د. جمال عصمت.. عضو لجنة «مكافحة الفيروسات الكبدية»: مبادرة رئاسية لمواجهة السرطان
حوار: إيمان النجار
نقاط أساسية يعتبرها د.جمال عصمت، عضو اللجنة القومية لمكافحة الفيروسات الكبدية، نائب رئيس جامعة القاهرة الأسبق بمثابة أولويات يجب أن تكون على مكتب الرئيس خلال عامه الرابع فى الحكم، بدأها بضرورة اتخاذ خطوات فعلية نحو تطبيق قانون التأمين الصحى الاجتماعى الشامل لكل المصريين ولكل الأمراض، أيضا تحسين الطوارئ والاستقبال فى كل محافظات الجمهورية ضرورة، وكذلك الاهتمام بالتدريب الطبى المستمر لكافة الكادر الطبي.
وشدد «د.جمال» على أن الاهتمام بصناعة الدواء الوطنية، يعتبر أولوية مطلقة لمواجهة أسعار الأدوية المستوردة وتوفير عملة صعبة للبلاد، متمنيا تكرار مبادرة الرئيس عبد الفتاح السيسى، الخاصة لعلاج مرضى فيروس سى بعد النجاح الذى تحقق مع مرضى السرطان.. وحول تفاصيل الأولويات تلك، ورؤيته لإمكانية تنفيذها وأمور أخرى كان الحوار التالى:
بداية.. من وجهة نظرك ما أولويات القطاع الصحى التى يجب أن يلتفت إليها الرئيس خلال الفترة المقبلة؟
القطاع الصحى يحتاج تدخلات كثيرة، لكن توجد أولويات لا بد من البدء بها، ويمكن القول إن هناك ثلاث أولويات، فى مقدمتها ملف قانون التأمين الصحى الاجتماعى الشامل، الذى يغطى كل المصريين وكل الأمراض ويعطى للمريض حق اختيار المكان الذى يريد العلاج فيه، ويكون فيه تدرج بحيث توجد أماكن مجانا وتتحمل الدولة كامل التكلفة، وأماكن أخرى بنسبة معينة، بحيث لا يتم القول للمريض إما أن تقبل العلاج فى مستشفى معين مجانا أو ليس لك علاج فى مكان آخر.
الملف الثانى والمهم التركيز خلال الفترة المقبلة على تحسين الطوارئ والاستقبال فى كافة محافظات الجمهورية، ووصول سيارات الإسعاف ونقل المواطنين بحرفية وكفاءة وسرعة، لأن حجم حوادث الطرق كبير ووفيات الطرق فى مصر من أعلى المعدلات العالمية.
الملف الثالث تدريب الكادر الطبى كاملا، بداية من العامل والفنى والممرضة والطبيب، التدريب المهنى المتواصل وهذا مطلوب جدا فى القطاع الصحى خلال السنة المقبلة.
هل توجد فئات معينة من المرضى تحتاج لمزيد من الدعم؟
الرئيس تبنى مبادرة لعلاج مرضى (فيروس سي) وحققت نجاحا واضحا، ونأمل تكرار مبادرة مثلها مع مرضى السرطان، فنجاح أى مشروع قومى خاصة إذا كان فى مجال الطب يحتاج إلى إرادة سياسية قوية، إضافة إلى مجموعة من المختصين المهتمين بموضوع المشروع القومي، وهذا تحقق فى برنامج علاج فيروس سى على مدار السنوات الماضية والذى أخذ دفعة قوية جدا بمبادرة رئاسة الجمهورية لعلاج مليون مواطن.
