نحن و الأزمة .. الحقائق والأكاذيب
هناك علم يسمى إدارة الأزمات بتعريف بسيط يختص هذا العلم بالتفاعل مع الأزمات الطارئة أو المنتظرة، يمتد هذا العلم إلى الماضى لبحث جذور الأزمة والحاضر من أجل احتواء آثارها، وقبل هذا يأتى المستقبل الذى يسبق الماضى والحاضر فى التنبؤ وفق القواعد العلمية متوقعا قدوم أزمة فى الطريق، ويعطى هذا التنبؤ العلمى خارطة عمل وسياسات وتطبيقات من أجل مواجهة تداعيات هذه الأزمة.
بالتأكيد علم إدارة الأزمات له مختصون ومراكز بحثية تستطيع وضع خرائط التعامل والتطبيقات والسياسات لتسير عليها الدول والحكومات، لكن هناك أمرا آخر مرتبطاً بتعامل المجتمعات مع الأزمات التى تطرأ عليها وتكون من خارجها وليست نتيجة أسباب داخلية.
أقرب أزمة مرت على مجتمعنا من هذا النوع الذى لا يد لنا فيها، كانت أزمة الوباء التى استمرت ما لايقل عن عامين، نلاحظ من خلال تحليل موجز فى التعامل مع أزمة الوباء وعلى مستويين المجتمع والدولة أن هذا التعامل فاق أى توقعات بالنسبة للمستويين.
خرج التوقع عن نطاق حالات جلد الذات والشكوى التى نميل إليها كمجتمع فى مثل هذه الظروف وتعاملنا مع الأزمة بانضباط شديد تخطى فى دقته مجتمعات تصف نفسها بالمتحضرة، أثبتت أزمة الوباء أن الأمة المصرية لديها ثبات انفعالى عميق فى مواجهة الأخطار مستمد من جذرها الحضارى.
يكفى للمقارنة تذكر مشاهد التكالب على اختطاف السلع والمظاهرات العنيفة ضد الإجراءات الاحترازية فى مجتمعات أوروبية وأمريكية وصفت نفسها بالراقية وهى كانت بعيدة تماماً عن هذا الرقى وقت الخطر والأزمة.
عندما نتجه إلى مستوى الدولة سنجد أن تعامل منظومة الدولة مع أزمة الوباء فاق أكثر توقعات المتفائلين، فطوال العامين الماضيين ووسط إجراءات احترازية وحظر تجوال كانت آليات الدولة المصرية تتحرك وفق خطة محكمة تلافت كثيرا من التداعيات الاقتصادية لأزمة بهذا الحجم الدولى والانسانى.
طوال العامين لم يحدث شح فى السلع الاساسية، المنظومة الصحية أثبتت كفاءة عالية ،قدمت الفرق الطبية تضحيات وبذلت مجهودا فوق طاقة البشر فى مواجهة الوباء،تم تعويض الشرائح الاجتماعية الأكثر ضررا بسبب التداعيات الاقتصادية للأزمة، استطاعت الأجهزة الرقابية للدولة ضبط حركة الأسواق وتصدت لأى انفلات تسببه أزمة بهذا الحجم، عندما ظهر اللقاح المضاد لفيروس كورونا استطاعت الدولة توفيره لكل المصريين وحصل عليه الجميع وفق منظومة دقيقة ولم تكتف الدولة بالحصول على اللقاح بل تعمل على تصنيعه.
هذه أول الحقائق حول مواجهة الدولة لأزمة الوباء لم يمر عليها قرون أو سنوات بل هى واضحة جلية الآن للجميع ، وكانت الإشادة بهذه الحقائق من الخارج قبل الداخل بل إشادات الخارج هى من عقدت المقارنات بين تعامل الدولة المصرية مع أزمة الوباء وغيرها من الدول وأعطت الجهود والتجربة المصرية علامة الامتياز الكاملة.
لا شك أنه يجب توجيه الشكر لكل من أشاد من الخارج قبل الداخل بالتجربة المصرية فى مواجهة أزمة الوباء لكن هذه الإشادات أغفلت أمرا هاما ومحوريا لم تكن تواجهه دولة أخرى، فالدولة المصرية لم تكن تتصدى للأزمة الوبائية فقط بل كانت تحارب على جبهة أخرى وباء الدعاية الفاشية الإخوانية السوداء ومن يحركها والتى وجدت فى أزمة الوباء فرصة للتشكيك فى قدرات الدولة المصرية بإطلاق آلاف الشائعات والأكاذيب والخرافات .
