فى السنة الرابعة للسيسى غير القادرين يطالبون الحكومة بإلحاح أن ترفق بهم فى إصلاحها الاقتصادى
بقلم – عبدالقادر شهيب
لا يختلف كثيراً ما يريده الأغلب الأعم للمصريين من الرئيس السيسى مع بداية السنة الرابعة والأخيرة فى الفترة الرئاسية الأولى له عما كانوا يريدونه منه فى بداية سنته الرئاسية الأولى باستثناء مطلب أساسى إضافى فرضته تداعيات ونتائج خط الإصلاح الاقتصادى التى تنفذها الحكومة.. فأن الأغلب الأعم من المصريين مازالوا يريدون اليوم من الرئيس، كما أرادوا قبل ثلاث سنوات مضت، إقرار الأمن، مواجهة الإرهاب والتخلص من شروره، والتصدى لمؤامرات جماعة الإخوان وداعميها فى منطقتنا بل وفى العالم كله، وأيضاً الاستمرار فى البناء والنهوض باقتصادنا وتجاوز مشاكلنا الاقتصادية التى تفاقمت بعد ٢٠١١، فضلا عن حماية الأمن القومى المصرى والعربى فى ظل التحديات الهائلة التى تواجهنا إقليميا وعالمياً مع التمسك والإصرار على انتهاج سياسة خارجية مصرية مستقلة تساعد بلدنا على استعادة دورها البارز عربيا وإقليمياً وإفريقياً مع احتفاظها بعلاقات متوازنة مع القوى العالمية المؤثرة.
غير أن ما شهدته مصر من تطورات اقتصادية خلال الشهور الماضية، وتحديداً منذ أن تم تعويم الجنيه المصرى، والذى ترتب عليه انفلات فى معدل التضخم وارتفاع الأسعار بما جاوز ٣٠٪ لأول مرة، أضافت مطلباً عاجلاً وملحاً لغالبية المصريين، أصحاب الدخول المحدودة والمتوسطة من الرئيس السيسى مع بداية السنة الرابعة والأخيرة فى فترته الرئاسية الأولى، ويتمثل هذا المطلب فى أن ترفق بهم الحكومة فيما تتخذه من اجراءات للإصلاح الاقتصادى.. أى أن تخف من أعباء هذه الإجراءات الاقتصادية على غير القادرين وتحمل القسط أو القدر الأكبر منها للقادرين فى البلاد، لتوزع بعدالة هذه الأعباء.. فلا يتحملها الجيل الحالى وحده، ولا يتحمل القدر الأكبر منها غير القادرين، خاصة وأن تراكم هذه الأعباء على غير القادرين فاق قدرتهم على الاحتمال خلال الشهور السبعة الأخيرة، والتى شهدت انفلاتا ضخماً فى معدل التضخم فى معدل التضخم، كانت نتيجته انخفاضا مستمرا، ولا يتوقف فى مستوى معيشه غير القادرين الذين لا ينتمون فقط لأصحاب الدخول المحدودة وإنما ينتمون أيضاً لأصحاب الدخول المتوسطة .
ولو كلفت الحكومة نفسها عناء إجراء دراسة أو استفتاء حول أحوال الفقراء وأبناء الطبقة المتوسطة فى البلاد فإنها سوف تتبين أن معاناتهم كبيرة وضخمة .. فهم لا يجدون صعوبة فقط فى تدبير شئون حياتهم وتغطية التكاليف الأساسية لإنفاقهم الضرورى. من مسكن وملبس وتعليم وعلاج وانتقالات، وإنما امتد الأمر إلى تدبير غذائهم أيضاً.. فهناك فئات اجتماعية واسعة تنازلت عن استهلاك أنواع من الغذاء مثل اللحوم والدواجن والأسماك، بينما لجأ كل من ينتمون لأصحاب الدخول المحدودة والمتوسطة لتخفيض ما يستهلكونه من الغذاء، رغم أنه كان أساسا لا يكفيهم من قبل.. وإذا كان هؤلاء منذ أن بدأت الحكومة تنفيذ إجراءاتها للإصلاح الاقتصادى يتحملون بصبر ما أضافته على عاتقهم هذه الإجراءات من أعباء أشاد ومازال يشيد به الرئيس، فإنهم مؤخرا بدأوا يتمللون ويشكون، ويعبرون عن نفاذ صبرهم ومع القرارات الأخيرة للحكومة برفع أسعار البنزين والسولار والغاز وأيضاً الكهرباء والمياه والصرف الصحى والتى صاحبها على الفور زيادات فى تكلفة النقل وأسعار السلع الغذائية.
