رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


كيف نخفف وطأة العلاج «المر»

7-7-2017 | 16:44


بقلم – عزت بدوى

لم تكن القرارات الاقتصادية الأخيرة من رفع أسعار المنتجات البترولية يوم الخميس الماضى من بنزين وسولار وغاز المنازل والبوتاجاز رغم تأثيراتها الشديدة على كافة الأحوال المعيشية للمواطنين سوى رهان جديد من الرئيس عبدالفتاح السيسى على ثقة المصريين فيه ومدى وعيهم وإدراكهم بحسهم الوطنى لأهمية هذه القرارات الإصلاحية لمنظومة الدعم فى نجاح برنامج الإصلاح الاقتصادى الذى تنتهجه الدولة منذ ثمانية أشهر لإعادة بناء اقتصادها على أسس ودعائم راسخة تحقق التنمية المستدامة التى ينشدها الوطن للانطلاق نحو مستقبل أفضل للبلاد، فلا ينكر أحد تأثير هذه القرارات على الحياة اليومية للمواطنين وخاصة محدودى ومتوسطى الدخل..

ولا ينكر أحد أيضًا أنها تأتى بعد أقل من ثمانية أشهر من قرارات تعويم الجنيه المصرى وفرض ضريبة القيمة المضافة ورفع مماثل لأسعار المنتجات البترولية فى إطار بدء برنامج الإصلاح الاقتصادى وهو الأمر الذى تسبب فى ارتفاع معدلات التضخم إلى نسب غير مسبوقة من قبل بلغت فى أحد الشهور الماضية ٣٣٪ مما أثر بشدة على أسعار كافة السلع والخدمات فى الأسواق وانعكس بعنف على مستوى معيشة محدودى ومتوسطى الدخل.

كما لا ينكر أحد أن القرارات الأخيرة جاءت قبل أن يهنأ محدودو ومتوسطو الدخل بالزيادة الجديدة فى دعم بطاقات التموين وزيادة المعاشات بنسبة ١٥٪ ومنح جميع الموظفين علاوتين جديدتين بداية من يوليو الجارى إحداهما دورية والثانية لمواجهة غلاء المعيشة بخلاف إيقاف تحصيل ضريبة الأطيان الزراعية ثلاث سنوات بخلاف زيادة حد الإعفاء الضريبى لممولى ضريبة الدخل وزيادة دعم معاشات كرامة وتكافل بمقدار ١٠٠ جنيه.

القرارات الأخيرة لرفع أسعار المنتجات البترولية تستهدف فى المقام الأول خفض عجز الموازنة العامة للدولة بجانب إصلاح منظومة الدعم ليصل إلى مستحقيه ولتثبيت دعم الطاقة فى العام المالى الجديد والذى بدأ يوم السبت الماضى عند حدود ١١٠ مليارات جنيه كما كان فى العام الماضى بدلًا من أن يقفز إلى ١٥٠ مليار جنيه قبل هذه الزيادات فى أسعار المنتجات البترولية كما أن هذه القرارات ساهمت فى تنفيذ قرابة ٨٠٪ من برنامج الإصلاح الاقتصادى الذى وقعته مصر مع صندوق النقد الدولى والذى أشادت به كافة الهيئات والمؤسسات الدولية لما حققه من مؤشرات نجاح حتى الآن بداية من ارتفاع احتياطيات مصر من العملات الدولية لدى البنك المركزى إلى ٣١ مليار دولار فى مايو الماضى لأول مرة منذ عام ٢٠١١ واستقرار أسعار صرف الجنيه المصرى أمام كافة العملات الدولية بعد اضطرابها بشدة فى العام الماضى وسداد نحو ٦٥٪ من مستحقات الشركات البترولية من العملات مما زاد من ثقة المستثمرين الأجانب فى الاقتصاد المصرى وبدأ تدفق الاستثمارات الأجنبية من جديد على البلاد سواء بشكل مباشر من خلال شراء سندات وأذون الخزانة المصرية والتى برزت بوضوح فى الإقبال على شراء سندات خزانة مصرية فى بورصتى لكسمبورج وبولندا فى يناير ومايو الماضيين بـ ٧ مليارات دولار، وكذلك الإقبال على الاستثمار فى التنقيب عن البترول فى البلاد وغيرها من المشروعات الاستثمارية بجانب تراجع عجز الميزانية وتراجع عجز ميزان المدفوعات والميزان التجارى بعد زيادة الصادرات وتراجع الواردات من الخارج وارتفاع تصنيف مصر الائتمانى من سلبى إلى مستقر فى مؤشرات التصنيف الائتمانى الدولى وهو الأمر الذى يجذب الاستثمارات الدولية للاستثمار فى مصر ويخفض من تكلفة اقتراضها من الخارج.

لكن النجاح الذى تحقق بصبر المصريين وجلدهم وثقتهم فى رئيسهم وتجرعهم للدواء المر يتطلب العديد من الإجراءات للحفاظ عليه للتخفيف من وطأته على محدودى ومتوسطى الدخل فى المرحلة القادمة خاصة فى ظل تربص أعداء الوطن والكارهين لنجاحه والساعين إلى الثراء على أشلائه ولعل أبرز هذه الإجراءات العاجلة هو أحكام الرقابة على الأسواق لمنع استغلال التجار لهذه القرارات فى رفع أسعار السلع المختلفة بحجة زيادة تكاليف نقلها وضرورة العمل على تقليل حلقات تداول السلع لخفض تكاليف أسعار السلع بإنشاء أسواق جملة ونصف جملة فى عواصم المحافظات والتجمعات الشعبية الكبيرة وسرعة تفعيل لجنة هامش الربح الذى يحدد مؤشرات أسعار السلع المختلفة بحساب كافة عناصر تكلفتها ووضع هامش ربح لها بدلًا من ترك المواطنين فريسة سهلة لمغالاة التجار وجشعهم وثالث تلك الإجراءات هو سرعة إصدار قانون حماية المستهلك الذى يحفظ حقوق المستهلكين ويقضى على الغش والفساد والتدليس فى الأسواق وضرورة إصدار تعديلات قانون حماية المنافسة ومنع الاحتكار وفرض عقوبات رادعة على المحتكرين تصل إلى السجن لضرب الاحتكارات التى تتحكم فى معظم أسعار السلع الأساسية والاستراتيجية وتفرض إرادتها على المستهلكين ولابد من تدخل البنك المركزى لدعم البنوك فى إعادة تشغيل المصانع المتعثرة والتى تجاوزت الألف مصنع مما يزيد من السلع المعروضة بالأسواق ويعمل على خفض أسعار السلع فى الأسواق لصالح المستهلكين كما لابد من إصدار التشريعات الاقتصادية المكملة لقانون الاستثمار بعد إصدار لائحته التنفيذية مثل قانون الإفلاس الذى يضمن الخروج الآمن من الأسواق وقانون المناقصات والمزايدات وقانون العمل الجديد والتوقيع الإلكترونى وغيرها من التشريعات التى تخلق بيئة جاذبة للاستثمار مما يزيد من فرص العمل وخفض معدلات البطالة وزيادة الإنتاج وهو المخرج الرئيسى لأزماتنا الاقتصادية.