بقلم – نجوان عبد اللطيف
أم محمد عاملة بوفيه، بسيطة، كانت تشكو لى أنها اشترت كوتشى صينى لابنها الصغير بـ ٧٥ جنيها ، وقبل أن يمضى شهران كان الكوتشى قد انتهى، أما الـ «تى شيرت» الذى اشترته بـ ٦٠ جنيها فبهتت ألوانه بعد الغسيل وتغيرت أبعاده تماماً .
بينما أم محمد منخرطة فى حكايات الـ «تى شيرت والكوتشى» جاءها صوت المذيع فى التليفزيون المصرى وهو يتحدث عن زيادة أسعار البنزين وخلافه خبطت بيدها على صدرها فى حركة تلقائية تشتهر بها المرأة المصرية حينما تستمع لخبر غير سار، وقالت: «أنا وجوزى وابنى محمد التلميذ فى الإعدادى بندفع ٥٠ جنيها مواصلات يومياً من التوك توك للسرفيس للأتوبيس وبسرعة بديهة حسبت أم محمد الزيادة المطلوبة منها قالت ٧٠ جنيهاً على الأقل يعنى ١٥٠٠ جنيه فى الشهر، ثم أخذت تحدث نفسها اشترى كوتشى لمحمد ولا أدفع المواصلات ولا إيه ولا إيه ؟!».
ملحوظة أم محمد وزوجها راتبهما الشهرى ٣ آلاف جنيه ، لن أتحدث عن زيادة أسعار المحروقات والغاز وتأثيره على جميع السلع التى تستهلكها أم محمد وأسرتها، ولا على أسعار المواصلات التى ستلتهم نصف دخل أسرتها، ولكن عن الكوتشى والـ تى شيرت ، صناعة شرق آسيا التى تغزو الأسواق المصرية، من الإبرة إلى الصاروخ من الشباشب إلى أدوات المطبخ.. أطباق.. حلل .. ملاعق.. إلى الأجهزة المنزلية ، إلى السيارات .. إلخ .
أين الصناعة المصرية ؟
سؤال مهم يرتبط بشكل جوهرى بأخبار زيادة الأسعار، التى يقدمها المسئولون وكأنها الحل الناجع لأزمتنا الاقتصادية، وأنها قرارات موجعة ومؤلمة ولكنها ضرورية لنتخطى عثرتنا الاقتصادية .
د. زياد بهاء الدين نائب رئيس الوزراء سابقاً، يقول إن هذه الإجراءات تصنف كإصلاحات مالية ولكنها ليست بالإصلاحات الاقتصادية . لأنها لاترتبط بانشاء مصانع وتوفير فرص عمل ..
د. زياد بهاء الدين يقول كلاماً بديهياً يعرفه الجميع ولكنه بعيداً عن الحلول أو المشروعات التى يطرحها المسئولون، أو على أقل تقدير يأتى فى المؤخرة.
منذ اندلعت ثورة ٢٥ يناير بل وقبلها وهناك حديث عن المصانع المتعثرة التى أغلقت أبوابها، وسرحت عمالها ، ولكن لا مغيث فالصناعة ليست على بال المسئولين ولا على خاطرهم . فى هذا العام احتلت قضية المصانع المتعثرة مساحة من مناقشات مجلس الشعب، حيث وجه «خالد مشهور» عضو اللجنة التشريعية سؤالاً لوزير الصناعة والتجارة فى شهر أبريل الماضى بخصوص المصانع المتعثرة، وعن الصندوق أو الشركة التى صدر قرار من مجلس الوزراء العام الماضى ٢٠١٦ لإنشائها برأس مال ١٥٠ مليون جنيه لدعم هذه المصانع وحل مشاكلها والتى أعلن وزير الصناعة طارق قابيل فى مايو الماضى أنها ستخرج للنور بعد أيام.. (ملحوظة عام كامل حتى يتم تنفيذ قرار مجلس الوزراء؟) .
نائب آخر فى لجنة الإسكان تحدث عن ٣٠٠٠ مصنع متعثر، وأن قانون التعويضات الذى يتم إصداره من البرلمان لم يضعها فى الاهتمام وأنه قانون فئوى يخص أصحاب شركات المقاولات فقط، وكأنهم وحدهم هم المضارون من زيادة أسعار الدولار بعد قرار التعويم، بينما هناك مصانع تعرضت لأضرار أكبر بكثير، أدت إلى اغلاقها وتعرض أصحابها للسجن .
النائبل نبيل بولس عضو لجنة الصناعة بمجلس النواب تحدث فى المجلس فى شهر مايو الماضى عن ٢٠٠٠ مصنع متوقف عن العمل فى مدينة المحلة الكبرى وحدها، و٥٠٠٠ مصنع على مستوى الجمهورية .
محمد زكريا محيى الدين وكيل لجنة الصناعة بالبرلمان قال : لايوجد حصر حقيقى للمصانع المتوقفة والمتعثرة . حتى أرقام المصانع المتعثرة لاتوجد جهة اهتمت بمعرفة حقيقتها وتقديم حصر بها ومشاكلها وأوضاعها.
قبل سنوات طويلة كان هناك حصر لكل مصانع مصر يقدمه الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، بل كان هناك اهتمام بحصر الطاقات العاطلة فى المصانع والمخزون الراكد من منتجاتها.
وزير الصناعة والتجارة قال إنهم طالبوا أصحاب المصانع المتعثرة بالتقدم إلى مركز تحديث الصناعة بالوزارة، ولم يتقدم سوى ٨٧٠ ، من بينهم ١٣٥ مصنعاً فقط يمكن علاج مشاكلها، وتم بالفعل مساعدة ٧٢ مصنعاً على العودة للتشغيل هى مجرد نوايا لكنها أبداً لن تسند الزير، والمفترض أن تسعى الدولة لأن تكتفى بمن يسعون إليها.
فى تصريح صحفى ليحيى أبو الفتوح نائب رئيس البنك الأهلى قال : إن ١٠٪ فقط من نسبة المصانع المتعثرة ترجع إلى مشاكل التمويل البنكى ، و٩٠٪ منها بسبب المشاكل الإدارية ، من بينها ٢٠٪ بسبب صعوبة الحصول على تراخيص .
يحيى أبوالفتوح صاحب خبرة فى هذا الملف الذى أسنده إليه البنك الأهلى منذ عام ٢٠٠٨، أضاف معلومة مهمة للغاية فى عام ٢٠٠٨ كان حجم محفظة المصانع ٣٠ مليار جنيه تمثل ٣٠٪ من محفظة البنك الأهلي، وحاليا تبلغ ٥ مليارات جنيه تمثل ٢٪ فقط من محفظتهم!
بعض الأرقام تؤكد تراجع الصناعة والإنتاج فى المجتمع ككل. كم مرة زار رئيس الوزراء والوزراء مصنع الحديد والصلب وكم مرة قاموا بزيارة مصنع الألمونيوم بنجع حمادى ومصانع المحلة للغزل والنسيج ، ورغم وجود رغبة لدى المسئولين على أعلى مستوى لحل مشاكلها وإعادتها إلى سابق عهدها إلا أن لاشىء حقيقى لم يحدث على الأرض، ومازالت هذه القلاع الصناعية تعانى من عثراتها التى تسبب فيها إهمال المسئولين وعدم الإحلال والتجديد وفساد الإدارة بسبب اختيار أشخاص غير أكفاء بل وليسوا فوق مستوى الشبهات فى بعض الأحيان.
زيادة الأسعار والغاء الدعم لن يحل مشاكل مصر الاقتصادية على العكس ولكن الصناعة هى الحل .