رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


ممثلة تجيد توظيف صوتها الجذاب!

6-7-2017 | 19:09


بقلم – محمد سعيد

قوة الصوت لا تعد الخاصية الأصيلة في وصول صاحب هذا الصوت إلي الأسماع فقط، ولكن الخصال الأخري لهذا الصوت وما ينقل عبر هذا الصوت من غناء هي الخصائص الأصلية التي تقرب صوتا من الأسماع وتبتعد بآخر عن الوجدان.

ومحنة أكثر من ينتسبون زورا إلي عالم الغناء اليوم أنهم تسللوا إلي الآذان في غفلة من الزمن وليس معهم هذه الخصال الأصلية والخصائص المعاونة التي تجعل منهم أهلا للوصول إلي الأسماع، بينما الحال في مراحل سابقة كانت تقترب بغير المغنين من الأصول والمواصفات السليمة التي تسمح لهم بالغناء دون إفساد لحالات الاستماع السليمة دون أدني اعتداء علي المتعارف والمقبول من قيم حماية الذوق العام.

إن في غناء ممثلة قديرة مثل سعاد حسني ما يدلل علي صحة ما نذهب إليه، فهي صاحبة صوت فيه توافق وذكاء ومرونة، يتسم ما يصدر عنه من غناء بالرقة واللطف والشعور الحساس. بل إنني لا أغالي إذا قلت إنني أعرف أسماء عشرات الأعمال الغنائية التي قدمتها سعاد حسني بصوتها الظريف، بينما أكاد لا أعرف اسم أغنية واحدة من أغاني مطربات الزمن الرديء ممن تزدحم بهم ساحة الغناء في هذه الأيام التي ليس بها مقاييس أو معايير ترجيحية.

صحيح أن صوت سعاد حسني محدود المساحة لكنه غني بالذبذبات، فيه المكونات متناسبة ومتجانسة وليس فيها تنافر علي النحو الذي نلاحظه في مغنيات الزمن الحالي المعيب، وهذا التناسب في صوت سعاد حسني هو الذي يوجب له هذا الحسن، وهو الذي يجعلنا نخصص له سطور قراءتنا لصوتها الجذاب.

والإحساس عند سعاد حسني يعوض عن الحاجة إلي سخاء الصوت ووفرة الطرب فهي مغنية بالفطرة تمتلك صوتا شجيا ولها صورة جميلة، ونطق سليم ليس به لثغ أو رنة أو تشدق! صوتها علي الرغم من تواضعه اقترب من خصوصية لا تتحقق إلا للمغني الجيد، ألا وهي خاصية التلوين، وحيث التنويع في استخدام الصوت وفقا للمواقف والمعاني في النص الذي تؤديه.

وصوت سعاد حسني صوت ناعم فيه صفاء منغم يذهب بك عن التوقف الأولي أمام مساحة الصوت، أو سعة تردده لتكتفي عندما تستمع إلي أغانيها بحلاوة التعبير وجمال الأداء المطيع والملتزم بالتكوين النغمي الذي وضعه ملحن العمل الغنائي.

أخت القمر.. والواد الثقيل..

سعاد حسني قدمت نحو 85 شخصية مختلفة في أعمالها السينمائية والتليفزيونية. فقد قدمت في السينما 75 فيلما وقدمت في التليفزيون نحو عشر شخصيات في حلقات "هو وهي" تجربتها الوحيدة في عالم التليفزيون والفيديو. وتعود بدايات سعاد حسني في السينما إلي العام الأخير من الخمسينيات عندما ظهرت في فيلم المخرج بركات والكاتب الراحل عبدالرحمن الخميسي "حسن ونعيمة". وكانت لم تزل صغيرة، غير أنها وجدت لنفسها وبسرعة موقعا مميزاً في زمن شهد إبداعات أشهر نجمات الشاشة الكبيرة، فاتن حمامة وشادية وماجدة، ولتصبح معهن إحدي نجمات التمثيل في السينما العربية، ومنذ أعوام الستينيات وما بعدها.

