية ومستوى التأثير والتأثر بداعيات الأزمة سوف يظل مرهونا بالتطورات التي قد تحدث خلال الفترة القادم والتى من شأنها أن ترسم خريطة العالم على المستوى الاقتصادي فى ظل تغير العلاقات وموازين القوى.