د. شيرين الملواني,
زالت إلى حد كبير غُمة الكورونا؛ كنتيجة متوقعة لحدوث نوع من المناعة المجتمعية، مما يعني انتهاء الجائحة بعد عامين من الخسائر البشرية والاقتصادية، هذا لا يعني تلاشي الفيروس؛ إنما يعني ضعف حدته وتساويه مع ڤيروسات الأنفلونزا في الأعراض وبروتوكولات العلاج.
وبالنظر لمصابي ڤيروس كورونا في أوج موجات شدته؛ سنجد أعدادًا هائلة تم شفاؤها بعد المرور برحلة علاجية كاملة، لكن ما زالوا يشعرون بالأعراض، ويتوقون إلى مؤشر استعادة العافية بلا نتيجة وهذا ما يتم تسميته "بمتلازمة ما بعد كوفيد".
الأكثر معاناة من هذه المتلازمة كبار السن والأشخاص أصحاب الأمراض المزمنة أو الخطيرة، ولكن حتى الشباب الذين يتمتعون بصحة جيدة يمكن أن يشعروا بالتوعك لأسابيع إلى شهور بعد الإصابة، على المدى الطويل.
وباستعراض أعراض ما بعد الشفاء؛ نجد أن المُتعافي وعلى الرغم من سلبية مسحته وأشعته السليمة، ما زال أثر الفيروس مستمر معه؛ ويكون في صورة ألم في الجسد ووهن ووخم مستدام وتعب وإرهاق من أقل جهد مع إمكانية حدوث اكتئاب بنوعيه، وهناك نوع آخر يكون لديه آثار جانبية على القلب أو عضلته أو قد يصيب الغشاء حوله بالتهاب.
ليس شرطاً أن يصاب الجميع بمتلازمة ما بعد كورونا، ولكن كلٍ متوقف على الحِمل الڤيروسي؛ فالمصاب بكورونا متوسطة أو شديدة هو أكثر عرضة للإصابة بالمتلازمة خاصة في حال الإصابة بالسكر أو الضغط أو زيادة الوزن، وهو ما يعرضهم إلى تليف الرئة الشديد أو المتوسط أو الخفيف، والأغلب أن هذا الشخص يعيش فترات على موسعات الشعب الهوائية وجرعات كورتيزون عن طريق الفم وبعض المضادات التي تمنع التليف لمدة ثلاثة أشهر، ومن الملفت أن 80% من هذه الحالات تستجيب للعلاج وهناك 20% يبقى مصاباً بتليف الرئة ويتحول لتليف مزمن.
الأمر لا يتوقف عند التليف الرئوي فقط، ولا يظل مقصوراً على متاعب التنفس على المدى الطويل؛ إلا أنه يمكن أن يتسبب أيضًا في تلف العديد من الأعضاء الأخرى، بما في ذلك ضعف عضلة القلب والضعف الكلوي والسكتة الدماغية ومتلازمة -غيلان باريه - وهي حالة تسبب شللًا مؤقتًا.
كما يعاني بعض البالغين والأطفال من متلازمة الالتهاب متعدد الأجهزة بعد إصابتهم بكوفيد، وفي هذه الحالة، تلتهب بعض الأعضاء والأنسجة بشدة، نتيجة لقدرة "كوفيد 19" أن يجعل خلايا الدم أكثر عرضة للتكتل وتشكيل جلطات، وتشمل تلك الجلطات الرئتين والساقين والكبد والكلى، كما يمكن لكوفيد أيضًا أن يضعف الأوعية الدموية ويسبب تسربها، مما يساهم في حدوث مشاكل طويلة الأمد.
والجدير بالذكر أن عدد المصابين بتلك المتلازمة أكثر من المصابين بالفيروس نفسه، والسبب في ذلك أن هناك جزء كبير من المجتمع لم يقوم بالكشف واكتفى بأخذ البرتوكول في اعتقاد منه أنه تعافي من كورونا، ولكن يفاجئ الكثير من المتعافين بعد مرور أسبوعين بظهور أعراض غريبة جدا عليهم منها: "الطفح الجلدي، ارتكاريا، حكة الجلد، تليف رئوي، نغزات في الصدر، التهاب بالأعصاب والمفاصل وذلك في كافة المتحورات.
المناعة سلاح ذو حدين، فالمناعة هي الفيصل في علاج كورونا، قد تكون مناعتك ضعيفة جدا وهذه مشكلة كبيرة لأنه يمكن حدوث خطورة للحالة الصحية، وقد يكون رد فعل مناعة أخرى عنيف جدا، عندئذ نجد أن هناك مصابين بفيروس كورونا لديهم رد فعل مناعي مفرط أو يحدث ما يسمى بـ"العاصفة المناعية" التي تخرج أثناء الإصابة وبعد التعافي ونفاجئ بأنها أحدثت بعض المشاكل مثالا في العظام أو الرئة، لذلك نجد أن هناك حالات تعالج بمثبطات مناعية بعد الشفاء، وهناك حالات نادرة تحدث بعض المضاعفات.
وباستعراض كل ما سبق ننادي بكثرة تدشين "عيادة متلازمة ما بعد كورونا" تلك الخطوة التي قامت الدولة باستحداثها كعيادات بالجامعات المصرية، والتي من شأنها متابعة المتعافي من ڤيروس كوفيد ١٩ والذي من الممكن أن تحتد أعراضه عليه بعد زواله ورغم سلبية التحاليل ويسهم في معاناة صحية ونفسية لا تنتهي.