رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


ماذا قالت راقية إبراهيم لـ«محمد عبد الوهاب» عن أزمتنا الاقتصادية الراهنة؟!

7-7-2017 | 16:15


بقلم – يوسف القعيد

تلك رواية اقتصادى مصرى مهم. حكاها لى فى اتصال تليفونى، وعندما عدت أستأذنه فى نشرها، فلا يجب التلصص على مكالمات التليفون. ولا بد من استئذان من كان يتحدث قبل نشر كلامه. طلب منى لاعتبارات كثيرة أن أنشر الكلام دون اسمه؛ لأن ذلك سيثير من الحساسيات الأمر الكثير، خصوصاً لدى بعض المسئولين عن السياسات الاقتصادية الراهنة الآن.

والاقتصادى هو رجل البنوك الكبير صديق قديم، كنت أعرفه عندما كان فى موقعه المهم. فقد كان يخلع المنصب وتجلياته وما يمكن أن تفرضه عليه بمجرد خروجه من مكتبه. عرفنى عليه صديق العمر جمال الغيطانى، وكان مقهى الفيشاوى فى سيدنا الحسين هو مكان لقائنا الثلاثى. كلما سنحت الظروف، أقصد ظروفه هو، فقد كانت مسئوليته كبيرة وضخمة وعملاقة.

ثم قابلته أكثر من مرة فى مكتب الأستاذ المرحوم محمد حسنين هيكل، حيث كان يذهب إليه ويجلس معه ويتحدث فيما يعرفه من الهم الاقتصادى الذى تعانى منه مصر وقتها ومازالت تعانى منه حتى الآن. أكون ذاهباً لهيكل وهو خارج من عنده، أو أكون خارجا من عند هيكل وهو داخل مكتبه، وكان هيكل يحب أن يعرف الأمور من مصادرها الأساسية. ولا يحب العنعنات. لذلك كان يقابله بين فترة وأخرى ليستمع منه إلى حقيقة الوضع الاقتصادى، أو إن شئنا الدقة حقيقة الهم الاقتصادى الذى تعانى منه مصر الآن. والآن هذا هو الوقت الذى كان يذهب فيه للأستاذ هيكل فى مكتبه. وذهابه إلى هيكل فى مكتبه يعنى أنه يقدر أصحاب القلم ويعرف ماذا يقدمون ويحمل لهم تقديراً حقيقياً.

لم يكن يذهب إلى سيدنا الحسين إلا بصحبتنا معاً. أنا وجمال وهو. ومن يذهب إلى أشهر مقهى فى الحسين الآن سيجد صاحب المقهى يعلق صورة كبيرة فى مدخلها لكاتب هذه السطور والاقتصادى الكبير وجمال الغيطانى وصاحب المقهى. والرجل يعلقها للذكرى. وكلما اتصل بى الاقتصادى الكبير يقول لى ألا تريد أن تلقى نظرة على الصورة حتى نتذكر معاً صديقنا المشترك جمال الغيطانى. فأعرف أنه يريد الذهاب إلى سيدنا الحسين. وأكون هناك فى الموعد قبله بكثير. فثمة أماكن لها عطر ورائحة، وسيدنا الحسين يقف على رأس هذه الأماكن.

اتصل بى فى العيد معيداً. وكان التليفون بعيداً عنى. فعاودت الاتصال به. وبعد التهنئة والمعايدة شكوت له همومى، قلت له يا سيدى أنا قلق من الإجراءات الاقتصادية الأخيرة، خاصة الطريقة التى تم إخراجها بها. ثم إن من نفذوا هذه الإجراءات اكتشفوا بعد اتخاذها أنه كان لا بد أن تسبقها جملة من القرارات تعالج الآثار الجانبية لزيادة أسعار الطاقة. لكنهم لم يتذكروا الهوامش التى لا تقل أهمية عن المتن إلا بعد أن اتخذوا قرارهم وأعلنوه.

فوجئت به مرحباً بما جرى. بل يرى أننا تأخرنا فيه كثيراً. وأن تأخرنا أوشك أن يصل بنا إلى منطقة حرجة. وأن الدواء المر لابد منه. مهما كانت التضحيات. استغربت كلامه. واستهولت ما يقوله. ولكن الرجل بدأ يحكى لى أن كلمة عجز الموازنة عرفتها مصر لأول مرة سنة ١٨٠٥، وهى السنة التى حكم فيها محمد على مصر.

قال لى إنه منذ أن ولى محمد على حكم مصر، وحتى سنة ٢٠١١، كان عجز الموازنة تريليون جنيه. وأنه فى الفترة من ٢٠١١ حتى ٢٠١٧، فإن عجز الموازنة ٢ تريليون جنيه، أى أننا فى ٦ سنوات حققنا عجزاً ضعف ما حققناه فى ٢١٢ سنة. فهل هذا معقول؟.