استطاعت الحقائق التى صنعتها الدولة المصرية بجهود أبنائها ورسختها على هذه الأرض أثناء أزمة الوباء أن تضحض الشائعات والأكاذيب والخرافات وتجعل الدعاية السوداء للفاشية الإخوانية ومن يحركها ويمولها أضحوكة أمام الجميع، وطوال تسع سنوات انقلبت الفاشية الإخوانية ومن يحركونها ويمولونها دائما خاسرين .. وهذه ثانى الحقائق.
دخل المجتمع الدولى الآن فى أزمة جديدة ، أزمة الحرب الروسية الأوكرانية وهى أزمة لا تقل فى تداعياتها وشراستها عن أزمة الوباء وفى نفس الوقت هى أزمة دولية لا يد لنا فيها بل يعرف الجميع من ورائها وحرض عليها من أجل لعبة المصالح التى تطحن استقرار الشعوب.
رغم أن الحقائق والجهود التى صنعتها وبذلتها الدولة المصرية فى مواجهة أزمة الوباء جلية واضحة أمام الجميع وتقول أن الدولة التى استطاعت واكتسبت الخبرات فى مواجهة أزمة عالمية بهذا الحجم هى قادرة بعون من الله على اجتياز أى أزمات حاضرة ...إلا أن آفة حارتنا النسيان فهناك من تناسى الحقائق وأدارت رأسه الأوهام والأكاذيب .
عادت الماكينات الشريرة للدعاية الفاشية الإخوانية تطلق شائعاتها وأفكارها بالتزامن مع اندلاع الأزمة الروسية الأوكرانية وبنفس الاساليب الوضيعة طالما هناك من يحركها و يمولها لحساب أغراضه، فى هذه الحملة الدعائية السوداء كانت الفاشية الإخوانية كعادتها مجرد أداة حقيرة فى يد المحرك والممول الذى يريد تحقيق أغراض قد لا تدركها الأداة الحقيرة نفسها لأنها تعودت على تنفيذ أمر الخيانة المطلوب دون سؤال ما دام أسيادهم ينفقون بسخاء.
يسعى المحركون والممولون بأداتهم الحقيرة لأن تتغلب الآفة ويسود النسيان والأكاذيب لكى نتشكك فى الحقائق ونتجاهل المنجز الذى رسخته الدولة المصرية ..دولة يونيو بالمنهج العقلانى وعلم إدارة الأزمات أثناء مواجهة أزمة الوباء وما قبلها من تحديات اجتازتها هذه الأمة بصبر وشجاعة .
أراد المحركون والممولون وأداتهم الحقيرة أن يتسلل النسيان من باب الخرافة فخرجت دعايتهم السوداء الخبيثة تتحدث عن حروب آخر الزمان وتنسج الأساطير حول أزمة سياسية دولية لها جذورها الجيوسياسية وحدودها التى تقف عندها ولن يتجاوزها أطراف الصراع.
اختار المحركون والممولون والأداة الحقيرة باب الخرافة ليتسلل منه النسيان، لأنه عندما تسود الخرافة يظلم العقل المجتمعى ويتلبسه الخوف و لا يرى طريقه فيسهل ترويج الأكاذيب والتشكيك فى قدرة الدولة على إدارة الأزمة وكأن الأزمة خاصة بنا وليست عامة على المجتمع الدولى، ولكنها الخرافة التى تدفع العقل إلى الخوف والاضطراب وتسلمه لنسيان الحقائق.