وإذا كانت الحكومة تقول أنها تفعل ما يطلبه أصحاب الدخول المحدودة والمتوسطة.. أى تلتزم العدل فى توزيع أعباء الإصلاح الاقتصادى بعدل على القادرين وغير القادرين، فإن عموم الناس لا يرون ذلك أو على الأقل لا يرون أنها تفعل فى هذا الصدد ما يكفى لتحقيق التوزيع العادل لأعباء الإصلاح الاقتصادى على الجميع قادرين وغير قادرين.. بل إنهم يرون أن غير القادرين يتحملون تضحيات وأعباء أكثر من القادرين خاصة بعد قرار تعويم الجنيه الذى ترتب عليه ارتفاع هائل فى معدل التضخم وارتفاع الأسعار تجاوز ٣٠٪، وثمة توقعات بزيادة أخرى له بعد الزيادة الجديدة فى أسعار المنتجات البترولية، فى وقت كان عموم الناس يأمولون فيه أن تصدق وعود المسئولين عن إدارة اقتصادنا الوطن ببدء تراجع وانخفاض معدل التضخم .. ومن يسمع بسطاء المصريين الآن من أصحاب الدخول الثابتة، سوف يجدهم يقولون إن العلاوات الجديدة (سواء العادية أو الاستثنائية) أو الزيادات فى المعاشات ، قد سلبت منهم بسبب ارتفاع الأسعار الذى لا يتوقف قبل أن ينفقوها.
وهنا لا يكفى أن يسمع الناس من الحكومة وتحديداً من المسئولين فيها عن إدارة اقتصادنا الوطنى كلاما مثل الذى يسمعونه الآن مثل أن الإصلاح الاقتصادى مثل الدواء المر يجب تحمل المريض مرارته حتى يشفى، أو مثل أن الحكومة تفعل كل ما فى وسعها وأنها تسعى لتخفيف أعباء الإصلاح الاقتصادى على غير القادرين.. فأن مثل هذا الكلام لم يعد يجد أذانا صاغية من قطاعات تتزايد يوما بعد يوم من عموم الناس، خاصة بعد أن تبين لهم أن تقديرات وتوقعات من يديرون اقتصادنا الوطنى لم تتحقق.. فهم توقعوا بعد تعويم الجنيه ألا تنخفض قيمته إلى هذا المستوى الذى وصلته، وكانوا يتوقعون ألا يبلغ سعر الدولار الأمريكى أكثر من ١٤ جنيها ولم يحدث ذلك .. وحتى بعد أن فاجأ ذلك من يديرون اقتصادنا الوطنى عادوا وتوقعوا أن يتحسن سعر الجنيه المصرى فى غضون ستة أشهر فقط، ولم يحدث ذلك أيضا، رغم الزيادة فى احتياط النقد الأجنبى والتحسن فى مواردنا من النقد الأجنبى .. وتوقعوا كذلك ألا يرتفع معدل التضخم على هذا النحو المنفلت ولم يحدث ذلك .. وبعدها توقعوا أن يتخلص هذا المعدل من الانفلات فى الزيادة. ولم يحدث أيضا ذلك.. وهو ما يعنى ضمنا أن الحكومة بصفة عامة ومن يديرون فيها اقتصادنا الوطنى لا يحتكرون وحدهم الصواب، أو الحقيقة، وأن ما يقترحونه من علاجات لمشاكلنا وأزماتنا الاقتصادية ليس مقدساً .. تماماً مثلما يحدث فى حالة الإنسان المريض فهو يحتاج أحياناً لكونصولتو من الأطباء .. أى يحتاج لاستشارة أكثر من طبيب كل منهم متخصص فى فرع معين من الطب.