كما أن وجود مبادرة رئاسية حقق عدة فوائد أو مزايا للمبادرة، حيث جعلت علاج فيروس «سي» المشكلة الصحية الأولى فى مصر، وجعلت الكل يتكاتف لتحقيق هذا الحلم، وزارة الصحة واللجنة القومية لمكافحة الفيروسات الكبدية ومنظمات المجتمع المدنى ونقابات وجامعات، كل يعمل تحت لواء هذه المبادرة، ويمكن تلخيص هذه الفوائد فى عدة نواح، منها اهتمام الإعلام بصوره المختلفة من صحافة وإذاعة وتليفزيون بهذا المشروع الطبي، وتوجيه شركات الأدوية ورجال الأعمال لدعم هذه المشروع كل فى تخصصه، وتحفيز الأطباء المتخصصين على إجراء الأبحاث والدراسات العلمية واستكمال المشروع الطبى بشكل يليق بتبنى رئاسة الجمهورية له.
وأضيف على ما سبق أهمية العمل على إيجاد مظلة للعمل بين كل الجهات المختصة للوصول إلى إكمال المشروع بصورة ناجحة، وتذليل العوائق والمصاعب الروتينية والقضاء على البيروقراطية التى يمكن أن تقف عثرة فى سبيل إكمال المشروع، فوجود الإرادة السياسية جعلنا نستفيد بهذه النواحى فى مشروع علاج فيروس «سي»، وهى نفسها النواحى التى يمكن الاستفادة بها فى علاج مرضى السرطان وتحقيق أملهم فى الشفاء، فمثلا فى مجال الأورام يمكن تشجيع شركات الأدوية على إنتاج أدوية الأورام بأسعار مخفضة كما خضناها فى تجربة أدوية فيروس سي.
ارتفاع أسعار الأدوية.. ألا ترى أنه يندرج تحت بند «أولويات القطاع الصحى»؟
الحل فى مسألة ارتفاع أسعار الأدوية يتمثل فى أنه كلما نشجع صناعة الدواء المصرية، نستطيع الوقوف ضد أسعار الدواء المستورد المرتفعة، ليس فقط لزيادة قدرتها على تغطية السوق المصري، لكن أيضا قدرتها على التصدير للخارج وجلب عملة صعبة للبلد.
كيف ترى توجيهات رئيس الجمهورية، لوزير الصحة د. أحمد عماد للدكتور أحمد بمواجهة مشكلة فيروس سى وحلها خلال عام؟
بداية الموضوع يحتاج لجهد كبير وتضافر جهود أكثر من جهة وليس وزارة الصحة فقط، لكن هذا لا يعنى تجاهل أن الوزارة ركن أساسي، ويقع على عاتقها الدور الأكبر، لكن لا بد من تعاون بقية الوزارات، فسيدخل بها وزارة الإنتاج الحربى والتعليم العالى والتنمية المحلية، ولا بد من منظومة متكاملة، ولكى يتحقق لا بد من السير فى أكثر من اتجاه، وتوجد نحو تسعة محاور لابد من العمل عليها وهى أولا: توفير كواشف لـ ٦٠مليون مواطن على فترات بواقع ١٥مليونا كل ثلاثة أشهر.
المحور الثاني، يختص بجعل الوحدات الصحية الأولية مسئولة عن عمل تحاليل اكتشاف الفيروس بما يكفل الوصول إلى كل القرى والنجوع، خاصة مع وجود شبكة كبيرة من الوحدات الصحية تتعدى الخمسة آلاف وحدة صحية، وكذلك إجراء تحليل لكل المترددين على العيادات بجميع المستشفيات الحكومية والجامعية والخاصة.
أما المحور الثالث، فيتمثل فى جعل الإدارة الطبية داخل المؤسسات الحكومية والمصانع والجامعات هى المسئولة عن عمل التحاليل، رابعا، أن يتم إشراك جميع المستشفيات المجمعة والمركزية والتعليمية والجامعية فى علاج المرضى الذين لايحتاجون لرعاية طبية ومتابعة، والمحور الخامس، يتعلق بأن يتم تحويل الحالات الطبية الأولى بالرعاية إلى مراكز علاج الفيروسات الكبدية، والمحور السادس ينص على أن يتم تقسيم مصر إلى أقاليم من محافظتين إلى ثلاث يكون فى كل إقليم تعاون بين الإدارة الصحية وكلية الطب والمستشفى العسكرى فى الإشراف على مبادرة فيروس (سى) فى الإقليم (محافظتين أو ثلاث) من خلال مجلس أعلى لهذا الإقليم.
