رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


يا عزيز عيني..

21-3-2022 | 14:47


د. صلاح سلام,

يا عزيز عينى أنا بدى أروح بلدي.. بلدى يا بلدى والسخرة خدت ولدي.. أو السلطة خدت ولدي.. كانت هذه أحد الأهازيج الشعبية والتى صاغها فيما بعد يونس القاضى ولحنها سيد درويش.. وذلك فى أعقاب الحرب العالمية الأولى، حيث كانت السلطات تقبض على الفلاحين البسطاء من الشباب وتشحنهم للتجنيد الإجبارى لخدمة الجيش الانجليزى وقوات الحلفاء والتى كانت تضم فى معسكرها فرنسا وروسيا وانضمت إليها إيطاليا فى مواجهة المانيا والدولة العثمانية.. فقامت دولة الاحتلال بالقبض على الشباب وتسخيرهم للاعمال اللوجستية.

 

وقد قدرت هذه الاعداد فى احصائية متواضعة بعشرات الالاف وفى فيلم وثائقى صامت عن هذه الحقبة شاهدته مؤخرا قيل انهم نصف مليون..والطامة الكبرى أن معظمهم لم يعد بعد انقضاء الحرب فكان النداء لعزيز مصر وهو الفريق عزيز المصرى والذى كان وزيرا للدفاع إبان الثورة العربية الكبرى بقيادة الشريف حسين فى أرض الحجاز ثم اختلف معه وعاد إلى مصر وقد انضم فيما بعد إلى عمر المختار فى كفاح الشعب الليبى ضد المحتل الإيطالى حيث كان قائدا عروبيا.. فخرجت من أفواه الجماهير "يا عزيز عينى انا بدى اروح بلدي".. فيرد عليهم جموع فى المقابل "بلدى يا بلدى والسخرة خدت ولدي"..

 

حدث هذا فى وقت كان فيه تعداد الشعب المصرى ١٢ مليون نسمة.. ودارت الايام ولم يعد الشباب وربما كانت أرواحهم هى وقود ثورة ١٩١٩ وليس فقط نفى سعد زغلول وكانت هذه هى القشة التى قسمت ظهر البعير فانطلاق المظاهرات كان تجسيدا لصوت الحرية ضد الكبت وغياب فلذات اكبادهم..هكذا كان الشعب المصرى دائما يعبر عن نفسه فى نشيد..او اغنية..او احيانا فى نكتة رغم أنها تثير الضحك ولكن الضحك الممزوج بالالم..

هذه هى عبقرية الشعب المصرى الذى ظل هكذا يضغط حتى نال استقلاله فى ١٩٢٢ اى بعد انقضاء الحرب العالمية الأولى بقرابة أربع سنوات ليكتب أول دستور للدولة المصرية ١٩٢٣.. ولعلنا هذه الأيام نحتفل بمئوية الاستقلال.. صحيح أن الاحتلال الانجليزى لم يرحل بشكل كامل ولكن على الاقل كان هناك انتخابات لمجلس النواب وتشكيل وزراة مصرية خالصة من الحزب الفائز وإعطاء مساحة من الحكم للملك إلى أن استطاعت مصر التخلص من اواخر القواعد الانجليزية فى ١٩٥٦ بعد ثورة يوليو ١٩٥٢ وتبعتها صفعة تأميم القناة فى نفس العام حتى نقطع دابر الوجود العسكرى والمدنى أيضا والخلاص النهائى من التبعية الانجليزية مما ترتب عليه العدوان الثلاثى ١٩٥٦ باشتراك فرنسا وإسرائيل مع انجلترا لمحاولة العودة مرة أخرى للاستيلاء على مدن القناة وإدارة قناة السويس.. ولكن من حسن حظنا أن هذا لم يكن بموافقة اى من القطبين لا الاتحاد السوفيتى ولا والولايات المتحدة وعادوا من حيث أتوا وانتصرت إرادة شعب مصر الذى ضرب أروع الأمثلة فى الاستبسال للدفاع عن الأرض والعرض فى مدن القناة وخاصة فى بورسعيد والتى كانت الهدف الأول للعدوان الغاشم..

 

ولم تكن هذه هى المرة الأولى التى يعبر فيها الشعب عن نفسه باطروحة أو أغنية فلابد أن نتذكر"قولوا لعين الشمس ماتحماشى لحسن غزال البر صابح ماشي" والتى غيرها بعد ذلك الشاعرمجدى نجيب فيما بعد "لحسن حبيب القلب صابح ماشي" لتغنيها شادية..حيث رددها الشعب عشية إعدام الشاب ابراهيم الوردانى والذى اغتال بطرس غالى ١٩١٠ والذى كان رئيس محكمة دنشواى قبل أن يصبح رئيس وزراء مصر والتى حكمت على أربعة من الفلاحين بالإعدام اثر مقتل جندى انجليزى بضربة شمس..فخرجت الجماهير ليلتها لتنشد هذه الكلمات حيث المحكمة والمقصلة كانا فى الهواء تحت الشمس كنوع من الردع والتخويف وإثارة الرعب.. وهكذا دائما يردد العامة انا هذا الشعب مالوش كتالوج.. هو فعلا كذلك وفسرها كيفما تشاء..ولكن لاشك انه دائما يدافع عن كرامته ويتخندق ضد اعدائه فى وقت الخطر ليصبح رجلا واحدا.. ودعونا نحتفل معا بمرور قرن على استقلال المحروسة ويا رب دايما تفضل محروسة.