وقد بدأ ميلاد موهبة سعاد حسني قبل ذلك في إذاعة القاهرة وخلال برنامج الأطفال "بابا شارو" وحيث غنت في النصف الثاني من الخمسينيات أغنية «أخت القمر» التي يقول مطلعها «أنا سعاد أخت القمر بين العباد حسني اشتهر» وبعدها بقي نجمها يصعد في برنامج الأطفال وهي تغني كلمات وألحان زوج شقيقتها الكبري مدرس الموسيقي محمد خيرت وفي وقت اشتهرت فيه أختها التي تكبرها «نجاة» في عالم الغناء وشقيقها عز الدين حسني في عالم التلحين وكانت أمنية سعاد حسني أيضا أن تحذو حذو شقيقتها وتتجه إلي الغناء غير إنه عندما بدأ عمرها يتجاوز محدودية الغناء في برامج الأطفال اختارها الفن لطريق آخر وذلك بعدما اختارها المرحوم عبدالرحمن الخميسي لتشارك في العمل بفرقته المسرحية ثم إذا با لمسار يتعدل في طريق آخر خلال الفن السابع عندما يرشحها لتقديم دورها السينمائي لشخصية الفتاة الريفية البسيطة «نعيمة» فيكون هذا العمل جواز مرورها إلي قلوب المشاهدين وتتفوق سعاد حسني في مجال التعبير التمثيلي وتحصل علي جائزة أفضل ممثلة لأكثر من دورة عندما كان لهذه الجائزة ترشيح رسمي من قبل أجهزة الدولة الثقافية.

لم يكن الغناء بين الاهتمامات الهامة في رحلة سعاد حسني السينمائية باستثناء أغاني عابرة قدمتها في مرحلتها المتوسطة من ألحان الفنان. الراحل منير مراد في أفلام «حلوة وشقية»، «فتاة الاستعراض». «شقاوة بنات» ولم يكن لهذا الخط الغنائي محور هام في بؤرة اهتمامات سعاد حسني في وجودها السينمائي، حتي لعبت بطولة فيلم «خلي بالك من زوزو» من إخراج حسن الإمام، واستدعي الدور أن تغني من ألحان كمال الطويل وسيد مكاوي وابراهيم رجب، غير أن الناس لم تلتفت من بين هذا الغناء إلا للأغنية التي لحنها كمال الطويل ووضع كلماتها صلاح جاهين «يا واد يا تقيل» التي نجحت نجاحا كبيرا عاون في إظهار مهاراتها في أداء آخر غير التعبير بالتمثيل، ونقصد الأداء الغنائي والذي ساعد علي ظهوره بهذا المستوي، الكلمة الجديدة والرشيقة للشاعر صاحب الخيال الخصب، والتناول الشعبي العميق والبسيط صلاح جاهين إلي جانب ألحان كمال الطويل الذي اقتنع بغناء سعاد حسني وشعر بجمال أدائها وتميز صوتها، فقدم لها من جهده وفنه المبدع الكثير، والذي انعكس علي العدد الكبير من الألحان الناجحة التي قدمها لها في وقت كان فيه أهل المغني يلحون عليه بطلب لحن فيذهب به إلي الرفض مذاهب شتي!

قالت لنا سعاد حسني - رحمها الله - إن لكمال الطويل الفضل في تشجيعها علي الغناء، مع أنه ليس أول من لحن لها، فقد كانت لها بدايات مع منير مراد وسيد مكاوي وابراهيم رجب ثم في رحلة أخري مع محمد الموجي الذي قدمها في لحن معبر وجذاب في استعراضات «الحلوة لسه صغيرة» من كلمات الشاعر الراحل حسين السيد في فيلم «صغيرة علي الحب» إخراج نيازي مصطفي لقد اختار كمال الطويل طريقا آخر للغناء غير الأسلوب الذي لحن به الآخرون لسعاد حسني، وخلال هذا الأسلوب المختلف عرفت سعاد حسني الطريقة التي تغني بها فقد اعتادت أن تقتحم بصوتها البسيط الجذاب طريقا معاونا كان من أساسيات لمعانها السينمائي والتليفزيوني في السنوات الأخيرة، وقبل أن يصبها الملل بعد تجربة فيلمها «الدرجة الثالثة» إخراج شريف عرفة، مع أنها ليست أول ولا آخر من قدم عملا لم يجد الاستحسان الذي يتناسب مع اسم وقدر صاحبه!