كان لابد من هذا الإجراء. أخرج من سياق ما يحكيه لى الاقتصادى الكبير، وأقول إننى كنت فى زيارة للمهندس شريف إسماعيل، رئيس مجلس الوزراء فى مكتبه الكائن بهيئة الاستثمار فى أول مدينة نصر. موضوع الزيارة وما جرى فيه يخرجنا عما نحن بصدده؛ لكن عند انصرافى من المكان تقابلت فى الدور الأرضى وعلى باب المصعد مع عمرو الجارحى، وزير الخارجية.

لم أكن راضياً عن الإجراءات الاقتصادية. قال لى إن الموضوع قديم، وأن المواجهة الحقيقية له كانت ما فعله الرئيس أنور السادات سنة ١٩٧٧. قلت له ولكن إجراءات السادات أدت لثورة شعبية دفعته لإلغاء قراراته. وأنا أعتقد أن إلغاء القرارات كان قراراً مهماً وقتها، وكان لابد منه للحفاظ على مصر.

قال لى عمرو الجارحى: ليته ما تردد فى قراره وما لغى ما كان قد اتخذه من إجراءات لأن ذلك كان بداية طريق الإصلاح الحقيقى. اختلفت معه على طول الخط، ورأيت أن التراجع فى قرارات السادات كان الصواب الوحيد الممكن وقتها. وقد عشت هذه الأيام لحظة بلحظة ودقيقة بدقيقة.

أعود للاقتصادى الكبير الحكاء الذى لو لم يكن اقتصادياً عملاقاً، لكان روائياً مهماً. فهو يشرح أمور الاقتصاد الجافة والمعقدة من خلال الحكايات وليس أى أمر آخر سواها. قال لى بهدوء إن ما يلخص وضعنا نجده فى فيلم: الوردة البيضاء. استغربت كلامه وتصورت أن الأمور اختلطت عليه. فما علاقة فيلم الوردة البيضاء بحديثنا عن مأزقنا الاقتصادى ومحاولات الخروج منه بأقل الخسائر الممكنة.

قبل أن أورد ما قاله لى الاقتصادى الكبير، أعرف القارئ أن فيلم: الوردة البيضاء أنتج سنة ١٩٣٣ وأخرجه محمد كريم ولعب بطولته أمام محمد عبد الوهاب، راقية إبراهيم، وكان الفيلم الثانى لـ»محمد عبد الوهاب» بعد فيلمه الأول: أنشودة الفؤاد.

أعود لحكاية الاقتصادى الكبير:

فى هذا الفيلم تسأل راقية إبراهيم، محمد عبد الوهاب عن مرتبه. فيقول لها إنه خمسون جنيهاً. قلت له هذا مبلغ كبير جداً بحسابات تلك الأيام. قال لى لا تنسى أنه كان فى الفيلم يلعب دور مدير مكتب وزير. فالمبلغ لا يعتبر كبيراً بالنسبة لمن يتولى هذا العمل.

كان البطل يعانى من مشاكل مالية كثيرة. ويشكو لصديقته أو حبيبته من همومه المالية. سألته راقية إبراهيم عن مرتبه، قال لها: خمسون جنيهاً. ثم سألته عن إنفاقه فقال لها حوالى مائة جنيه. وهنا وضعت يدها على أصل المشكلة وقالت له لا حل أمامك سوى أن تنفق المبلغ الذى تتقاضاه كمرتب ولا تزيد عليه مليماً واحداً مهما كانت الظروف. وكررت كلمة مهما كانت الظروف.

توقف قليلاً وقال لى هذا أصل أزمتنا وهذا أصل محنتنا، ولابد من مواجهة الأمر، أما تأجيله وترحيله فلا يمكن أن يشكل حلاً. أكد لى أنه يثق ثقة مطلقة فى الرئيس عبد الفتاح السيسى ورغبته الحقيقية فى حل مشاكل البلاد وحبه للناس وحرص الناس عليه وعلى شعبيته. لكن المشكلة تكمن فيمن ينفذون له ما يريده. فالطريقة التى تتم بها الأمور لا يمكن أن تكون مقبولة.

قلت له:

- لكم دينكم ولىَّ دين.

كان الرجل مطمئناً لما يتم، ويرى أنه لابد من الاستمرار فيه مهما كانت الصعاب، لكن أنا كنت ومازلت قلقاً، وهو قلق مشروع؛ لأنه قلق على مصر وقلق على مشروع الرئيس، وقلق على مستقبل الوطن، وقلق على مستقبلنا مع الرئيس.