رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


«كف إيزيس» وعبقرية استلهام التراث

7-3-2022 | 12:34


فوزي إبراهيم,

في المسرح الاستعراضي الكل يبحث عن الإبهار، والمتميزون فقط هم من يدركون أن إبهار الفكرة هو أصل الإبهار، لذا يطول البحث دائما عن الفكرة المبهرة، التي تعطي ملامح الابتكار للعرض أولا وتخلق الصلة بين الدراما والاستعراض ثانيا، وتطلق خيال المخرج في نسج التناغم بين هذا وذاك بما أمتلك من قدرة علي توظيف عناصر أخرى مثل الديكور والملابس والإضاءة وفكر إبداعي يحركه ويحرضه عبقرية الفكرة، وما أبدع أن تخرج الفكرة من رحم الأساطير الفرعونية والتراث الفلكلوري المصري معا، وتنطلق حرارة المتعة والفرجة في مكان له عبقريته أيضا هو قاعة المؤتمرات بمكتبة الإسكندرية.

إنه "كف إيزيس" المخضب بدم حبيبها "أوزوريس" إله الحب حين راحت تجمع أشلائه بعد أن قتله "ست" إله الشر ووزع أشلاء جثته على كافة أقاليم مصر كي يصعب العثور عليها وتجميعها، إلا أن "إيزيس "جابت الأرض شرقا وغربا وشمالا وجنوبا حتي جمعتها وأعادت حبيبها "أوزوريس" من جديد ليبث الخير وينتصر علي الشر، وفي "كف إيزيس" هذا العرض المسرحي الاستعراضي المدهش جاءت عبقرية فكرة د. أحمد يونس عازفة علي وتر الربط بين "كف إيزيس" المخضب "بدم أوزوريس" وبين "حناء كف العروس" في تراث أفراح مصر وفي عادات وتقاليد محافظاتها، مستثمرة ذاك الثراء في الأغاني والرقصات المميزة لكل إقليم، بعد أن إستعان" د. يونس "صاحب الفكرة ومصمم الاستعراضات بدراما ضربت في عمق الأسطورة دون التخلي عن بساطة اللغة والتناول حتي لا تفسد روح الاستعراض، وصياغة قسمت المسرح إلي بعدين ومستويين، أعلاهما لدراما ٱلهة الأسطورة الفرعونية والأخرى لدراما العامة واستعراضاتهم التي كتب أشعارها باقتدار الشاعر والروائي عادل حراز.

واستطاع مخرج العرض إيهاب يونس الذي كان هو نفسه كاتب دراما العرض أو "الدراماتورجي" كما جاء في دعاية المسرحية أن ينجح في الانتقال بين المستويين بوعي شديد حافظ لكل منهما علي جماله في تناغم بين التمثيل والاستعراض والغناء والباليه و"السينو غرافيا" بل لجأ إلي مستوى ثالث أراد به إشراك المتفرج في الحالة الفنية علي المسرح من خلال الرواه الذين تبادلوا الحوار ووجهوه للصالة قاصدين كسر الحائط الوهمي بين الجمهور والمسرح أو" الحائط الرابع" كما سماه الألماني" بريخت" رائد المسرح الملحمي، وقصد دائما المخرج المتميز والدراماتورجي إيهاب يونس أن يسقط رمزية قصة بطلة الأسطورة "إيزيس" علي قصة كل عروس في كل محافظة نقلنا إليها، ولم ينس أيضا أن يجعل لرمز الشر" ست" وجوده في خلفية كل قصة إلي أن تزيحه طاقة الفرحة والفرجة وتدب الاستعراضات والأغاني النابضة بروح تراث الأقاليم.

وهكذا ظل إيهاب يونس يسقط الماضي علي الحاضر إلي أن جاء أوزوريس فنشر البهجة علي المستويين ورقصت إيزيس مع أوزوريس  بين العامة، بعد أن اختفي رمز الشر "ست" تماما من المشهد، كل هذه المتعة التي ملأت فضاء المسرح جاءت من فرقة مستقلة محدودة الإمكانيات لكنها غنية بمواهبها وباحترافية القائمين عليها والذين استحقوا الوقوف علي مسرح قاعة مؤتمرات مكتبة الإسكندرية هذا الصرح الثقافي الدولي، وأظن أن رئيس قطاع الفنون الشعبية والاستعراضية الصديق عادل عبده لو شاهد هذا العرض سوف يشاركني الإعجاب والانجذاب للفكرة والتناول والإخراج والأشعار والحرفية الشديدة ولن يبخل عليهم بليلة أو ليلتين عرض علي مسرح البالون أو أحد مسارح القطاع.