مساعد رئيس جامعة القاهرة: التصديق بنزول الوحي يستلزم التصديق بمعجزة الإسراء والمعراج
نظمت جامعة القاهرة، احتفالية كبرى بمناسبة ذكرى الاسراء والمعراج، تحت رعاية الدكتور محمد عثمان الخشت رئيس جامعة القاهرة، وتضمنت فعاليات الاحتفالية ندوة للدكتور عبد الله التطاوي مساعد رئيس الجامعة للشؤون الثقافية، حول "الدروس المستفادة من معجزة الإسراء والمعراج"، أعقبها حفل إنشاد ديني للمنشد محمود التهامي نقيب المنشدين.
وفي مستهل كلمته، أكد التطاوي، حرص جامعة القاهرة على تثقيف طلابها من منابع الفكر الديني التي لا تنضب، ولا تنتهي عطاءاتها والدروس المستفادة منها للبشرية عن كل حقب الحياة، مشيدًا بجهود الدكتور محمد الخشت في هذا النطاق كونه فيلسوفًا عربيًا مرموقًا، ومفكرًا مسلمًا وسطيًا، ومجددًا أصيلًا متزنًا همه الأول تطوير العقل وبناء الإنسان.
وقال إن قراءة الدروس المستفادة من معجزة الإسراء والمعراج، يعني أننا نُجدد إيماننا بقضايا الغيب من رسالات السماء ومعجزات الأنبياء، بما يحتاج التأمل الدائم، والنظرة المتأنية في سياق قراءة القاسم المشترك بين معجزات الأنبياء والرسل، التي تجاوزت طاقات البشر، واخترقت حدود الزمان والمكان، وفاقت إمكانات الحواس.
وأوضح أن الخطاب الديني موجه إلى بنى آدم في كل الأزمنة والأمكنة على توالي العصور بدايةً من آدم عليه السلام وصولًا إلى خاتم الأنبياء سيدنا محمد صل الله عليه وسلم، وذلك انطلاقًا من أن الديانات السماوية جاءت من مشكاة واحدة من لدُن الخالق سبحانه وتعالى إلى الناس كافة، مؤكدًا أننا مأمورون بأن نقرأ ونتعلم ونفكر في كتاب الله المفتوح، وهو الطبيعة بكل أسرارها ومقوماتها، إلى جانب إعجاز كتاب الله المسطور في المصحف الشريف، والاجتهاد في فهمه وتفسيره.
وأشار إلى أن الخطاب الديني تشغله مسألة الأسباب والعلل في حدود اتساق المقدمات والنتائج كما يتطلبها التفكير النقدي في قراءة الظواهر أو حل المشكلات من خلال الاستنباط والاستقصاء والاستنتاج، لافتًا توجيه لغة الخطاب الديني إلى أولي الألباب ولمن يعقلون ويفقهون ويتفكرون، ويتدبرون ما وراء الكون من أسرار الخالق سبحانه وتعالى، انطلاقا من الإيمان الكامل بقدراته المطلقة على مستوى الزمان والمكان، بمقاييس إعجازية.
وتابع التطاوي، أن مسألة اختزال الأزمنة تبدو ظاهرة مهيمنة في بعض المعجزات التي تضَّمنتها القصص القرآني، ومنها ما ورد في قصة أبى الأنبياء إبراهيم عليه السلام، الذي أعدّ له قومه المحرقة لأنه حطم أصنامهم، فحولت القدرة الإلهية المطلقة النار لتصبح برداً وسلاماً على إبراهيم، والزمن المطروح في قصة أهل الكهف الذين لبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعاً، وهم لا يدركون كم مكثوا في الكهف، مؤكدًا قيمة التصديق والايمان بما قد يصعب إدراكه من مسائل الغيب التي تتجاوز حدود القانون الطبيعي للأشياء، وأفرزت معجزات خارقة تفوق قدرات البشر.
وأضاف التطاوي، أن المولى سبحانه وتعالى أهدى معجزة الإسراء والمعراج للرسول صل الله عليه وسلم من باب التسرية والتخفيف عنه، لما أصابه من أحزان وآلام في عام الحزن الذي توفت فيه زوجه خديجة رضي الله عنها وعمه أبو طالب والأذى الذي أصابه من أهل الطائف، موضحًا أن الإسراء الأرضي للرسول الكريم كان من مكة إلى بيت المقدس، حتى يلتقى الأنبياء ويصلى بهم إماماً تأكيداً على منزلته العليا بين الأنبياء والمرسلين، ليستكمل بعدها رحلة المعراج إلى السماوات العلا وصولاً إلى سدرة المنتهى روحاً وجسدًا معاً، ورؤية مشاهد الجنة والنار، ولقاء الأنبياء والمرسلين الأخيار، وتلقى فرض الصلاة التي انتهت إلى الفروض الخمسة في اليوم والليلة.
وأشار إلى أن معجزة الإسراء والمعراج تتضمن العديد من الدروس المُستفادة، من أهمها أن الإيمان بالغيب بكل صوره يأتي في صدارة الأرصدة الدينية ويظل جزءاً لا يكاد يتجزأ من حقيقة الإيمان بالله عالم الغيب والشهادة، وهو مقدم على إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والصدقات والإنفاق في سبيل الله، وبالتالي فأن ثمة أمورًا تتطلب من المؤمنين أن يقولوا "سمعنا وأطعنا" حين يمتد الأمر إلى عالم المعجزات الذى يجب عدم إنكاره، يقينًا بالقدرة الإلهية على مستوى الفعل، أو الظاهرة، أو الأزمنة، أو الأمكنة على السواء، موضحًا أن التصديق بنزول الوحي يستلزم التصديق بما تلاه من معجزة الإسراء والمعراج، وما وراءها من أرصدة الحكم الإلهية والأسرار العليا التي يعلمها الله سبحانه وتعالى، والتي تظل مدعاة لتشريف مكانة الرسول صلى الله عليه وسلم عند ربه وأمته.
وأوضح التطاوي، أن التفاوت كان واردًا حتى بين أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو ذلك التفاوت الذى حدث بين شخصية الرسول البشر حين أطلق لأصحابه فهمهم لأمور دنياهم، وشرع لهم أمور دينهم هدى ونوراً للعالمين، مؤكدًا أن باب الاجتهاد والتفكير في أمور دنيانا لم يوصد، ولكنه ظل بمنأى عن محنة الشطط العقلى فيما هو معجز بذاته أو دلالاته أو معلوم من الدين في النص القرآني أو السنة النبوية الصحيحة، مشيرًا إلى ضرورة تقدير القاسم المشترك بين كل الأديان السماوية من حيث وحدة المصدر المرتبط بالخالق الأعلى سبحانه فكلهم يوحِّد الله ويعبده، ثم مجيء عالمية الدعوة الإسلامية للناس كافة، متابعًا أن الله جعل للبشرية كلها في الرسول الكريم أسوة حسنة بضرورة ألا ييأس المؤمن الحق من روح الله وفضله مهما تضيق به السبل، وأن الله جعل بعد العسر يسرًا.
واختتمت فعاليات احتفالية ذكرى الإسراء والمعراج بحفل الإنشاد الديني الذي أداه الشيخ محمود التهامي نقيب الإنشاد الديني، والذي ألقى عدد من بقصائد المدح والإنشاد مثل : امدح المكمل، ميلاد طه، ليتك تحلو، يا ساكنا، يناديني، فؤأدي، يا أيها المختار، قمر. وقد تفاعل الطلاب بشكل كبير مع الشيخ التهامي مُعربين عن استمتاعهم بالأناشيد الدينية والابتهالات التي استمعوا إليها.