ما بين مدينتين وما بين شعبين، تكتشف أن للعدالة وجه آخر، ما بين القدس وأراضينا المحتلة في فلسطين الأبية التي لا يعرفها المجتمع الدولي، وكييف مسرح الصراع في أوربا للعدالة وجه آخر.
العدالة هنا لا تعرف سوى المحتل الغاصب، لا تجد صوت في المجتمع الدولي يحدثك عن مقتل محمد الدرة، لا يذكر الرضيعة إيمان حجو، ولا يستيقظ الضمير الإنساني ولا تنهمر الدموع لأجل أهلنا في حي الشيخ جراح، وأن ارتفع الصوت العربي حتى بالإدانة، كان رد الغرب باهت لائم، مكررا حديث ممل عن أمن كيان مغتصب محتل سفاك للدماء، وأن خرج المواطن العربي في أي محفل رياضي عن الصمت كانت الإدانة والعقاب لمجرد التعبير عن وجهة نظر، والتبرير "لا خلط للسياسة بالرياضة" .
أما اليوم معيار العدالة أصبح مختلف، مع اشتعال الصراع بين روسيا والغرب، أصبح للعدالة وجه آخر هنا كييف مسرح الصراع، هنا أطفال آخرين، "هنا أناس من ذوات الشعر الأشقر والعيون الزرقاء، إنهم أبناء أوربا" لم تكن تلك كلماتي لكنها جمل تم صياغتها ونشرها وبثها بواسطة وسائل إعلام دولية، بعضها اعتذر في نشرات إخبارية لاحقه عما تحمله عباراتهم من تميز.
لم يقف الأمر عند تلك المرحلة فقط، بل إن معاير العدالة، نفسها اختلفت داخل الملاعب الرياضية، في واقعه جديدة شهدها العالم بأثره حينما علق لاعب الاسكواش المصري، والمصنف الثاني عالميا، "علي فرج"، خلال تتويجه في لندن حينما طلب منه التعليق على ما يحدث في كييف، فعبر عن كل عربي ما تزال تجري في عروقه دماء الوطنية والعروبة منتقدا "ازدواجية التعامل مع الأزمات في العالم معلنًا تضامنه مع "فلسطين" التي قال إنها "تمر بما مرت به "أوكرانيا" منذ 74 عامًا".
"لم يكن مسموحا لنا من قبل بخلط السياسة مع الرياضة، ولكن فجأة الآن أصبح مسموحا، وطالما أصبح مسموحا، فلعل الناس تنظر للاضطهاد الذي يحدث في كل مكان في العالم، الشعب الفلسطيني يعاني منذ 74 عاما من المشاكل بسبب الحرب أيضا، طالما نستطيع الحديث الآن عن الأوكرانيين، فبالتالي يمكننا الحديث عن الفلسطينيين أيضا لذا من فضلكم ضعوا هذا في الاعتبار.. شكرا جزيلا".
سفك الدماء محرم ملعون من رب السماء في كل الأديان وشرائع السماء، أرفض الحرب، تحزنني دموع الأطفال والثكالى، لكن لديّ معيار واحد للعدالة في "القدس وكييف"، لم يكن لديّ يوما فرق بين إنسان وآخر، لكن عزيزي المواطن الغربي تذكر أن العربي أيضا إنسان تنطبق عليه معايير العدالة مثلما تنطبق على المواطن الغربي.
علي فرج نموذج مصري عربي، عبر عنا جميعا من المحيط إلى الخليج، شعرت وكأنه تلبس عباءة نزار قباني في قصيدته الرائعة منشورَاتٌ فِدَائيّة على جُدْرَانِ إسْرائيل، خاصة في ذلك المقطع
لن تجعلوا من شعبنا
شعب هنودٍ حمر..
فنحن باقون هنا..
في هذه الأرض التي تلبس في معصمها
إسوارةً من زهر
فهذه بلادنا..
فيها وجدنا منذ فجر العمر
فيها لعبنا، وعشقنا، وكتبنا الشعر
مشرشون نحن في خلجانها
مثل حشيش البحر..
مشرشون نحن في تاريخها
في خبزها المرقوق، في زيتونها
في قمحها المصفر
مشرشون نحن في وجدانها
باقون في آذارها
باقون في نيسانها
باقون كالحفر على صلبانها
باقون في نبيها الكريم، في قرآنها..
وفي الوصايا العشر..
ما بين قصيدة نزار قباني وكلمات علي فرج رابط وحيد كالوريد، يؤكد أن فلسطين باقية بشعبها وأرضها، حاضرة في كل زمان ومكان، ذلك الشاب المصري هو مكون جديد من قوة مصر الناعمة، مصر بوزنها التاريخي والجغرافي، وشخصيتها الحقيقية.
بقدر ما تؤلم مشاهد الدمار، وتشكل ملامح الصراع الحالي النظام العالمي المقبل، بقدر ما تكشف عن أهمية التحالفات المقبلة، ومن سيحكم العالم الجديد، وأن طرحت أسئلة مفزعة، عن رد فعل المهزوم ومصير العالم، لو دخل الصراع لمرحلة آخرى؟ هل يحتمل العالم أمد الحرب الطويلة خاصة في ظل حالة الركود التضخمي في مختلف اقتصاديات العالم، الذي لم يتعافى بعد من آثار كورونا.