أما المحور السابع، فيتعلق بالتعجيل فى إنتاج الحقن ذاتية التدمير، فمنذ أكثر من أربع سنوات نتحدث عن هذا الموضوع ونطالب به ولكن التحرك فيه بطئ، والمحور الثامن، يكمن فى توفير كل المستهلكات الطبية التى يعاد استخدامها مره أخرى خلافا للمواصفات الدولية بأسعار مخفضة ومدعمة وضرورة إنتاجها فى مصر.
فى حين أن المحور التاسع والأخير يتمثل فى توفير أدوات التعقيم للأسنان والمناظير والطوارئ بأسعار مخفضة فى الوحدات والمستشفيات الخاصة وإتاحتها حتى بقروض ميسرة لتقليل فرص العدوى، وكل هذه الأمور مهمة للوصول بمصر للمعدلات العالمية لانتشار فيروس سى وهى ما بين واحد إلى ٢ ٪، وحاليا فى مصر نسبة وجود الأجسام المضادة ٧ ٪ ونسبة انتشار فيروس سى نحو ٤.٥ ٪ أو ٥٪، ونريد الانخفاض بها إلى واحد أو ٢ ٪.
هل هناك رقم محدد لتكلفة تطبيق المحاور التسعة التى تحدثت عنها؟
حقيقة.. لم تواجهنا مشكلة فى التمويل منذ بدء علاج مرضى فيروس سي، فتكلفة العلاج حاليا وصلت لنحو واحد على الألف من تكلفة العلاج فى الخارج، لكن المشكلة الحقيقية فى اكتشاف ٣ ملايين و٥٠٠ ألف شخص لا يعلمون بإصابتهم بفيروس سى، ونحن لا نعلمهم، وهذا يحتاج لمجهود وتنظيم وتنسيق بين أكثر من الجهة، ولكن لو تحدثنا عن عمل مسح لـ ٦٠ مليون شخص، ستكون تكلفة المسح نحو ٦٠٠ مليون جنيه وهذا مبلغ لا يمثل مشكلة، لكنها تتمثل فى كيفية الوصول إليهم، فقد تم علاج نحو مليون شخص بنحو مليار ونصف المليار جنيه، فالعلاج يكلف نحو ١٥٠٠ جنيه للشخص والتكلفة فى انخفاض باستمرار.
بالحديث عن الانخفاض.. إلى أين وصلنا فى اكتشاف الحالات الجديدة؟
حسب بيانات وزارة الصحة يتم اكتشاف نحو ٨ آلاف حالة جديدة كل شهر، بمعدل مائة ألف حالة فى السنة وهذا المعدل لا يمكن به القضاء على فيروس سى فيتطلب سنوات عديدة، وحاليا تم علاج نحو مليون ونصف المليون مواطن، منهم نحو مليون و٥٠ ألف مريض تم علاجهم فى مراكز اللجنة القومية للفيروسات الكبدية وبقية العدد نحو ٥٠٠ ألف تلقوا علاجهم على نفقتهم الخاصة أو المراكز الخاصة أو القوات المسلحة والشرطة، بنسب نجاح عالية جدا وبأعراض جانبية قليلة جدا، ولكن تبقى مشكلة اكتشاف المصابين التحدى الأكبر لكن « نعالجهم إزاى وبإيه لا توجد فيها مشكلة».
