رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


مليكة «غولة سيوة»

7-7-2017 | 22:03


بقلم – سحر الجعارة

“مليكة" التى جسدتها الفنانة الأردنية "ركين سعد"،هى أروع واشهر "غولة" أطلت على الشاشة الصغيرة فى رمضان ، رغم أنها لم تكن بطلة مسلسل "واحة الغروب" .. المأخوذ عن رائعة الكاتب الكبير "بهاء طاهر" التى حصلت على جائزة البوكر العالمية للرواية العربية عام 2008.

تدور أحداث المسلسل خلال نهاية القرن الـ19، فبعد فشل الثورة العرابية، تقوم السلطات بنقل محمود، ضابط بوليس ذى الأفكار المؤيدة للثورة "خالد النبوى" إلى واحة سيوة فى إجراء ظاهره تكريم وباطنه عقاب، وتصحبه زوجته الأيرلندية "كاثرين" المهتمة بالآثار "منة شلبى"، ليصطدم الاثنان بالوضع الأمنى وحالة الحرب بين أهالى الواحة، وتم تصوير عدد من المشاهد فى الصحراء البيضاء التى أصبحت الآن محمية طبيعية، ليكون أول عمل فنى يتم تصويره فى هذه المنطقة.

و هناك تظهر "مليكة" بكل ما تحمله من "تمرد" على العادات والتقاليد، وعناد فى الموروث الثقافى الذى يعتبر آثار الحضارة الفرعونية مصدرا للعنة، لكنها تعشق ما يسمونه "المساخيط" وتجلس بالساعات تنحت بكفيها الناعمتين عرائسها الخاصة، وتخفيها عن الجميع .. وتتلقى عقابها من ضرب الأم والجدة راضية وضاحكة .. إنها لا تهاب الا "الموت" الذى يحاصرها بكل ما فيه من سواد وما يصاحبه من خرافات.

تبدو علاقة "مليكة" بخالها الشيخ "يحيى"، او الفنان "محمود مسعود" وكأنها الجزء الوحيد الملون بالبهجة فى واحتها، ربما لأنه رجل معتدل الفكر وعاقل، يرفض النزاعات والحروب بين قومه .

وتزف "مليكة" الى "رضوان" ابن الشيخ "يحيى" فى أروع استعراض للحلى والملابس وطقوس الأعراس فى "سيوة" .. ولأول مرة نكتشف أن الأخ يحمل أخته مغطاة على كتفه الى بيت عريسها، لنعرف أن لدينا جانبا مجهولا فى تراث مصر الثرى.

استعانت السيناريست "مريم ناعوم" ، بأحد أبناء سيوة يدعى "محمد الطيب" وقدم لهم مساعدات كبيرة أبرزها مخطوطة نادرة لجده تحتوى على عادات وتقاليد أهل سيوة كما أوصلها "عم عليوة" بسيدة تشارف عامها المائة فقدمت من ذكرياتها معلومات وخطوطاً ساهمت في خروج الرواية للجمهور بهذا الشكل .. والمعروف أن "ناعوم" كتبت سيناريو نصف المسلسل واستكملت كتابته السيناريست "هالة الزغندي" ذات البصمة المميزة .

فى القلب من العادات والتقاليد يأتى مصطلح "الغولة" الذى يطلق على كل من تترمل، ويكتب عليها أن تفك جدائلها وتخلى وجهها من الزينة وتسجن فى حجرة لا يدخل عليها أحد إلا لإحضار الطعام .. فبحسب الخرافة إن من يراها يمسه الشيطان.

ما أن تزوجت "مليكة" حتى اندلعت الحرب بين الأجواد الشرقيين والغربيين : (ينقسم سكان الواحة إلى نوعين؛ الأجواد "رؤساء العائلات الذين يحكمون البلد" والزجالة "من يعملون في البساتين".. ويشكل الأجواد مجلسا يتكون من شرقيين وغربيين ) .. ثم يموت عريسها بعد عدة أيام من الزفاف لتصبح "غولة"!.

وبعد أن انقضت عدتها وعادت للحياة بكامل زينتها، كان المأمور الجديد "خالد النبوى" قد وصل الى الواحة، وقوبل بالرفض من جميع سكان الواحة لأنه جاء لتحصيل الضرائب ونهب رزقهم مثلما فعل أسلافه، كما أنهم ينظرون إلى زوجته على أنها إنجليزية سافرة تطمع في كنوز معابدهم .. لكن "محمود" يستطيع التقرب منهم ، ويقترح عليهم المصاهرة لإنهاء الخلاف بين الشرقيين والغربيين.

"مليكة" فى قلب الأحداث لا يشغلها إلا الوقوف على قبر "رضوان" ، ودفن تماثيلها الى جواره، الى أن يستقر مشايخ الأجواد على تزويجها من "معبد" لوقف الحرب بين الشرقيين والغربيين.. لكنها ترفض أن تسلمه جسدها، وتهرب من منزله الى قبر "رضوان" حتى يقنعها الشيخ "يحيى" بالعودة .. ويتفق معه على تطليقها.. ثم يموت قهرا من رفضها، وبعد وفاته تصبح "غولة" أي أرملة ولا يجب عليها أن تخرج من منزلها قبل انقضاء عدتها لأنها مصدر شؤم للجميع!.

مرة ثانية يعتقل الحزن ذكاء "مليكة" وجمالها الهادىء ولهوها البرىء، مرة أخرى يكتب عليها الترمل رغم أنها لم تتزوج بـ "معبد" .. فتنفجر الواحة كلها ضد مليكة أو "ركين" صاحبة الموهبة الكبيرة والإتقان للهجة السيوية، والتى تمكنت المخرجة كاملة أبو ذكرى من توظيفها أفضل توظيف.

تحاول "مليكة" الهرب من غضب الواحة التى اجتمع اهلها على قتلها لطرد الشؤم منها، فتذهب الى "كاثرين" زوجة المأمور ، ظنا منها أنها ستفهمها وتحميها من اهل زوجها وأهل الواحة، لكنها فهمت إشاراتها بالخطأ وظنت أنها "شاذة" !.

الرؤية البصرية الممتعة من أهم عوامل نجاح "واحة الغروب" ، والصورة والإضاءة ، لكن العمل ككل افتقد الإيقاع اللاهث الذى يجعل المشاهد يحبس أنفاسه انتظارا للحلقة المقبلة.. ورغم ذلك يبقى إنتاج "العدل جروب" للمسلسل جرأة محسوبة لهم .. تبشر بتحويل أشهر الروايات الى لغة الدراما.