ولعل هذا تحديداً ما ينتظره عموم الناس من الرئيس السيسى فى السنة الرابعة والأخيرة له فى فترته الرئاسية الأولى .. أنهم يريدونه توسيع دائرة المستشارين الاقتصاديين، ولدينا منهم كثيرون والحمد لله .. وهؤلاء يطرحرون مقترحات بديلة أو إضافية لما تتخذه الحكومة من اجراءات اقتصادية، وخاصة فيما يتعلق بتخفيف أعباء الإصلاح الإقتصادى على غير القادرين وعلاج الآثار الجانبية لهذا الإصلاح التى يعانون بشدة منها، أو فيما يتعلق بجوهر وأولويات الإصلاح الإقتصادى وجرعات العلاج الاقتصادى لمشاكلنا.
مثلا .. لدينا فى جعبة هؤلاء الخبراء ملاحظات على أداء الحكومة الاقتصادى والذى لا يزيل بالقدر الكافى العقبات والعوائق التى تعترض طريق الاستثمار والمستثمرين، وبالتالى تعطل زيادة الإنتاج، وبالتالى تؤخر زيادة معدل النمو الإقتصادى .. وثمة اقتراحات مطروحة لا تعمل بها الحكومة حتى الآن لزيادة معدل النمو الاقتصادى وانطلاق الاستثمار تتجاوز تفعيل قانون الاستثمار الجديد بعد الأنتهاء من صياغة وإقرار لائحتة التنفيذية، وتتركز هذه المقترحات فى تبسيط إجراءات الحصول على التراخيص اللازمة لإقامة المشروعات الجديدة أو توسيع نطاق المشروعات القائمة.
ومثلا أيضا لدينا ملاحظات فى جعبة الخبراء على أداء الحكومة الاقتصادى الذى يعتمد فى الحصول على الموارد بالطرق التقليدية المتمثلة فى زيادة ضريبة القيمة المضافة أو زيادة أسعار الخدمات الحكومية وطاقة ومياه وصرف صحى ورسوم استخراج الوثائق وغيرها.. بينما هناك وسائل تدر على خزانة الدولة دخلا كبيراً دون أن تمثل عبئا مباشراً على غير القادرين مثل تسهيل إجراءات التراخيص لمحلات ومقاهى ومنازل قائمة يتمنى أصحابها وملاكها أن ينالوا تلك التراخيص.. وأيضا الإسراع فى عملية تقنين أوضاع الكثير من الملاك للأراضى أو المنشآت المخالفة مقابل تحصيل الرسوم المطلوبة منهم، وهم مستعدون لذلك حتى تصبح أوضاعهم قانونية.. فضلا عن أن ذلك يعد خطوة مهمة وضرورية لإدماج الاقتصاد غير الرسمى فى الاقتصاد الرسمى.
ومثلا كذلك لدينا ملاحظات فى جعبة الخبراء الاقتصاديين أيضا على أداء الحكومة الاقتصادى بخصوص كبح جماح التضخم والسيطرة على جنون ارتفاع الأسعار وحماية المواطنين من الغلاء فهذه الإجراءات تعتمد فقط على زيادة عدد المنافذ التى تطرح السلع الغذائية تحديداً بأسعار أقل من مثيلاتها فى الأسواق، وأيضا، ولا تمتد لتشمل مواجهة ضرورية للاختلال الجوهرى للسوق المصرية المتمثل فى سيطرة الاحتكارات عليه وبالتالى تعطل آلية العرض والطلب، تلك الاحتكارات التى جعلت ثمة مبالغة فى هامش الربح، الذى يتجاوز ٪١٠٠ فى معظم السلع بينما لا يتجاوز هامش الربح فى الدول الرأسمالية ٪٢٥-٢٠.
وهكذا .. هناك الكثير من المقترحات لو تم الأخذ بها وتنفيذها خلال عملية الإصلاح الاقتصادى سوف تنخفض أعباء هذا الإصلاح على غير القادرين.. وبذلك ترفق الحكومة بالناس فعلا وهو أقصى ما يطالب به غير القادرين الآن فهم يؤجلون لفترة قادمة أن تحنو عليهم الحكومة.