إن الفن في تجربة سعاد حسني هو الإخلاص والمعاناة والصدق وعدم إهمال الحالة المزاجية والتكوين النفسي، والنجاح هو النتيجة المنطقية لهذه الأركان، والتي تعد من المكونات الهامة لهذه الأركان، والهامة للتكوين الإنساني بصفة عامة، وفي عطاء الموهوب بصفة خاصة، فهي علامات تحدد للإنسان الطامح مساره عبر صدق التناول ونبل التعامل، وحسن التجاور والتعايش مع من يشاركونه مجتمعه العام والخاص، وعلي الرغم مما حدث من ابتعاد سعاد حسني بعد «الدرجة الثالثة» إلا أنه لم يؤثر علي حركة تجاوب الناس مع فنها.

إن سعاد حسني وعلي الرغم من العدد الوفير من الأغنيات المنسوبة إليها ليست مطربة، وهي أولا وأخيرا ممثلة رائعة التعبير أضافت إلي تعبيرها التمثيلي تعبيرا غنائيا، بعدما نجحت في تقديم لون جميل من الأغاني الخفيفة التي تميل إلي الأغنية المتفائلة المبهجة، بينما غيرها من الممثلات إذا غنين فإن الغناء الصادر عنهن يؤلم الأسماع ويؤذي أعصاب السمع، وفي المقارنة حالات عديدة نذكر منها، واحدة صوتها هش يكاد ينكسر أمام كل جملة تؤديها، وأخري صوتها غير سليم المخارج تكثر فيه الثأثأة والفأفأة، وثالثة لم يركب صوتها أبدا علي مقام، ويصاحب في كل ما يصدر عنه النشاز!

إن في أداء سعاد حسني علي الرغم من التسليم بقدرات الصوت المحدودة، قدرات مقنعة تتمثل في حلاوة الصوت ودفء الإحساس إلي جانب الرغبة لديها في تقديم غناء مبهج خلال حبها للغناء وشخصيتها الجذابة في الأداء، وقد أعان علي هذا الظهور الطيب صحبة الألحان المناسبة، وحرمان المستمع ومنذ أوائل السبعينيات من مثل هذه النوعية من الأغاني بعدما هجرتها شادية ونجاة وفايزة أحمد وصباح ونجاح سلام وهدي سلطان واتجهن إلي لون آخر من الغناء العاطفي الناضج.

كانت سعاد حسني محظوظة لأنها عندما غنت كانت غالبية الألحان «لكمال الطويل» وهو فنان صادق الحس، غزير الإنتاج لكنه نادر قليل العطاء في السنوات الأخيرة، مع أنه يعطي في ألحانه تعبيرا مصريا، عربي المذاق عصري التناول، وقد كانت ألحانه علامات نجاح أضيفت إلي رصيد سعاد حسني..

ومن يتأمل أعمال سعاد حسني لغير كمال الطويل من الملحنين، يشعر أن حضورها فقد شيئاً هاما، حالت بينه وبين أسباب عدم اكتمال التعبير.