التحدى الثانى متعلق بوقف حدوث العدوى سواء لأصحاء أو لمرضى تم شفاؤهم من الفيروس، وهذا يتحقق بالإسراع فى إنتاج الحقن ذاتية التدمير وتوفير وسائل التعقيم، ويتواكب مع ذلك الاهتمام بالتشريعات، وهذا دور البرلمان خلال السنة المقبلة، من خلال النظر فى تشريعات فى أربع نقاط محددة هى التشريع الأول الخاص بمحاكمة أى شخص داخل القطاع الطبى أو خارجة يكون مسئولا عن نقل العدوى لمريض، فحتى الآن ليس لدينا هذا التشريع، والتشريع الثانى أن تتم معاقبة أى شخص يتحدث عن علاج أو تشخيص للفيروسات الكبدية دون حصوله على موافقة وترخيص من وزارة الصحة، والتشريع الثالث لإيقاف التمييز ضد مرضى فيروس سى فى الداخل والخارج، فما يتم إجراؤه هو تحليل الأجسام المضادة وتكون إيجابية، رغم أن تحليل الـ» بى سى ار» سلبي، وهنا يمنع من السفر أو التعيين وهذا موضوع يحتاج تحركا من وزارة الخارجية والعمل، التشريع الرابع الخاص بإعطاء أولوية للبحث العلمى وموازنة البحث العلمى.
ومن غير المنطقى أن نتحرك كل هذه الخطوات فى العلاج والأدوية، وبقية المحاور الأخرى الخاصة باكتشاف العدوى ومنع انتشارها ومنع التمييز لا تحدث فيها إنجازات مثلما حدث فى محور العلاج، فما حدث فى مجال العلاج كان إنجازا قويا عندما فكرنا «بره الصندوق».
ذكرت تشريعا خاصا بالبحث العلمى، هل بالتشريع فقط يتحسن؟
تحسين أوضاع البحث العلمى فى مصر يحتاج لوقفة حقيقية، ويكون ذلك من خلال ثلاث نقاط وهي، أولا أننا كعلماء وباحثين علينا تعلم كيفية العمل بروح الفريق الواحد وأن يكون بيننا تعاون، لأنه من غير المنطقى أن باحثا وحده يصل إلى إنتاج مُشرف إلا إذا كان معه فريق بحثى متكامل، النقطة الثانية هى توفير الموارد المالية والإمكانيات البحثية اللازمة للبحث العلمى التى تساعد العالم فى أبحاثه، وأن يكون لديه الإمكانيات لتحويل هذه الأبحاث إلى واقع وأهم من ذلك أيضا هو ربطها بالمجتمع، خاصة أن لدينا كثيرا من الأبحاث على الأرفف لا ترى النور بمعنى أنه لا يستفيد منها أحد ولا المجتمع، ولا يتم تطبيقها، مع الأخذ فى الاعتبار أن عدم تطبيق البحث الذى توصل إليه العالم أو الباحث بالتأكيد سوف ينعكس عليه سلبا.
النقطة الثالثة هى إعادة النظر فى المعوقات الإدارية، فالباحث يجد نفسه يتعامل وكأنه موظف ويطلب منه طلبات تعد مشكلة، رغم أنه يجب فى البحث العلمى التغاضى نسبيا عن بعض القواعد الإدارية المعوقة، فالباحث فى كثير من الدول يتقدم على بحث ويحصل على الموافقة ويحصل على تمويل هذا البحث ثم تتم محاسبته فى النهاية ولا يحاسب على كل تفصيلة أو كل خطوة منفصلة، هذا كله بجانب التوعية بقيمة العلم والعلماء والبحث العلمي، فرغم حصول الكثير من العلماء على جوائز الدولة لم نجد حفاوة بهم من قبل وسائل الإعلام المختلفة رغم أهمية ذلك بوصفهم مفاتيح التقدم للأمة وتسليط الأضواء عليهم والاحتفاء بهم شيئا مهما، فلنا أن نتخيل أنه مع حصول عدد من العلماء على جوائز النيل فى العلوم أو جوائز الدولة التقديرية لم نر اهتماما من وسائل الإعلام بهم ولا حتى بذكر أسمائهم فى كثير منها.