بعيدا عن اساطيرهم الساذجة فالأزمة الحالية لم تكن وليدة اندفاع ،فمع انهيار الاتحاد السوفيتى فى العام 1991 بدأت بذور الأزمة الأوكرانية ومع وصول إدارة بيل كلينتون إلى البيت الأبيض فى يناير 1993 كانت الحركة وتوسعة حلف الأطلنطى على حساب روسيا الضعيفة وقتها ،كان على رأس التوسعة أوكرانيا وسارت الإدارات الأمريكية على نفس النهج عدا إدارة ترامب وجاءت إدارة بايدن لتضع اللمسات النهائية بعد أن مهدت إدارة أوباما الطريق وكانت مهندسة هذا التمهيد فى إدارة أوباما فيكتوريا نولاند التى تشغل حاليا نائب وزير الخارجية فى إدارة بايدن / هاريس وكان الجميع يتبع توجيهات المخطط الاستراتيجى زيجينو بريجينسكى وتلميذه جورج فريدمان ، ويمكن متابعة تاريخ هذه الخطط غير الخفية فى توسعة الحلف من خلال كتابات المؤرخة مارى أليز ساروت أستاذ الدراسات التاريخية بجامعة جون هوبكنز.
هل استسلم الروس لضعفهم ؟ فى العام 1999 وقبل وصول بوتين إلى الحكم فى العام 2000 وضع المفكر الروسى ألكسندر دوجين نظريته من خلال كتابه " مستقبل روسيا الجيوسياسى " وهو كتاب منشور منذ 23 عاما حول كيفية التحرك الروسى فى العالم والتصدى للهيمنة الأمريكية ولتوسعات حلف الأطلنطى، وبمجرد وصول بوتين إلى الحكم تلقف نظريات ألكسندر دوجين ليطبقها ويحولها إلى سياسات نراها الآن حتى أطلقت النخبة السياسية الروسية على المفكر دوجين دماغ بوتين.
لم يتشكل هذا الصراع الحالى نتيجة الأساطير وحروب آخر الزمان كما يروج المحركون والممولون والأداة الحقيرة ليشيعوا الظلام والخوف بل كان الصراع نتيجة حرب أفكار ودراسات وما تصنعه العقول وينتج عنه من أزمات تستطيع عقول أخرى وبالمنهج العلمى مواجهة هذه الأزمات، وأثبتت الدولة المصرية بمنهجها العلمى والعقلانى أنها قادرة على مواجهة الأزمات واجتيازها بنجاح ...وهذه ثالث الحقائق .
هل كانت أغراض الحملة الدعائية السوداء للمحركين والممولين وأداتهم الحقيرة تتوقف عند تغليب الخرافة ليسود الخوف والاضطراب فقط ؟كان هناك غرض آخر خاص هنا بالممولين والمحركين وكانت الأداة الحقيرة كما ستظل هى وأتباعها أدوات خيانة ، استهدف الممولون والمحركون من حملتهم الزائفة القيام بعملية إلهاء فانطلقت أدوات الخيانة تروج بزيف عن أزمات اقتصادية .
كان غرضهم من هذا الإلهاء أن تنشغل الدولة المصرية بالداخل ولا تنظر للخارج الذى يتشكل الآن دوليا وإقليميا نتيجة للأزمة الأوكرانية ، وظنوا بغبائهم أن هذه الألعاب الزائفة ستعزل أمة بحجم الأمة المصرية عن المشاركة فى تقرير مصير الشرق الأوسط بل والعالم فحتى لو أرادت هذه الأمة عدم المشاركة سيطالبها المجتمع الدولى بالتدخل والمشاركة ويمكن لأى متابع لأحداث الأزمة أن يرى بوضوح حجم الاتصالات والمناشدات والاستشهادات بالمبادئ المصرية من كافة أطراف الصراع لأن مصر هى روح الإنسانية وضمير العالم ..وهذه رابع الحقائق .
ظن المحركون والممولون وأداتهم الحقيرة أنهم يمكن أن يداروا بالإلهاء الأبله شعاراتهم الزائفة وأكاذيبهم التى روجوا لها على مدار سنوات حول النضال والادعاء باسم الدين والدين منهم براء ..فهل يستطيع الإلهاء الأبله أن يمحى صور اللقاء العائلى الذى تم فى أنقرة بين الرئيس الإسرائيلى والتركى؟ فبالنسبة للأول تشارك الفاشية الإخوانية فى حكومة تل أبيب والثانى يرعاهم ويأويهم فى جحوراسطنبول ...وهذه خامس الحقائق.
هنا الكثير من الزيف والأكاذيب أفرزتها هذه الأزمة الدولية وأيضا الكثير من الحقائق كلها فى صالح الأمة والدولة المصرية.