بدأت سعاد حسني الغناء لكمال الطويل في أغنية «يا واد يا تقيل». كما ذكرنا - والتي تميز غناؤها لها بحلو الأداء، مع الحرص علي مخارج الألفاظ الحلوة والسليمة، ثم غنت في أيام حرب رمضان (أكتوبر 1973) أغنية وطنية معبرة هي أغنية «دولا مين ودولا مين» من كلمات شاعر العامية أحمد فؤاد نجم، وبعدها نجحت أغانيها «بمبي.. بمبي»، «الدنيا ربيع» في فيلم «أميرة حبي أنا» الذي قدمت فيه أيضا من ألحان فنان الشعب سيد درويش أغاني «الأميرة شهرزاد»، «ياسي كيكو» وفيلم «شفيقة ومتولي» قدمت سعاد حسني واحدة من أجمل أغاني السينما، في الفيلم الذي أخرجه علي بدرخان وهي أغنية «بانو علي أصلكم» التي لحنها كمال الطويل من كلمات صلاح جاهين وفيها تقول:

بانو .. بانوا علي أصلكم بانوا

والكتاب بيبان من عنوانه

وهذه الأغنية تنسج خيوط موضوع أسطورة شعبية لها غموض ملحمي، في لحن تميز بمقدمة يتألق فيها المزمار الصعيدي مع العزف المتجانس للآلات الحديثة وحيث تمهد هذه الأغنية للأداء بمذاقه الريفي الصعيدي.

أما أغاني فيلم «المتوحشة» إخراج سمير فريد فكانت تنويعات مختلفة التأثير والتعبير في أغاني «بابا» والسعادة وبهية البراوية وعلمني حبيبي شيكا بيكا وتأتي أغاني حلقات «هو وهي» التي أخرجها يحيي العلمي من تأليف سناء البيسي، فتقدم عبر أشعار صلاح جاهين وألحان كمال الطويل ومشاركة عمار الشريعي في التنفيذ، أغاني جميلة لايزال مشاهد الشاشة الصغيرة يستمع لها مصحوبة بالصور التليفزيونية المعبرة، كما كانت في أغاني «الشيكولاتة»، «خالي البيه»، «محلا العروسة»، «في الهند أم العجايب»، «يا تري انت فين يا حبيبي»، «البنات .. البنات»، «جرس الفسحة»، «بابا زمانه جاي»، «حلقاتك برجلاتك»، «عيد ميلاد سعيد يا نسمة»، «جلابية بارتي».

إن هذا العدد الكثيف من الأغاني الناجحة لا نغالي إذا قارنا نجاحها بالنجاح الهش لأغاني من وضعوا خطأ علي خريطة الغناء، والمقارنة تنصف غناء سعاد حسني من ناحية نجاح هذا اللون وانتشار هذه الأغاني بمضمونها المتميز بينما غناء من يتصورون أنفسهم من نجوم الطرب، يزعج الأسماع ويؤذي الوجدان، خصوصا عندما يصدر هذا الغناء من صوت يصعب تمييزه. وهل هو صوت أنثي أو ذكر.. وبالعكس!

إن لسعاد حسني الممثلة صوتاً معبراً، بسيطاً يفوق في تعبيره. هذا الغناء المشوه والمختلط والذي يقدمه هذا البعض الذي يسرف في الدعاية ويرهقنا بالإلحاد، ويخدع أسماع صغارنا في وقت غاب فيه ثقل الرأي الذي يهتم بالأعمال الجيدة ويواجه السقيم ليحول دون انتشاره السرطاني!

لقد عرفت سعادت حسني كيف تغني مع أنها ممثلة قديرة، ولم تدع يوما أنها مطربة، ولهذا أعطت بقدر معرفتها لنفسها وإمكاناتها فبحثت عن الأفضل فقدمته، واجتهدت وتعلمت، فخرج منها هذا الغناء الذي أثبت أنها تمتلك أذنا موسيقية مرهفة. وتذوقا غنائيا راقيا ينبع من استماعها لكل ألوان الموسيقي قديمها وحديثها، بحثا عن نغمة جميلة تشبع حنينها إلي الغناء الذي يتمكن منها وتتمكن منه خلال قدرات مؤثرة التعبير، وهو ما يستحق الثناء والإعجاب بفن هذه المبدعة الموهوبة. حتي وإن توقف العطاء!.